الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكة ميقات آخر من المواقيت التي وقتت، أي: عينت وبينت كالجحفة، فإنها بين ذي الحليفة ومكة ميقات ثان لا يجوز التجاوز لأحد عن أحدهما بغير إحرام إذا قصد دخول أرض الحرم سواء أراد أحد النسكين أم لا خلافًا لمن خالفنا.
والحاصل أنه إذا كان بعد الميقات أو في داخل ميقات الثاني فلا بأس أي: ضرر أن يدخل مكة بغير إحرام، أي: إذا لم يرد أحد النسكين وأما من كان خلف المواقيت، أي: الآفاقية التي لم يصل الميقات أيّ وقت بفتح الهمزة وفتح التحتية المشددة للاستفهام الإِقراري أي: أي ميقات من المواقيت، التي بينه أي: وجدت المواقيت بين ذلك وبين مكة سواء تعدد الميقات أم لا فلا يدخلنّ أي: أحد البتة مكة أرض الحرم إلا بإحرام، أي: إما بحجة أو عمرة أو بهما في محلهما أم لا وهو أي: دخول من كان خارج المواقيت في مكة بالإِحرام وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا أي: أتباع أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
لما فرغ من بيان عدم جواز دخول مكة بغير إحرام، شرع في بيان حال الحاج والمعتمر لمن كان خارج الميقات إذا أراد كل واحد منهما أن يخرج من إحرامه، فقال: هذا
* * *
باب فضل الحلق وما يجزئ من التقصير
في بيان فضل الحلق وما أي: وبيان عمل يجزئ أي: يكفي وهو بضم التحتية وسكون الجيم وكسر الزاي المعجمة وبعدها تحتية بلا همزة من الإِجزاء من التقصير، بيان استعمال أكثر من التحليق، كما أن استعمال التقصير أكثر من استعمال القصر.
461 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال: من ضَفَرَ فليحلق، ولا تَشَبَّهُوا بالتَّلْبيد.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، أو أنا حدثنا وفي نسخة: عن نافع بن عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة عن ابن عمر، رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من ضَفَرَ بفتح الطاء المعجمة والفاء والراء المهملة، أي أدخل بعض شعر رأسه في بعض
(461) إسناده صحيح.
وجعل ضفائر وكل ضفيرة على حدة بثلاث طاقات فما فوقها فليحلق وجوبًا واستحبابًا على ما سيأتي فإن كان الأمر للوجوب فالتقصير لم يجزه وعليه الحلق ولا تَشَبَّهُوا بفتح التاء والشين المعجمة وبالموحدة المشددة، أي لا تشبهوا علينا ويجوز بضم التاء وفتح الشين وكسر الموحدة المشددة من الفعيل، فالمعنى لا تشبهوا الضفر بالتَّلْبيد في (المغرب) أن الملبدين يجعل شعر رأسه لزوقًا (ق 495) بصمغ ونحوه ليلتصق، ولئلا يدخل القمل والغبار بينه وليبقى رأسه نظيفة، وهذا الحديث موقوف على عمر ظاهرًا مرفوع حكمًا، وليحيى عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: من عقص رأسه أو ضفر أو لبد فقد وجب عليه الحلق، ولا يجزيه التقصير إلى هذا ذهب الجمهور منهم مالك والثوري وأحمد والشافعي في قوله القديم قال في الجديد كالحنفية، ولا يتعين إلا أن نذره أو كان شعره خفيفًا لا يمكن تقصيره وإذا لم يكن له شعر فيمر الموسي على رأسه.
قال ابن دقيق العيد: إن السبب فيهما مختلف فالذي في الحديبية سببه توقف من الصحابة عن الإِحلال، لما دخل عليهم من الحزن لكونهم منعوا الوصول إلى البيت منع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك، فخالفهم صلى الله عليه وسلم وصالح قريشًا على أن يرجع من العام المقبل، فلما أمرهم بالحلال توقفوا فأشارت أم سلمة أن يحل ففعل فحلق بعض وقصر بعض فكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال ممن قصر.
