الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السعي بين الصفا والمروة
في بيان حكم السعي بين الصفا والمروة، وهو واجب في النسكين وعند الشافعي فيها، (ق 508) والمشي فيه واجب عندنا خلافًا للشافعي.
474 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان: إذا طاف بين الصفا والمروة؛ بدأ بالصفا فَرَقِيَ حتى يبدو له البيت، قال: وكان يكبر ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، يفعل ذلك: سبع مرات، فذلك إحدى وعشرون تكبيرة، وسبع تهليلات، ويدعو فيما بين ذلك، ويسأل الله تعالى، قال: ثم يهبط، فيمشي، حتى إذا جاءَ بطن المَسِيل سعى، حتى يظهر منه، ثم يمشي حتى يأتي المَرْوَة، فيرقَى، فيصْنَعُ عليها مثل ما صنع على الصفا، يصنع ذلك سبع مرات، حتى يفرغ من سعيه.
وسمعتُه يدعو على الصفا: اللهم إنك قلت: ادعوني أستجب لكم، وإنك لا تُخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني للإسلام، أن لا تنزِعه مني، حتى تَوَفَّاني وأنا مسلم.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ابنا أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا نافع، أي: ابن عبد الله المدني، التابعي ثقة عالم مشهور، مولى ابن عمر، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، وقال المؤرخون: إنه مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك من الهجرة كما في (التقريب)(1) عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما أنه كان: إذا طاف بين الصفا والمروة؛ أي: أراد السعي بينهما بدأ بالصفا أي: لقوله صلى الله عليه وسلم حين قارب الصفا: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية [البقرة: 158]، وفي رواية:"ابدؤوا بما بدأ الله به" وهو سنة، وقيل: واجب وقيل: شرط.
(474) إسناده صحيح.
(1)
التقريب (1/ 559).
قال الخطابي: فيه أنه اعتبر تقديم المبدأ به في التلاوة فقدمه، وأن الظاهر في حق الكلام أن المبدأ ومقدم في الحكم على ما بعده، والساعي إذا بدأ بالمروة لم يعتد به ذلك. انتهى.
ونحوه لابن عبد البر وبهذا قال مالك والشافعي والجمهور: وأصرح منه في الدلالة رواية النسائي (1): "ابدؤوا بما بدأ الله به"، هكذا بصيغة الأمر للجمع، كذا قاله الزرقاني فَرَقِيَ بكسر القاف أي: صعد ابن عمر، وهذا يتصور إن كان ماشيًا حتى يبدو له البيت، بضم الدال وفتح الواو حتى يظهر له الكعبة ويعاينها ويستقبلها قال: وكان يكبر ثلاث تكبيرات، أي: يقول: الله أكبر ثلاث مرات ويرفع يديه، كما في الدعاء؛ لا أنه يرفعهما ويخفضهما كما يفعله السفهاء ثم يقول: وثم بمعنى الواو، كما وجد الواو مكان ثم في (الموطأ) ليحيى لا إله أي: لا مستحق للعبادة إلا الله أي: إلا الذات المستجمع لصفات الكمالات، وهو بدل العين من العين من محل لا إله، كما في (العيون) وحده نصب حال، أي: منفردًا بالذات لا شريك له، أي: في حقيقة الصفات عقلًا وسمعًا، وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إنما هو إله واحد له الملك بضم الميم أي: ملك الدنيا والآخرة ظاهرًا وباطنًا ملك العلم والحلم والقناعة والإِيمان والمعرفة وسلك، السلطة العامة والسياسة الخاصة، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء بإعطاء ملكه له، ويذل من يشاء بنزعه عنه بيده الخير، وكذا الشر في عطائه ومنعه وله الحمد، أي: في الدنيا والآخرة على كل حال، وفي كل حال يحيي أي: يوجد من يشاء، ويميت أي: يسلب حياته أو يحيي بالإِيمان والعمل ويميت بالكفر وهو أي: والحال أنه تعالى على كل شيء أي: تعلقت به الإِرادة قدير، أي: تام القدرة.
