الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عمر أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: مَنِ اسْتَقَاءَ أي: تعمد إخراج القيء وأخرجه ولو دون ملاء الفم لإِطلاق قوله: من استقاء وهو أي: والحال أن المستقي ذكر أنه صائم فعليه القَضَاء، وشرط يونس أن يكون القيء ملاء الفم؛ لأن ما دونه كالعدم حكمًا حتى لا ينقض الوضوء ومَن ذَرَعَه بالذال المعجمة والراء المهملة والعين المهملة أي: غلبه وسبقه القَيْءُ، ولو كان ملاء الفم، وهو ذاكر لصومه فليس عليه شيء أي: لا يجب عليه القضاء ولا الكفارة، والحديث موقوف ظاهرًا ومرفوع حكمًا لما رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء، واستقاء عمدًا فليقض"(1) أي: من دون الكفارة لعدم صورة الفطر.
قال محمد: وبه أي: بما قاله ابن عمر رضي الله عنهما نأخذ، أي: نعمل وهو أي: ما قاله ابن عمر قولُ أي حنيفة رحمه الله تعالى، وبه قال مالك والشافعي ملأ فيه أم لا وعن أحمد روايتان أشهرهما أنه لا يفطر إلا بالفاحش، وعن ابن عباس وابن عمر أنه لا يفطر بالاستقاءة وأما إن ذرعه القيء فلم يفطر بالإِجماع. كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان حكم حال الصائم يذرعه القيء أو يستقي، شرع في بيان حكم الصوم في السفر، فقال: هذا
* * *
8 -
باب الصوم في السفر
في بيان حكم الصوم في السفر أي: في حاله.
359 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن ابن عمر كان لا يصوم في السفر.
(1) أخرجه: أبو داود (2380)، والترمذي (720)، وابن ماجه (1676)، والدارمي (1680)، وابن حبان (3518)، والدارقطني (2/ 184)، والحاكم (1557)، وابن خزيمة (1960)، وأبو يعلى (6604)، وابن الجارود في المنتقى (385)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 97).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(359)
أخرجه: مالك (643)، وعبد الرزاق في مصنفه (4475)، (4486)، وابن جرير في التفسير (2/ 152)، وابن سعد في الطبقات (4/ 148).
• أخبرنا مالك، من كبار أتباع التابعين، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا وفي نسخة: عن نافع، المدني مولى ابن عمر أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يصوم في السفر؛ لأنه كان يرى أن الصوم في السفر لا يجزي؛ لأن الفطر عزيمة من الله لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
فجعل عليه عدة، وبه قال أبوه عمر وأبو هريرة وعبد الرحمن بن عوف وقوم من أهل الظاهر، ويرده أحاديث الباب قاله ابن عبد البر (1): واحتجوا لذلك أيضًا بحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم في سفر في غزوة الفتح، كما في الترمذي رأى زحامًا ورجلًا قد ظلل عليه، فقال:"ما هذا؟ " قالوا: صائم، فقال:"ليس من البر الصوم في السفر"، ولمسلم:"ليس البر أن تصوموا في السفر"(2) وزاد بعض الرواة: عليكم برخصة الله التي رخص لكم في سورة البقرة قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] كذا قاله الزرقاني (3).
اتفقوا على أن المسافر والمريض الذي لا يرجى برءة يباح لهما الفطر وإن صام صح وإن تضررا أكره.
* * *
360 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهْرِيّ، عن عُبَيْد الله بن عبد الله، عن ابن
(1) انظر: التمهيد (22/ 53)، وشرح الزرقاني (2/ 227).
(2)
أخرجه: البخاري (1844)، ومسلم (1879)، وأبو داود (2407)، والترمذي (710)، والنسائي في المجتبى (2256)، وأحمد (14017)، (14858)، والدارمي (1661)، وابن حبان (3551)، وعبد الرزاق في مصنفه (4470)، وابن أبي شيبة (2/ 431)، والنسائي في الكبرى (2566)، (2568)، والطبراني في الأوسط (735)، والشافعي في المسند (761)، والبيهقي في الكبرى (8245).
