الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [الحج: 36] يدل علي الفورية على مذهب (ق 436) الكرخي وبعض أصحاب الشافعي والتقليد أفضل من الإِشعار، أي: لعدم توهم الفرد في الأول، ولكون جوازه متفقًا عليه والإِشعار حَسَنٌ، أي: مستحسن عند الجمهور والإِشعار أي: الأحسن من الجانب الأيسر، إلا أن تكون صِعَابًا أي: مستصعب مُقَرَّنة أي: مقرونة بعضها ببعض لا يستطيع أي: لا يقدر صاحبها أن يدخل بينها فيُشْعِرها أي: قيدها من الجانب الأيسر أو الأيمن.
لما فرغ من بيان تقليد البدن وإشعارها، شرع في بيان حكم حال من تطيب قبل أن يحرم، فقال: هذا
* * *
باب من تطيب قبل أن يحرم
في بيان حكم حال من تطيب أي: استعمل طيبًا قبل أن يحرم وفي نسخة: باب بغير حرف الجر.
402 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن أسْلَم مولى عمر بن الخطاب، أنَّ عمر بن الخطاب وجد ريح طيبٍ وهو بالشجرة، فقال: مِمَّن رِيحُ هذا الطيب؟ فقال مُعَاويَة بن أبي سفيان: مِني يا أمير المؤمنين، قال: منك؟ لَعَمْرِي، قال: يا أمير المؤمنين إنَّ أمّ حبيبةَ طَيَّبَتْني، قال: عزمت عليك لترجعَنّ فلتغْسِلنّه.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني: منسوب إلى ملك من ملوك اليمن، يقال له: ذو أصبح، كان في الطبقة السابعة من طبقات كبار أتباع التابعين، من أهل المدينة (1) وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا أي: نافع، ابن عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه مشهور كان من الطبقة الثالثة، مات سنة سبع
(402) أخرجه: مالك (617)(716)، وابن أبي شيبة (3/ 207)، والبيهقي في الكبرى (9049)، (9050)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 126).
(1)
تقدم مرارًا.
عشرة ومائة أو بعد ذلك من الهجرة (1) عن أسْلَم أي: العدوي مولى عمر بن الخطاب، مخضرم مات سنة ثمانين بعد الهجرة، وقيل: بعد سنة وهو ابن مائة وإحدى عشرة سنة كذا قاله ابن حجر في (التقريب)(2) أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجد ريح طيبٍ أي: من أحد المحرمين وهو بالشجرة، موضع قريب من المدينة بذي الحليفة على ستة أميال من المدينة فقال: أي: سأل مستفهمًا أو منكرًا مِمَّن رِيحُ هذا الطيب؟ أي: يفوح فقال مُعَاويَة بن أبي سفيان: وهو صخر بن حرب بن أمية الأموي أبو عبد الرحمن الخليفة، وهو أي: ابن أبي سفيان صحابي أسلم قبل الفتح وكتب الوحي، ومات في رجب سنة ستين، وقد قارب الثمانين بعد الهجرة كذا في (التقريب)(3) مِني يا أمير الؤمنين، قال: منك؟ لَعَمْرِي، بفتح العين وضمها من الباب الرابع إذا عاش زمانًا طويلًا وهذا مخالف للقياس، وهو أن يكون غير فعله في مصدره متحركًا ومنه أطال الله عمرك، وهذه الألفاظ وإن كان مصدرا في المعنى ولكن يستعمل في القسم بفتح العين فقط، ماذا أدخلت عليه اللام الابتداء كان مرفوعًا على الابتدائية، وتقول لعمر الله وإذا كان اللام التوكيد للابتداء وكان الخبر محذوفًا يكون تقدير الكلام لعمر الله ما أقسم به، وإن لم تدخل عليه لام الابتداء يكون نصبه كنصب سائر المصادر، فتقول: عمر الله ما فعلت كذا وعمرك الله ما فعلت كذا فالمعنى في لعمر الله وعمر الله احلف ببقاء الله ودوامه كذا قاله محمد الواني في (ترجمة الجوهري)، وكان عمر رضي الله عنه قاس هذا على قوله تعالى من سورة الحجر:{لَعَمْرُكَ} [الحجر: 72] وإلا فمن المعلوم أن ليس لي أحد أن يحلف بغير الله ولا بحياة أحد سواه، وأما هو سبحانه وتعالى فله أن يقسم بما شاء قال:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 1 - 3] كذا قال علي القاري قال: أي: معاوية معتذرًا يا أمير المؤمنين إنَّ أمّ حبيبةَ (ق 437) وهي أخت بنت أبي سفيان إحدى أمهات المؤمنين، مشهورة بكنيتها، واسمها رملة طَيَّبَتْني، أي: مسحتني طيبًا مع أنها عالمة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حال الإِحرام فقال: أي: عمر عزمت عليك أي: أقسمت عليك وألزمتك لترجعَنّ أي: إلى مكان فيه ماء
(1) تقدم.
(2)
تقدم.
(3)
انظر: التقريب (1/ 253).