* * *
462 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم ارحم المُحَلِّقِينَ"، قالوا: والمُقَصِّرين يا رسول الله، قال:"اللهم ارحم المُحَلِّقِينَ"، قالوا: والمُقَصِّرين يا رسول الله، قال:"والمُقصِّرِينَ".
قال محمد: وبهذا نأخذ، مَنْ ضَفَر فليحلق، والحلق أفضل من التقصير، والتقصير يجزئ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا.
(462) حديث صحيح: أخرجه البخاري (2/ 213) ومسلم (945)(2274) وأبو داود (1979) وأحمد (2/ 79، 131) والبيهقي (5/ 103) والعقيلي في الضعفاء (4/ 47).
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أو أنا حدثنا وفي نسخة: قال: بنا، أو أنا نافع، بن عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة فقيه، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، وهي كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة في وجه الأرض عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أي: في حجة الوداع، كما هو ظاهر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وناس من أصحابه وقصر بعضهم "اللهم ارحم المُحَلِّقِينَ"، قالوا: أي: بعض الصحابة من المحلقين أو المقصرين أو منهما جميعًا على طريق الالتماس والتلقين.
قال الحافظ: ولم أقف في شيء من طرقه على الذي تولى السؤال في ذلك بعد الحث الشديد والمُقَصِّرين يا رسول الله، أي: قل: وارحم المقصرين فإنك رحمة للعالمين قال: "اللهم ارحم المُحَلِّقِينَ"، أي: وأعرض عن قبول التلقين قالوا: ثانيًا قل: والمُقَصِّرين يا رسول الله، فالعطف على محذوف هو يسمى العطف التلقيني كقوله تعالى في سورة البقرة:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] أولها {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فاطلب تفسير من التفاسير قال: "اللهم ارحم المُحَلِّقِينَ" أي: كما قاله أَولًا وثانيًا قالوا: أي: ثالثًا قل: والمُقَصِّرين يا رسول الله، قال: أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرتين الثانية أو الثالثة أو الرابعة بحسب اختلاف الروايات "والمُقصِّرِينَ" والحديث في الصحيحين وغيرهما.
قال الحافظ: فيه إعطاء المعطوف حكم المعطوف عليه، ولو تخلل بينهما السكون بلا عذر ثم هو هكذا في معظم الروايات عن مالك، والدعاء للمحلقين مرتين وعطف المقصرين عليهم في المرة الثالثة وانفرد يحيى بن بكير رواه (الموطأ) بإعادة ذلك ثلاث مرات نبه عليه ابن عبد البر في (التقضي)، واعتله في (التمهيد) بل فيه أنهم لم يختلفوا على مالك في ذلك وقد راجعت أصل سماعي من موطأ يحيى بن بكير فوجدته كما قال في (التقضي)، وفي رواية الليث عن نافع عن مسلم، وعلقها البخاري رحمه الله المحلقين مرة أو مرتين قالوا: والمقصرين قال: "والمقصرين" والشك في الليث وإلا فأكثرهم موافق لرواية مالك، وعلقه البخاري (ق 496) من رواية عبيد الله بالتصغير عن نافع قال في الرابعة: المقصرين، ولمسلم من وجه آخر عن عبيد الله بلفظ مالك سواء، وبيان كونها في
الرابعة أن قوله: والمقصرين عطف على مقدر أي: وارحم المحلقين، وإنما قال بعد دعائه لهم ثلاث مرات فيكون دعائه للمقصرين في الرابعة، ورواه أبو عوانة من طريق الثوري عن عبيد الله بلفظ: قال في الثالثة والمقصرين، والجمع بينهما واضح بأن من قال الرابعة فعلى ما شرحناه، ومن قال الثالثة: أراد أن المقصرين عطف على الدعوة الثالثة أو أراد بالثالثة مسألة السائلين وصلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث، ولو لم يدعو لهم ثالث سأله ما سألوه، ولأحمد من طريق أيوب عن نافع بلفظ:"اللهم اغفر للمحلقين"، قالوا: وللمقصرين حتى قالها ثلاثًا أو أربعًا ثم قال: "والمقصرين" ورواية من جزم مقدمة على من شك، واختلف المتكلمون على هذا الحديث في الوقت الذي قال فيه ذلك.
