الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: بما ذكر في الحديثين جوازًا يُحْرِمُ أي: يدخل الرجل في الإِحرام إن شاءَ في دُبُرِ أي: عقب صلاته، أي: هو الأفضل وإنْ شاء حين يَنْبَعِث به أي: يقيمه بعيره، أي: دابته وكُلٌّ حَسَنٌ، أي: والأول أحسن وقد قال تعالى في سورة الزمر: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر: 55] وهو قولُ أبي حنيفة، والعامةِ من فقهائنا اعلم أن الأفضل يحرم عقب صلاة ركعتي الإِحرام إلا في قول الشافعي، وهو الأصح من مذهبه أنه يحرم إذا انبعثت به راحلته إن كان راكبًا، وإن كان ماشيًا إذا توجه إلى طريقه كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان زمان الإِحرام، شرع في بيان التلبية، فقال: هذا
* * *
باب التلبية
في بيان أحكام التلبية، وهي مصدر لبى يلبي إذا أجاب بلبيك وخلافه معناه أجبتك إجابة بعد إجابة أن التثنية بحذف الزوائد للتكرير والتكثير كقوله تعالى في سورة الملك:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ} الآية [الملك: 4].
386 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر، أن تَلْبِيَةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَبَّيْكَ اللَّهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شريك لك لَبَّيْكَ، إن الحمدَ والنِّعْمَةَ لك والمُلْك، لا شريك لك"، قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها:
(386) أخرجه: البخاري (1474)، ومسلم (1184)، وأبو داود (1812)، والترمذي (825)، (826) والنسائي في المجتبى (2748)، وابن ماجه (2918)، وأحمد (4443)، (5067)، والدارمي (1754)، ومالك (725)، والنسائي في الكبرى (3728)، (3730)، وابن حبان (3799)، وابن أبي شيبة (4/ 283)، وابن خزيمة (2621)، والشافعي في المسند (570)، والطبراني في الأوسط (5040)، والصغير (327)، والبزار (1901)، وابن الجارود في المنتقى (433)، وأبو يعلى (5804)، والحميدي (660)، والطيالسي في مسنده (1824)، وعبد بن حميد (726)، وابن الجعد (2791)، والطرسوسي في مسنده (75)، والمختارة (2622) من طريق عن ابن عمر.
لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ بيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ والرَّغْبَاءُ إليك والعَمَلُ.
قال محمد: وبهذا نأخذ، التَّلْبيةُ هي التَّلْبيةُ الأولى التي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما زِدْتَ فَحَسَنٌ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني منسوب إلى مالك (ق 415) ذي أصبح من ملوك اليمن، كان في الطبقة السابعة من طبقات كبار التابعين، من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة (1) وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا وفي نسخة: قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، نافع المدني مولى عبد الله بن عمر ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة (2) عن عبد الله بن عمر، أن تَلْبِيَةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي: التي كان يداوم عليها ولا ينقص منها "لَبَّيْكَ اللَّهم أي: بالله أجبناك فيما فيما دعوتنا.
قال ابن عبد البر (3): قال جماعة من العلماء: معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج قال الحافظ: وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير (4) وابن أبي حاتم في تفاسيرهم بأسانيد قوية عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد أقوى بما فيه أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: لما فرغ إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه من بناء البيت قيل: أذن في الناس بالحج قال: يا رب، وما يبلغ صوتي قال: أذن وعلي البلاغ قال: فنادى إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيبون من أقصى الأرض يلبون. ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه: فأجابوه بالتلبية في أصلاب
(1) تقدم مرارًا.
(2)
تقدم مرارًا.
(3)
انظر: التمهيد (15/ 132).
(4)
انظر: جامع البيان (16/ 181).
الرجال وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال الزين بن المنير: وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وقفهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى كذا قاله الزرقاني (1).
