الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشرط لثبوت هلال الفطر والأَضحى إذا كان بالسماء علة لفظ الشهادة (ق 368) من حرين المكلفين غير محدودين في قذف لهو حرتين بلا دعوى، وإذا لم يكن بالسماء علة فلا بد من شهادة جمع عظيم لرمضان والفطر والأضحى، مقدار عود الجمع العظيم مفوض لرأي الإِمام في الأصح كذا في (نور الإِيضاح) فإنْ غُمَّ عليكم بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي: حال بينكم وبين هلال الصوم والفطر غيم أي: ستر من سحاب أو غبار ودخان أو ذباب ولم يظهر لكم فاقْدُرُوا له" بهمزة الوصل وضم الدال تأكيدًا لقوله: لا تصوموا حتى تروا الهلال أي: فقدروا للهلال الذي أنتم فيه ثلاثون يومًا حرم الصوم لإِعراض عن ضيافة الله للتشبيه لأهل الكتاب؛ لأنهم زادوا في صومهم، كذا قاله التمرتاشي.
وحكمة مشروعية الصوم: سكون النفس للإِمارة بإعراضها عن الفضول؛ لأنها إذا جاعت شبعت جميع الأعضاء فتنقبض اليد والرجل والعين وباقي الجوارح بمعنى قويت على البطش والنظر وفعل ما لا ينبغي فبانقباضها يضعف القلب وتحصل المراقبة، والعطف على المساكين بالإِحسان بألم الجوع لمن هو وصفه أبدا فيحسنوا به أو لذا لا ينبغي الإِفراط في السحور لمنعه الحكمة المقصودة والاتصاف بصفة الملائكة كما حررناه في (سلم الفلاح شرح نور الإِيضاح).
قال محمد: وبهذا أي: بحديث رواه ابن عمر نأخذ، أي: نعمل ونفتي وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله.
لما فرغ من بيان أحكام رؤية هلال شهر رمضان والشوال شرع في بيان نهاية وقت السحور لمن أراد أن يتسحر، فقال: هذا
* * *
باب متى يحرم الطعام على الصائم
متى يحرم أي: في أي وقت يحرم فيه أكل الطعام على الصيام أي: لمن يريد أن يصوم. استنبط المصنف هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة البقرة: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وأخذ سنية السحور من الأمر في قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} وأخذ نهاية الوقت للسحور من دلالة كلمة حتى في {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} وهي تدل على أن ما بعدها غاية لما قبلها كما ذكرتها آنفا.
347 -
أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالًا ينادي بِلَيْلٍ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أمّ مَكْتُومٍ".
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي أي: نسب إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، وكان من أتباع التابعين، ومن الطبقة السابعة من أهل المدينة، وهي كانت في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا حدثنا عبد الله بن دينار، العدوي التابعي ويكنى أبا عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر ثقة من الطبقة الرابعة من أهل المدينة عن ابن عمر، رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالًا رضي الله عنه ينادي أي: يؤذن وهي رواية الأصيلي في البخاري بِلَيْلٍ، أي: فيه للتذكير وللتسحير كما روى في (الصحيحين) (1) مرفوعًا عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم وليتنبه نائمكم" ثم قال القرطبي: إنه مذهب واضح على أن العمل المنقول بالمدينة على خلافه فلم يرده إلا بالعمل على ابن عبدة المالكي، وادعى بعض الحنفية (ق 369) أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيرًا أو تسحيرًا كما يقع للناس اليوم وليسميه أهل المصر إبرارًا وأهل الروم تمجيدًا وقال ابن قطان: أن ذلك في رمضان خاصة فكلوا واشربوا حتى ينادي أي: يؤذن ابن أمّ مَكْتُومٍ" الفاء جواب لشرط محذوف تقديره: إذا كان أذان بلال تذكيرًا أو تسحيرًا فكلوا واشربوا إلى حين أذان ابن أم مكتوم فالأمران للإِباحة كقوله تعالى في سورة المائدة: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] والندب ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه بخلاف الواجب كذا قاله ابن مالك في (شرح المنار) ولكن الواجب أن يوجد نهاية الأكل حين أذان ابن أم مكتوم لأن حمل كلمة حتى أن تدل على أن ما بعدها غاية لما قبلها، فنهاية الليل حين أذان ابن أم مكتوم، فالأكل فيه لا يحل لمن يريد الصيام. فإن قيل: ما الحكمة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم للمكلفين بالسحور؟ أجيب بما رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
(347) صحيح، أخرجه: البخاري (617)، ومسلم (1092)، والنسائي (637)، وأحمد (5263)، ومالك (163).