وفي رواية لمسلم وغيره: مرفوعًا زيادة: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وفيه دليل على إثبات أهل السنة والجماعة ورد الفرق الضالة، فإن العبد وفعله بخلق الله تعالى، وعليه التسليم بربه والرضا بقضائه والعلم بأنه تعالى عزيز في حكمته، وأنه ضعيف عاجز، وفي تفسير (الكواش) في قوله تعالى في سورة البقرة:{إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] أوحى الله تعالى إلى داود صلوات الله
(1) النسائي (5/ 236).
على نبينا وعليه (ق 509) يا داود اعرفني وأعرف نفسك، فقال: يا رب فكيف أعرفك وأعرف نفسي، فقيل: اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء، واعرفني بالقدرة والقوة والبقاء انتهى يفعل ذلك: أي: يقول ما ذكر من التكبيرات الثلاثة والتهليل المذكور مع رفع يديه، ولذا عبر عنه بيفعل تغليبًا سبع مرات، فذلك أي: مجموع ما ذكر إحدى وعشرون تكبيرة، وسبع تهليلات، ويدعو أي: يطلب من الله ما شاء من مراداته وحاجاته فيما بين ذلك، أي: المذكور من المرات السبع على الوجه المسطور ويسأل الله تعالى، عطف تفسيري أو الدعاء باللسان والسؤال بالجنان، وفي نسخة: قال: أي نافع ثم أي: بعد الدعاء والسؤال يهبط، بكسر الموحدة، أي: ينزل عبد الله بن عمر من الصف فيمشي، أي: على هنية وسكون في هنية حتى إذا جاءَ بطن المَسِيل وهو المحازي للميلين الأخضرين الأولين سعى، أي: أسرع في مشيه حتى يظهر منه، أي: يعلو من بطن المسيل وحاذى الميلين الأخضرين الأخيرين ثم يمشي أي: على مهله حتى يأتي المَرْوَة، فيرقَى، بفتح التحتية والقاف من باب علم أي: فصعد ابن عمر رضي الله عنه فيصْنَعُ عليها أي: على المروة مثل ما صنع على الصفا، أي: من استقبال الكعبة وغيره فينحرف قليلًا إلى يمينه، ويكبر ويهلل ويدعو فيما بين ذلك، كما تقدم آنفا ويصنع ذلك أي: ما ذكر من السعي سبع مرات، أي: الأربعة عشر كما توهم بعضهم حتى يفرغ من سعيه أي: بأن يقع ختمه على المروة، كما في الرواية.
وسمعتُه عطف على قال أي: قال نافع: سمعت ابن عمر حال كونه يدعو على الصفا: أي: من جملة ما ورد عنه من الدعاء اللهم إنك قلت: ادعوني أستجب لكم، وإنك لا تُخلف الميعاد، أي: الوعد في المبدأ والمعاد وإني أسألك كما هديتني إلى الإِسلام، وفي نسخة: للإِسلام، أي: الإِمضاء التام والهداية تتعدى بهما كما في قوله تعالى: {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] وتتعدى أيضًا بلا واسطتها، كقوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] أن لا تنزعه بكسر الزاي المعجمة أي: لا تخلع الإِسلام مني، حتى تَوَفَّاني بحذف إحدى التائين أي: حتى تقبضني وتميتني، كما خلقتني على الإِسلام وأمتني على الإِسلام وأنا مسلم أي: والحال الآن أنا مسلم ظاهرًا وباطنًا، فهو مضمون توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين، وهو تعليم الأمة أو تعظيم لله تعالى على وجه العزة، والحديث رواه
ابن أبي شيبة في مصنفه أيضًا من قول ابن عمر موقوفًا، كذا قاله علي القاري. وفيه تنبيه أنه لا يجوز لأحد من المؤمنين غير الأنبياء والمبشرين بالجنة أن يقطع لنفسه ولغيره بحسن الخاتمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قال: أنا مؤمن حقًا فهو كافر أو منافق" رواه الديلمي في مسند الفردوس، وأورده المناوي في (كنوز الحقائق) في حديث: خير الخلائق.