فإن قيل: من أي جبل أحجار الكعبة أخذها إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه حين بناها؟ أجيب: أخذها من خمسة جبال طور سيناء وطور رننا والجودي وأبي قبيس ونور، وفي أخذها من هذه الجبال عبرة للعالمين، فينبغي لمن يطوفها أن يعتبر وينظر بالإِجلال ويخشى من عظمة الله بالاحتجاب عن المعاصي بعد أن يطوفها؛ لأنه كان ضيفًا لله تعالى، والضيف لا يخالف المضيف وأن يتفكر أسرار قوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ كرره ثلاثًا مبالغة في التأكيد، أو الأول عند الولادة والثاني عند القبض والثالث عند البعث إلى المحشر، أو الأول عند العهد والميثاق حين خاطب تعالى بقوله:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] قال: بلى والثاني: في الدنيا بالاستقامة على موجب قوله تعالى: {بَلَى} والثالث: عن سؤال المنكر والنكير في القبر عن ربه، وعن دينه وعن نبيه، أو كرره ثلاث مرات باعتبار اختلاف الأحوال من الغنى والفقر والتوسط وفي ذكره ثلاث مرات واتفق عليه البلغاء، وأما تكرير {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] و {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] فليس من التأكيد في شيء لا شريك لك لَبَّيْكَ، أي: لا في الألوهية (ق 416) ولا في الربوبية فلا يستحق غيرك المعبودية إن الحمدَ روي بكسر الهمزة، وهو أكثر وأشهر بفتحها على أن "أن" للتعليل، والمراد بالحمد والثناء، والشكر بقرينة قوله: والنِّعْمَةَ بكسر النون أي: المنحة والعطية لك أي: مختصة بكرمك وجودك، ولا يحصل نقمة لأحد إلا بجودك والمُلْك، بالنصب عطف على الحمد والنعمة، ولذا يستحب الوقوف عليه، والتقدير: والمُلْك لا شريك لك"، في جميع ما ذكر من الحمد والنعمة والملك، فالجملة مؤكدة لما قبلها نافية الشركة لا حد فيها والمقصود منها التبري من الشرك والجلي والخفي.
قال الزين بن المنير: قرب الحمد والنعمة وأفرد الملك؛ لأن الحمد متعلق النعمة،
(1) انظر: شرح الزرقاني (2/ 326).
ولهذا يقال: الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال: لا حمد إلا لك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر للتحقيق أن النعمة كلها منه تعالى؛ لأن صاحب الملك قال: أي: نافع وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: أي: في آخرها فيقول لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ ثلاث مرات وَسَعْدَيْكَ أي: أساعد طاعتك بعد مساعدة في خدمتك والخَيْرُ بيَدَيْكَ، أي: الخير كله بيد الله ومن فضله أي: بقدرته وكرمه لَبَّيْكَ أي: بتصرفك في الدنيا والآخرة والاكتفاء بالخير مع أن الخير والنعم كلاهما بيديه إما تأدبًا في ترك نسبة الشر إليه أو كل شيء لا يكون خاليًا عن خير، كما يشير إليه ما ورد يا الله المحمود في أفعاله، وكما يقال: الخير فيما اختاره الله والرَّغْبَاءُ إليك وهو بفتح الراء مع المد وبضم الراء مع القصر وحكى فيه أبو علي فيه الفتح المستحق للعبادة والعَمَلُ أي: العمل لك خاصة أو منه إليك لا يستحق غيرك، ولا يجازى عليه سواك.
قال ابن دقيق العيد: فإن قيل: كيف زاد ابن عمر في التلبية ما ليس منها مع أنه كان شديد التحري لاتباع السنة، وفي حديثه عند مسلم من رواية سالم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على هذه الكلمات أي: المذكورة؟ أولا أجاب بأنه رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا، وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على تلك الكلمات، وأن الثواب يضاعف بكثرة العمل واقتصار المصطفى لا قلة ما يكفي وأجاب الولي العراقي بأنه ليس فيه خلط السنة بغيرها بل أي: بما سمعه ضم إليه ذكرًا آخره معناه، وباب الأركان لا تحجر فيه إذا لم يؤد إلى تحريف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذكر خير موضوع، والاستكثار من حسن على أن أكثر هذا الذي زاده كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء استفتاح الصلاة، وهو "لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك"(1) انتهى، والجوابان متقاربان كذا قاله الزرقاني (2).
(1) أخرجه: مسلم (771)، وأبو داود (760)، والترمذي (3422)، والنسائي في المجتبى (896)، وأحمد (805)، والدارمي (1218)، والنسائي في الكبرى (971)، وابن حبان (1773)، وعبد الرزاق في مصنفه (2566)، وابن خزيمة (462)، والدارقطني (2968)، والطبراني في الأوسط (4552)، والشافعي في المسند (139)، والبيهقي في الكبرى (2391)، والشعب (3133)، وأبو يعلى (574)، والبزار (536).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 327).