(3)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 227).
(360)
أخرجه: البخاري (1808)، (1812)، (2734)، ومسلم (1113)، والنسائي (2253)، (2275)، وأحمد (2520)، (2839)، والدارمي (1660)، ومالك (576)، وابن حبان (3555)، (3563)، وعبد الرزاق في مصنفه (4471)، (4472)، وابن أبي شيبة (2/ 431)، وابن خزيمة (2034)، (2035)، والشافعي في المسند (760)، والطبراني في الأوسط (556)، وابن الجارود في المنتقى (398)، والبيهقي في الكبرى (8234)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 64)، والحميدي (514)، والطيالسي في مسنده (2718)، وعبد بن حميد (645).
عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام فتح مكة في رمضان، فصام حتى بلغ الكَدِيد، ثم أَفْطَرَ فأَفْطَرَ الناسُ معه، وكان فتح مكة في رمضان، قال: وكانوا يأخذون بالأحْدَث فالأحْدَث، من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد: مَنْ شاء صام في السفر، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ، والصوم أفضل لمن قَوِيَ عليه، وإنما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ حين سافر إلى مكة؛ لأنَّ الناس شَكَوْا إليه الْجُهْدَ من الصوم، فأفْطَرَ لذلك، وقد بلغنا أن حمزة الأسْلَمِيّ سأله عن الصوم في السفر، فقال:"إن شئتَ فَصُمْ، وإنْ شئْتَ فأفطرْ".
فبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ قبلنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، حدثنا في نسخة: عن الزُّهْرِيّ، أي: نسب إلى زهرة بن كلاب، والمراد به محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب تابعي، في الطبقة الرابعة في طبقات التابعين من أهل المدينة عن عُبَيْد الله بضم العين ابن عبد الله، بفتحها ابن عتبة بضم العين المهملة وسكون الفوقية أي: ابن مسعود عن ابن عباس، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام فتح مكة أي: من المدينة يوم الأربعاء: بعد العصر لعشر خلون في رمضان، لسنة ثمان من الهجرة فصام أي: في جميع مسيره حتى بلغ الكَدِيد، أي: وصله وهو بفتح وكسر الدال الأولى مكان بين عسفان وقديد وهو موقع بينه وبين المدينة بسبع مراحل أو نحوها وبينه وبين مكة ثلاث مراحل أو مرحلتان وهذا تعيين للمسافة. ثم أَفْطَرَ فأَفْطَرَ الناسُ معه، أي: حتى بلغوا مكة وكان فتح مكة في رمضان، أي: في زمان البركة وهي مضي العشر مع عشرة آلاف من الصحابة قال: أي: ابن عباس وكانوا أي: الصحابة يأخذون أي: يعلمون ويستدلون بالأحْدَث أي: بآخر أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم فالأحْدَث، من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: إنما يكون الأحدث ناسخًا إذا علم كونه ناسخًا أو يكون ذلك الأحدث راجحًا مع جوازهما وإلا فقد طاف على البعير وبقضاء مرة مرة، ومعلوم أن طواف الماشي والوضوء ثلاثًا ثلاثًا أرجح، وإنما فعل ذلك ليدل على الجواز، وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به، وتابعه الليث ويونس ومعمر وعقيل عن ابن شهاب
في (الصحيحين) قال الحافظ أبو الحسن القابسي: هذا الحديث من مرسلات الصحابة؛ لأن ابن عباس كان مقيمًا مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة وكان سمعه من غيره من الصحابة كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: مَنْ شاء صام في السفر، وَمَن شَاءَ أَفْطَرَ، والصوم أفضل لمن قَوِيَ عليه، أي: في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].
وجواب الشرط في الآية محذوف تقديره: إن كنتم تعلمون أيها المسافرون ما للصائمين من الفضل والكرامة لتمنيتم وتقولون: يا ليت لنا كل السنة رمضان لما قال أبو مسعود الغفاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقد أهل رمضان فقال: "لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان"(2).