فقال ابن عبد البر: لم يذكر أحد من رواة نافع عن ابن عمر أن ذلك كان يوم الحديبية وهو تقصير وحذف، وإنما جرى ذلك يوم الحديبية حين صد عن البيت، وهذا محفوظ مشهور من حديث ابن عمر وأبي سعيد الخدري وابن عباس وأبي هريرة وحبش بن جنادة وغيرهم، ثم أخرج حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لأهل الحديبية للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة، وحديث ابن عباس بلفظ: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله المحلقين"، الحديث، وحديث أبي هريرة ولم يثق لفظه بل قال معناه وتجوز في ذلك فليس في حديثه تعيين الموضع، ولم يقع من شيء من طريق التصريح بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو وقع لقطعت بأنه كان في حجة الوداع؛ لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية، ولم يسق ابن عبد البر عن ابن عمر في هذا شيئًا، ولم أقف على تعيين الحديبية في شيء من الطريق عنه، بل صرح موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر بأنه في حجة الوداع رواه البخاري في المغازي، وعنده من رواية الجويرية ابن أسماء ومسلم من رواية الليث كلاهما عن نافع عن ابن عمر ما يشعر بأن ذلك وقع في حجة الوداع وإليه يومئ صنيع البخاري.
وأما سبب تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع، فقال ابن الأثير في (النهاية): كان أكثر من حج معه صلى الله عليه وسلم لم يسق الهدي فلما أمرهم أن يفسخوا الحج إلى العمرة ثم يتحللوا منها ويلحقوا رؤوسهم شق عليهم، فلما لم يكن لهم بد من الطاعة كان التقصير في أنفسهم أخف ففعله أكثرهم فرجح النبي صلى الله عليه وسلم فعل من حلق؛ لأنه أبين في امتثال وفيه نظر وإن تبعه عليه غير واحد؛ لأن المتمتع يستحب له أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج
إذا قرب بين النسكين، وقد كان ذلك هنا، والأولى قول الخطابي وغيره أن عادة العرب حب توفير الشعور والتزين بها والحلق فيهم قليل، وربما رواه من الشهرة ومن ذي الأعاجم، فلهذا كرهوا الحلق واقتصروا على التقصير. وفي حديث الباب من الفوائد: أن التقصير يجزي عن الحلق، وهو مجمع عليه. كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: نعمل بما رواه ابن عمر عن عمر بن الخطاب مَنْ صَفَر فليحلق، والحلق أفضل (ق 497) من التقصير، لأنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة، وأدل على صدق النية والمقصر يبقى على نفسه شيئًا فما يتزين به بخلاف الحالق، فيشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى والتقصير يجزئ، من الإِجزاء أي: يكفي عن الحلق، وهو أي: قيام التقصير مقام الحلق قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا أي: من أتباع أبي حنيفة رحمه الله.
* * *
463 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع: أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة، أخذ من لحيته وشاربه.
قال محمد: وليس هذا بواجب، من شاءَ فعله، ومن شاءَ لم يفعله.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: ثنا حدثنا وفي أخرى: عن نافع بن عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة، أخذ من لحيته أي: من طولها أو عرضها إذا كانت زائدة على قبضة ومن شاربه أي: إذا طال.
قال محمد: وليس هذا أي: الأخذ من اللحية والشارب بواجب، أي: من واجبات الحج أو العمرة بل الأولى مستحبة والثانية سنة من شاءَ فعله، أي: إذا احتاج إليه بعد خروجه من إحرامه ليكون تكميلًا لقضاء تفثه ومن شاءَ لم يفعل أي: حيث لم يجب عليه إلا حلقه أو تقصيره قبل إعفاء اللحية وقص الشارب من سنن إبراهيم، صلوات الله على نبينا وعليه، وقيل: عشر خصال من السنن خمسة في الرأس: كقص الشارب
(1) في شرحه (2/ 528).
(463)
إسناده صحيح.