(1)
أخرجه: البخاري (621)، ومسلم (1093).
بالواسطة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة" أي: رحمة من الله واستغفارًا من الملائكة للمتسحر لما رواه الطبراني في (الأوسط) وابن حبان في (صحيحه) بالواسطة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" كذا أورده الإِمام المنذري في (ترغيب السحور).
* * *
348 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزهري، عن سالم، مثله، قال: وكان ابن أم مكتوم لا ينادي حتى يُقَال له: أصْبَحْتَ أصْبَحْتَ.
قال محمد: كان بلال ينادي بليل في شهر رمضان، لسُحُورِ الناس، وكان ابن أم مكتوم ينادي للصلاة بعد طلوع الفجر، فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كُلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: قال: بنا، وفي نسخة: أنا رمزًا إلى أخبرنا حدثنا، وفي نسخة: قال: بنا الزهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أي: نسب إلى زهرة بن كلاب تابعي مدني، وكان من الطبقة الرابعة من أهل المدينة كذا قاله ابن الجوزي عن سالم، أي: ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، يكنى أبا عمر وأبا عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة وكان شابًا عابدًا فاضلًا كان يشبه بأبيه في الهدى والسمت، وكان من كبار التابعين من الطبقة الثالثة مات في آخر سنة ست بعد المائة على الصحيح كذا قال ابن حجر في (التقريب) مثله، أي: مثل مَرْوّي عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوع، هذا إسناد آخر لمالك في هذا الحديث قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في الإِسناد الأول أنه موصول، وأما هذا فرواه يحيى وأكثر الرواة مرسلًا، ووصله القعنبي فقال: عن أبيه عبد الله بن عمر أنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالًا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" قال: أي: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ويجوز أن يعود الضمير المرفوع المستتر في "قال" إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصله القعنبي
(348) صحيح، أخرجه: البخاري (617)، ومالك (164).
يعني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أي: والحال كان ابن أم مكتوم لا ينادي حتى يُقَال له: أصْبَحْتَ أي: دخلت في الصباح وفي (الموطأ) لمالك أصْبَحْتَ أصْبَحْتَ بالتكرار تأكيدًا لكونه أعمى، وفيه جواز أذان الأعمى إذا كان له من يخبره بالوقت.
قال محمد: يعني المصنف به نفسه عبر عن نفسه للتواضع وللاتباع لقوله تعالى في سورة الشعراء: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] كان بلال ينادي بليل في شهر رمضان، لسُحُورِ الناس، وكان (ق 370) ابن أم مكتوم ينادي للصلاة بعد طلوع الفجر، فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كُلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" اسمه عمرو وقيل: اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولا يمتنع أنه كان له اسمان وهو قرشي عامري، أسلم قديمًا، والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة، وكان صلى الله عليه وسلم يكرمه ويستخلفه على المدينة وشهد القادسية في خلافة عمر واستشهد بها، وقيل: رجع إلى المدينة فمات، وهو الأعمى المذكور في سورة (عبس) واسم أمه عاملة بنت عبد الله المخزومية، وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه به لاكتتام نور بصره، والمعروف أنه أعمى بعد بدر بسنتين، كذا قاله ابن حجر في (فتح الباري شرح البخاري)، وتعقب بأن نزول سورة عبس بمكة قبل الهجرة فالظاهر والله أعلم بعد البعثة.
وقد روى ابن سعد والبيهقي عن أنس قال: إن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ابن أم مكتوم فقال: متى ذهب بصرك قال: وأنا غلام لفظ البيهقي: وأنا صغير فقال: قال الله تعالى: "إذا ما أخذت كريمة عبدي لم أجد له أجر إلا الجنة"(1) وفي الحديث جواز الأذان قبل الفجر الثاني، واستحباب أذان واحد بعد واحد في الفجر فقط، وأما اثنان معًا فمنع منه قوم وقالوا: أول من أحدثه بنوا أمية، وقال الشافعية: لا يكره إلا أن يحصل من ذلك فتنة وجواز اتخاذ المؤذنين في مسجد واحد، وأما الزيادة عليهما فليس في الحديث تعرض أو قد روي عن مالك: لا بأس أن يؤذن للقوم في السفر كذا قاله الزرقاني.
لما فرغ من بيان آخر الوقت للتسحر شرع في بيان حكم ما يقتضي القضاء والكفار من أكل ما يتغذى به عمدًا، فقال: هذا
* * *
(1) أخرجه: البيهقي في الشعب (9959).