الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال السيد الشريف محمد الجرجاني: الزعم هو القول بلا دليل انتهى. يعني ادعى بعض التابعين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبعث رجالًا يُدْخِلون أي: من الإِدخال الناس من وراء العَقَبة أي: من خارج جمرة العقبة إلى مِنىً، أي: في داخلها.
قال ابن مالك من النحويين: ويمكن أن تكون كلمة "إلى" مرادفة "في"، كما في قوله تعالى في سورة النساء والأنعام:{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنعام: 12] أي: في يوم القيامة، كما قاله ابن هشام في (مغني اللبيب)، وهل العقبة من منى أم لا، المشهور المذكور عن كثير منهم أنها ليست من منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة قال نافع: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يبيتنّ نهي غائب مؤكد من باب التفعيل أي: لا يمكثن أحدٌ من الحاجّ لَيَالي منى وراء العَقَبة أي: من جهة مكة، فإذا كان النهي تحريمًا يجب الدم على من بات خارج العقبة عند الشافعي والجمهور من المحدثين، وإذا كان تنزيهًا لا شيء عليه، لكنه خالف السنة، وقد روى ابن نافع عن مالك: من حبسه مرض فبات بمكة فعليه هدي إلا لرعاء الإِبل للحديث الآتي وأهل الساقية للحديث الصحيح: رخص النبي صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله تعالى عنه أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته، كما قاله الزرقاني.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بما رواه ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا ينبغي لأحدٍ من الحاجّ أن يبيت إلا بمنًى ليالي الحجّ، فإن فعل أي: إن بات في غير منى خارج جمرة العقبة فهو مكروه، أي: بكراهة التنزيه لمخالفته السنة ولا كَفَّارَة عليه، أي: لعدم وجوب البيتوتة بمنى وهو أي: عدم وجوب الكفارة على من بات في غير منى في ليالي أيام التشريق قولُ أبي حنيفة، والعامّة من فقهائنا أي: من أتباع أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
لما فرغ من بيان حكم (ق 540) البيتوتة للحاج خارج منى في ليالي أيام التشريق، شرع في بيان حكم الحاج من تقديم نسك على نسك، فقال: هذا
* * *
باب من قدم نسكًا قبل نسك
في بيان حكم حال (من) أي: الحاج قدَّم نسكًا على نسك بضم النون وسكون
السين، بمعنى العبادة يقال: مسك ينسك، من باب الأول كذا قاله محمد الواني، وهو مما يجب تقديمه على بعض أو تأخير عنه.
501 -
أخبرنا مالك، حدثنا ابن شهاب، عن عيسى بن طَلْحَةَ بن عُبَيْد الله أنَّه أخبره، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَفَ للناس عام حَجَّة الوداع، يسألونه، فجاءَ رجلٌ فقال: يا رسول الله، لم أشْعُر، فنحرتُ قبل أن أرْمِي، قال:"ارْمِ ولا حَرَج"، وقال آخرُ: يا رسول الله، لم أشعرُ فحلقتُ قبل أن أذبح، قال:"اذبح ولا حَرَج"، قال: فما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ يومئِذٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ، إلا قال:"افعل ولا حرج".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا حدثنا وفي نسخة: بنا، وفي أخرى: ثنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن زهرة بن كلاب، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة على وجه الأرض، عن عيسى بن طَلْحَةَ بن عُبَيْد الله بالتصغير القرشي التيمي المدني، يكنى أبا محمد ثقة فاضل، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات سنة مائة كما في (التقريب) لابن حجر (1) وأبو طلحة أحد العشرة، وكان زوج أم سلمة بعد وفاة زوجها الأول مالك أبي أنس، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أنس بن مالك ربيبة أنَّه أي: عيسى بن طلحة أخبره، أي: ابن شهاب عن عبد الله بن عمرو بفتح العين ابن العاص، بغير الياء، وبها خطأ. كما قال علي القاري في (فتح القدير شرح المشكاة)، رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَفَ أي: توقف على ناقته، كما في رواية صالح عند البخاري ويونس عند مسلم بلفظ: على راحلته، فرواية يحيى القطان جلس في حجة الوداع للناس أي: لأجلهم عام حَجَّة الوداع، وفي رواية: وقف عند الجمرة، وفي رواية أخرى: فخطب يوم النحر.
قال القاضي عياض: جمع بعضهم بأنه توقف واحد، ومعنى خطب أي: أعلم الناس؛ لأنها من خطب الحج المشروعة قال: ويحتمل أن ذلك في موطنين: أحدهما: على راحلته عند الجمرة، ولم يقل في هذا خطب، والثاني: يوم النحر بعد صلاة الظهر
(501) صحيح: أخرجه البخاري (1/ 43) ومسلم (2/ 948).
(1)
التقريب (1/ 439).
