الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الحديث موقوف ظاهرًا، مرفوع حكمًا، وكيف لا في الكتب الستة، واللفظ للبخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: غزوتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنا، فقامت طائفة معه فصلى، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا، فكان الطائفة التي لم يصل فجاؤوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وسجد سجدتين، ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه فسجد سجدتين.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بقول ابن عمر، وهو أي: ما قاله ابن عمر قول أبي حنيفة، رحمه الله، وكان مالك بن أنس لا يأخُذُ به، أي: لا يعمل بقول ابن عمر، وكذا الحسن البصري، وأبو يوسف، والمازني من أصحاب الشافعي، حيث أنكروا مشروعية صلاة الخوف بعده صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيها أفعال منافية للصلاة، فيقتضي فيها على رموز الخطاب، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم إمامًا لقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية [النساء: 102].
والجمهور على أن إقامة الصلاة لها بعده صلى الله عليه وسلم دليل على أن معنى الآية: كنت فيهم أقمت أو من يقوم مقامك، كما في قوله تعالى في سورة التوبة:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الآية [التوبة: 103]، ومما يدل على أن الحكم باقٍ بعده صلى الله عليه وسلم فعل بعض أصحابه الكرام، فقد روى أبو داود عن مسلم عن إبراهيم عن عبد الصمد بن حبيب عن أبيه أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة كابل، فصلى بهم الخوف، وأن الطائفة التي صلى بهم ركعة، ثم سلموا مضوا إلى مقام أصحابهم فجاء هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم رفعوا إلى مقام أولئك، وجاء الآخرون فصلوا لأنفسهم ركعه، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان حكم صلاة الخوف، شرع في إظهار أثر الخوف، فقال: هذا
* * *
باب وضع اليمين على اليسار في الصلاة
في بيان حكم وضع اليمين على اليسار، أي: وضع المصلي يده اليمنى على يده اليسرى في كل قيام في الصلاة، وهو نوع تعظيم لله تعالى، وكذا انحناء المصلي ظهره للركوع تعظيم له (ق 292) تعالى، ولكن التعظيم له تعالى في وضع المصلي جبهته
بالأرض في سجوده أعظم منهما؛ لأن وجه المؤمن أشرف أعضائه، فإذا وضعه في الأرض للسجود تذلل له تعالى، وهو كمال التعظيم، وهو تقرب إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من الله وهو ساجد"، رواه الديلمي في (مسند الفردوس).
291 -
أخبرنا مالك، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ، قال: كان الناس يُؤمُرونَ أن يضع أحدهم يده اليمنى على ذراعه اليُسْرَى في الصلاة، قال أبو حازم: ولا أعلم إلا أنه يَنْمِي ذلك.
قال محمد: ينبغي للمصلي إذا قام في صلاته أن يضع باطن كفه اليمنى على رُسْغِه اليسرى تحت السُّرَة، ويرمي ببصره إلى موضع سجوده، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: قال: ثنا، أخبرنا، وفي نسخة قال: أبو حازم، أي: اسمه سلمة بن دينار الأعرج، مولى الأسود بن سفيان، ثقة، عابد من الطبقة الثامنة، مات في خلافة المنصور، عن سهل بن سعد أي: ابن مالك بن خالد بن ثعلبة عن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن مساعدة الأنصاري السَّاعِدِيّ، من مشاهير الصحابة، يقال: كان اسمه حزنًا فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وسماه سهلًا، روى عنه ابن عباس وأبو حازم والزهري، مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، مات سنة إحدى وتسعين، وقيل: قبل ذلك، قال الواقدي - من المؤرخين: عاش مائة سنة، كذا في (الإِصابة) لابن حجر، قال: كان الناس أي: الصحابة والتابعين يُؤمُرونَ أي: من جهة النبي صلى الله عليه وسلم أو من قِبَل الخلفاء الكرام أن يضع أحدهم يده اليمنى على ذراعه اليُسْرَى في الصلاة، قال أبو حازم: أي: الراوي: ولا أعلم إلا أي: ولكن أنه أي: سهل بن سعد الساعدي يَنْمِي ذلك، بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم، أي: يرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث مرفوع لديه، والاستثناء منفصل، وهو لا يصح إخراجه عن صور الكلام بأن لا يكون المستثنى من جنس الأول، قال الله تعالىِ في سورة الشعراء حكاية عن إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه، فإنه قال لقومه: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ
(291) صحيح، أخرجه: البخاري (740)، وأحمد (22342)، ومالك (378).
الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 75 - 77]، فإني أعبده وأعظمه، والاستثناء منقطع، كذا قاله عبد الرحمن بن الملك في (شرح المنار).
قال محمد: ينبغي للمصلي إذا قام في صلاته أن يضع باطن كفه اليمنى على رُسْغِه اليسرى في نسخة: الأيسر، والرُسغ بضم الراء وسكون السين المهملة والغين المعجمة هو المفصل بين الساعد والكف، ولم يذكر أيضًا محلهما من الجسد، كذا قاله الزرقاني.
قال الشمني في (شرح النقاية): قال أبو يوسف: يقبض باليمين رسغه اليسرى، وقال محمد: يضع الرسغ وسط الكف، وفي (المفيد): يأخذ المصلي الرسغ بالخنصر والإِبهام، وهو المختار، وقال شمس الأئمة السرخسي: استحسن كثير من مشايخنا الجمع بين الأخذ والوضع، وذلك بأن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى، ويحَلِّق بالخنصر والإِبهام، تحت السُّرَة، ويرمي أي: ينصب ببصره إلى موضع سجوده، أي: قائمًا حفظًا له إلى ما شغله عن الخشوع، وهو أي: المذكور قولُ أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، ولا خلاف في استحباب النظر إلى موضع السجدة، وإنما الخلاف في محل موضع اليدين فمختار (ق 293) أبي حنيفة تحت السرة، ورواية عن أحمد، وقال الشافعي: على صدره، وهو رواية أيضًا عن أحمد، لما روى ابن خزيمة في صحيحه من حديث وائل بن حجر، قال: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليسرى على صدره، أي: أولًا، ثم وضع يده اليمنى عليها، ولنا ما روى أحمد والدارقطني والبيهقي عن علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه، أنه قال: السنة وضع الكف على الكف تحت السرة، والصحابي إذا قال: السنة يحمل على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك في ترجيح رواية علي على رواية وائل بن حجر؛ لأنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يومًا أو صلاة واحدة مع كون علي رضي الله عنه، أفقه منه وأضبط بلا شبهة، وقد جعلت في إرسال مالك رسالة مستقلة، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان تعظيم المصلي بربه بلا واسطة بأن يضع بطن كفه اليمنى على اليسرى تحت السرة والنظر في قيامه إلى موضع السجدة، شرع في بيان تعظيم المصلي بربه بالواسطة، بأن يصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى في سورة الأحزاب:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
* * *