قال السخاوي: معناه من قال: أنا مؤمن جزمًا بحسن الخاتمة فهو كافر، وهو مقصور بعلم الله تعالى، فينبغي للمؤمن أن يقول في آناء الليل وأطراف النهار: ثبت قلبي على دينك، واقبضني على (ق 510) دينك، واحشرني مع نبيك.
* * *
475 -
أخبرنا مالك، أخبرنا جعفر، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبط من الصفا، مشى حتى إذا انصبَّت قدماه في بطن المسِيل سعى، حتى ظهر منه، قال: وكان يكبر على الصفا ثلاثًا، ويهلل واحدة، يفعل ذلك ثلاث مرات.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، إذا صعِدَ الرجل الصفا كبر وهلل، ثم هبط ماشيًا حتى يبلغ بطن الوادي، فيسعى فيه حتى يخرج منه، ثم يمشي مشيًا على هِينَتِهِ حتى يأتي المروة، فيصعَد عليها، فيكبِّر ويهلِّل، ويدعو، يصنع ذلك بينهما سبعًا، يسعى في بطن الوادي في كل مرة منها، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني منسوب إلى ذي أصبح ملك من ملوك اليمن، وكان في الطبقة السابعة من طبقات كبار أتباع التابعين من أهل المدينة، وهي كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة في وجه الأرض، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: أنا أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا، وفي أخرى: أنا جعفر، بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، يكنى أبا عبد الله المعروف بالصادق، صدوق فقيه إمام، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة
مات سنة ثمان وأربعين من الهجرة، وذكر منقبته في باب الرمل بالبيت عن أبيه، أي: محمد الباقر عن جابر بن عبد الله، بن عمرو بن حرام بمهملتين الأنصاري، ثم السلمي بفتح السين المهملة واللام، صحابي غزا تسع عشرة غزوة، ومات بالمدينة بالسبعين من الهجرة وهو ابن أربعة وتسعين. كذا قاله ابن حجر (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبط بفتح الموحدة أي: نزل من الصفا، مشي أي: على راحلته حتى إذا أنصبَّت قدماه بتشديد الموحدة أي: انحدرتا في بطن المسِيل سعى، أي: أسرع في مشيه حتى ظهر منه، أي: طلع من المسيل قال: أي: جابر وكان أي: النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الصفا ثلاثًا، ويهلل واحدة، أي: ثم يدعو ثم يعيدها يفعل ذلك ثلاث مرات كذا في رواية مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي عوانة عن جابر أيضًا، ولعله ما اطلع على الزيادة بخلاف ابن عمر، فإنه كان بالغًا في مقام المتابعة والاستفادة ويمكن الجمع بأن العدد بحسب النسك.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أي: إنما نعمل بجميع من ذكر في هذا الباب إذا صعِدَ الرجل أي: المحرم على الصفا وفي حكم المرأة، ولا يبعد أن يقال: المرأة لا ينبغي أن تصعد لأن مبنى أمرها التستر كبر وهلل، ودعا أي: وأقله مرة واحدة منها وأكثره سبعًا، كما مضى ثم هبط ماشيًا أي: إلا إذا كان معذور فيكون راكبًا حتى يبلغ بطن الوادي، أي: أوله فيسعى فيه أي: فيبالغ في سرعته حتى يخرج منه، أي: من بطن الوادي ويصل إلى آخره ثم يمشي مشيًا مفعول مطلق على هِينَتِهِ بكسر الهاء وسكون التحتية وفتح النون وكسر الفوقية أي: على سهولة في مشيه كذا قاله محمد الواني في (ترجمة الجوهري) حتى يأتي المروة، فيصعَد عليها، أي: يستقبل الكعبة المكرمة ويرفع يديه فيكبِّر ويهلِّل، ويدعو، أي: كما تقدم يصنع ذلك أي: ما ذكر من المشي بينهما سبعًا، أي: لا زيادة عليها ولا نقص منها يسعى أي: يسرع في بطن الوادي في كل مرة منها، أي: لا في ثلاثة الأول، قياسًا على ما في الطواف من عدد الرمل، وهو أي: السرعة في بطن الوادي في كل مرة من السعي السبع وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا الحنفية خلافًا للطحاوي من الحنفية وبعض الشافعية.
(1) في التقريب (1/ 136).