وذلك في وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإِمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم، وصوَّب النووي هذا الثاني، فعن البخاري وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات، فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى انتهى. فطفق الناس يسألونه، أي: عن مسائل حجهم فجاءَ رجلٌ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ومما سأل في هذه القصة، وكانوا جماعة، لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره: كان الأعراب يسألونه فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم فقال: يا رسول الله، لم أشْعُر، بضم العين أي: لم أدر وجوب الترتيب أو سنة فنحرتُ قبل أن أرْمِي، قال:"ارْمِ أي: بعد النحر ولا حَرَج"، أي: لا إثم عليك بالجهل بالأحكام، وهو عذر في بداية الإِسلام وقال آخرُ: يا رسول الله، لم أشعُر أي: لم أفطن يقال: شعرت الشيء شعورًا إذا أفطنت له وقيل: الشعور العلم، ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور، وبينه يونس عند مسلم بلفظ: لم أشعر الرمي قبل الحلق فحلقتُ أي: شعر رأسي قبل أن أذبح، والفاء سببية جعل الحلق سببًا عن عدم الشعور كأنه يعتذر لتقصيره قال: أي: صلى الله عليه وسلم (ق 541)"اذبح أي: بعد الحلق ولا حَرَج"، أي: لا إثم في تأخيره، لما مر.
قال القاضي عياض: ليس أمرًا بالإعادة، وإنما هو إباحة لما فعل لأنه سأل عن أمر فرغ منه، فالمعنى افعل ذلك متى شئت ونفي الحرج بين في رفع الفدية عن العامد والساهي، وفي مسائل الإِثم عن الساهي، فالأصل أن تارك السنة عمدًا لا يأثم إلا أن يتهاون فيأثم للتهاون لا للتحرك قال: أي: عبد الله بن عمر فما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ يومئِذٍ أي: من مسائل الحج قُدِّمَ أي: فيما يستحق التأخير كالطواف والسعي ولا أُخِّرَ، أي: فيما يستحق التقديم من الرمي والحلق والذبح إلا قال: "افعل أي: المؤخر ولا حرج" أي: في تقديم المؤخر، والحديث في الصحيحين، وبظاهره أخذ الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: إن حلق قبل الرمي أو نحر القارن أو المتمتع قبل الرمي أو حلق قبل الذبح أو أخر طواف الفرض أو الحلق عن أيام النحر يجب عليه دم، وأما لو طاف قبل الرمي والحلق فلا شيء عليه، ويكره، ودليل أبو حنيفة ما رواه ابن أبي شيبة والطحاوي من حديث ابن عباس قال: من قدم شيئًا في حجة أو أخره فليهرق لذلك دمًا.
* * *
502 -
أخبرنا مالك، حدثنا أيوب السَّخْتِيانِيّ، عن سعيد بن جُبَيْر، أنَّ ابن عباس كان يقول: مَنْ نَسِيَ من نُسُكه شيئًا أو تَركَ فَلْيُهْرِق دمًا، قال أيوب: لا أدري، أقال: تَرَكَ أم نَسِيَ.
قال محمد: وبالحديث الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم نأخُذُ، أنَّه لا حرج في شيء من ذلك.
قال أبو حنيفة: لا حَرَجَ في شيءٍ من ذلك، ولم يرَ في شيءٍ من ذلك كَفَّارَة إلا في خَصْلَةٍ واحدة، المُتَمَتِّع والقَارِن، إذا حَلَقَ قبل أن يذبح، قال: عليه دَمٌ، وأما نحن فلا نَرَى عليه شيئًا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا حدثنا وفي نسخة: قال: ثنا أبو أيوب السَّخْتِيانيّ، اسمه كيسان بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة تحتانية وبعد الألف نون، يكنى أبا بكر البصري ثقة ثبت حجة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات كبار الفقهاء العباد، من أهل البصرة، وهي كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة من وجه الأرض، ومات سنة إحدى وعشرين ومائة وهو ابن خمسة وستين سنة. كما قاله ابن حجر (1) عن سعيد بن جُبَيْر، الأسدي وهو مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين من أهل الكوفة، كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة من وجه الأرض، قتل بين يدي الحجاج بن يوسف سنة خمس وتسعين وهو ابن سبع وخمسين، وقال بعض المؤرخين: هو ابن تسعة وأربعين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: مَنْ نَسِيَ من نُسُكه بضم النون وسكون السين أي: من أراد الحج وترك فعلًا من أفعال الحج بنسيانه أو من أفعال عمرته ارتكب بالنسيان من محظورات إحرامه شيئًا وفي معناه من جهل أو تَرَكَ عمدًا أو خطأ فَلْيُهْرِق دمًا، بضم التحتية وسكون المهملة ويفتح أي: فليذبح، وبهذا قال مالك وجماعة قال أيوب أي: ابن أبي تميمة كيسان السختياني لا أدري، أقال: أي: سعيد بن جبير تَرَكَ أم نَسِيَ يعني: أنه إنما قال أحدهما فـ "أو" للشك لا للتنويع.
(502) إسناده صحيح.
(1)
في التقريب (1/ 117).