فقال رجل من بني خزاعة: يا نبي الله حدثنا فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة لتتزين لرمضان من رأس الحول إلي الحول، فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت تضرب ورق أشجار الجنة فينظر الحور العين إلى ذلك فيقلن: يا ربنا اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر زواجًا تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا" قال صلى الله عليه وسلم: "فما من عبد يصوم يوم من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة كما نعت الله عز وجل حور مقصورات في الخيام، وعلى كل امرأة منهن سبعون حلة ليست عنها حلة على لون الأخرى ويعطى سبعين لونًا من الطيب ليس من لون على ريح الآخر لكل امرأة منهن سبعين ألف وصيفة أي: جارية لحاجتها وسبعون ألف وصيف أي: غلام، ومع كل وصيف صحفت أي قصعة من ذهب فيها لون طعام يجد لآخر لقمة منها لذة لم نجد لأوله، ولكل امرأة منهن سبعون سريرًا من ياقوتة حمراء، وعلي كل سرير سبعون فراشًا بطائنها من إستبرق فوق كل فراش سبعون أريكة يقال لها بالتركي: جارشف، ويعطي زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشحًا بالدر عليه من سوارين من ذهب هذا بكل يوم صامه من رمضان
(1) قال ياقوت: الكديد تصغيره تصغير الترخيم، وهو موضع بالحجاز، ويوم الكديد من أيام العرب، وهو موضع على اثنين وأربعين ميلًا من مكة (4/ 442).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 222)، والفتح (4/ 182).
سوى ما عمل من الحسنات" رواه ابن خزيمة والبخاري ومسلم وفي (صحيحهم)(1)(2).
قال الإِمام مالك والشافعي: الصوم أفضل للمسافر إن قوي عليه كما قال أبو حنيفة، وقال أحمد والأوزاعي: الفطر أحب مطلقًا لحديث "من البر الصيام في السفر" وإنما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ حين سافر إلى مكة أي: عام الفتح؛ لأنَّ الناس شَكَوا إليهِ الْجُهْدَ بفتح الجيم وضمها المشقة من الصوم، أي: من جهة الصيام في السفر فأفْطَرَ لذلك، أي: لهذا العذر والحديث رواه يحيى في (الموطأ) لمالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال: "تقووا لعدوكم" وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكمال قوته على رياضته قال أبو بكر: الذي حدثني لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب على رأسه الماء من العطش ومن الحر ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت قال: فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكديد دعا قدح فشرب فأفطر الناس والعرج بفتح العين المهملة وسكون الراء قرية جامعة من عمل الفرع على أيام من المدينة. كذا نقله علي القاري عن السيوطي، وروى أن بعضهم صاموا بعد إفطاره صلى الله عليه وسلم فقال: أولئك العصاة وقد بلغنا أن حمزة الأسْلَمِيّ صحابي يعد من أهل الحجاز روى عنه جماعة سأله أي: النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر، فقال:"إن شئتَ فَصُمْ، وإنْ شئْتَ فأفطُرْ" والحديث رواه يحيى في موطئه لمالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمر الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر (3).
قال محمد: فبهذا أي: بما رواه حمزة الأسلمي نأخذ، أي: نعمل وهو قولُ أبي
(1) كذا في المخطوطة، والصواب: في صحيحيهما.
(2)
أخرجه: ابن خزيمة (1886)، وأبو يعلى (5273)، والبيهقي في الكبرى (3634)، وقال البيهقي: فيه جرير بن أيوب، وهو ضعيف.
قال في المجمع: رواه أبو يعلى، وفيه جرير بن أيوب وهو ضعيف (3/ 141).
(3)
أخرجه: البخاري (1841)، ومسلم (1121)، والترمذي (711)، والنسائي في المجتبى (2297)، (2299)، (2300)، وأحمد (25137)، والدارمي (1659)، ومالك (642)، وابن حبان (3560)، وعبد الرزاق في مصنفه (4503)، والنسائي في الكبرى (2603)، (2605)، والطبراني في الكبير (2962)، وفي الأوسط (4778)، وفي الصغير (680)، وابن خزيمة (2028)، (2053)، والبيهقي في الكبرى (8248)، والشافعي في المسند (482).