فلتغْسِلنّه وكان الطيب مما بقي عينه، ثم هذا الأمر يحتمل أن يكون بعد تلبية الإِحرام أو عند إرادته له، وفي رواية عبد الرزاق: أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك كما طيبتك، وزاد في رواية أيوب عن نافع عن أسلم قال: فرجع معاوية إليها حتى لحقهم ببعض الطرق فهذا عمد مع جلالته لم يأخذ بحديث عائشة على ظاهره فتعين تأويله بما مر وسيأتي عليه الكلام.
* * *
403 -
أخبرنا مالك، أخبرنا الصَّلْتُ بن (زُبَيْد) عن غير واحد من أهله، أنَّ عمر بن الخطاب وَجَدَ ريح طِيبٍ وهو بالشَّجَرَة، وإلى جنبه كثير بن الصَّلْت، فقال: مِمَّن ريح هذا الطيب؟ فقال كثير: مني، لَبَّدْتُ رأسي، وأردتُ أن أحلق، قال عمر: فاذهب إلى شَرَبَة فادلك منها رأسك حتى تُنْقِيَه، ففعل كثير بن الصَّلْت.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا أرَى أن يتطيبَ المُحْرِم حين يريد الإِحرام، إلا أن يتطيب، ثم يغتسل بعد ذلك.
وأما أبو حنيفة، فكان لا يَرَى به بأسًا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: أنا أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا، الصَّلْتُ بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بالمثناة الفوقية، وهو ابن أخي كثير بن الصلت بن (زييد) بضم الزاي وتحتيتين تصغير زيد الكندي، وثقه العجلي (1) وغيره، مدني، كان من الطبقة الثانية من التابعين في الدينة كذا قاله ابن حجر في (التقريب)(2) عن غير واحد من أهله، أي: عن جمع كثير من أقارب الصلت أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَجَدَ ريح طيبٍ وهو أي: والحال أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشَّجَرَة، أي: موضع بذي الحليفة قريب من المدينة بستة أميال وإلى جنبه أي:
(403) أخرجه: مالك (717).
(1)
انظر: تاريخ الثقات (ص: 396)، رقم (1407).
(2)
انظر: التقريب (2/ 492).
والحال وجد عند عمر بن الخطاب كثير بن الصَّلْت، بن معدي كرب الكندي المدني من كبار التابعين ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الطبقة الثانية ووهم من جعله صحابيًا كذا قاله في (التقريب) (1) فقال: أي: عمر كما في (الموطأ)(2) لمالك مِمَّن ريح هذا الطيب؟ فقال كثير: أي: ابن الصلت مني، أي: يا أمير المؤمنين لَبَّدْتُ رأسي، أي: جعلت فيه شيئًا نحو الصمغ ليجتمع شعره؛ لئلا يشعث في الإِحرام ويقع فيه العمل وأردتُ أن أحلق، أي: بعد فراغ نسكي قال عمر: فاذهب إلى شَرَبَةٍ هي بالتحريك حويض حول النخلة كذا في (القاموس)، وقال مالك: الشربة حفير يكون عند أصل النخلة، وفي (التمهيد): الشربة مستنقع الماء عند أصول الشجر حوض يكون مقداريها، وقال ابن وهب: هو الحوض حول النخلة يجتمع فيها الماء، وروى ابن أبي شيبة (3) عن بشير بن يسار لما أحرموا وجد عمر ريح طيب فقال: ممن هذا الريح فقال البراء بن عازب: مني يا أمير المدينة قال عمر: قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة، إنما الحاج الأوقر الأغير، فهذا عمر قد أنكر على صحابيتين وتابعي كبير الطيب بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم، وما أنكر عليه منهم أحد فهو من أقول الأدلة على تأويل حديث عائشة رضي الله عنها، وقد روى وكيع عن شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه أن عثمان رأى رجلًا تطيب أي: استعمل طيبًا عند الإِحرام فأمره أن يغسل رأسه بطين كذا قال الزرقاني فادلك وهو أمر من الدلك من باب نصر منها رأسك وكلمة "من" بمعنى "في" كقوله تعالى في سورة الجمعة: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] والضمير المجرور عائد إلى شربة باعتبار الحوض، وهو مؤنث سماعي (ق 438) حتى تُنْقِيَه، أي: من الإِنقاء أو التنقية أي: حتى تنظف رأسك من طيبك ففعل كثير بن الصَّلْت وهذا واضح؛ لأن التلبية بما يغطي الرأس، فإن كان مخلوط بطيب فيوجب دمين والإِدماء.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نحن أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى نعمل بأمر عمر بن الخطاب بعدم استعمال الطيب عند الإِحرام لا أرَى أي: لا أختار أن يتطيبَ أي: يستعمل المُحْرِم حين يريد الإِحرام، أي: إلا أن يتطيب، أي: بذلك الطيب أولًا ثم
(1) تقدم.
(2)
تقدم.
(3)
أخرجه: ابن أبي شيبة (4/ 288).