الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب الجَنَائِز
في بيان أحكام الجنائز، فهي بمنزلة كتاب الجنائز، وهي بفتح الجيم جمع جنازة، وهي بالكسر لغتان، قال ابن قتيبة: وجماعة الكسر أفصح، وقيل: بالكسر للنعش، وبالفتح للميت، وقالوا: لا يقال نعش إلا إذا كان عليه الميت، وأورد المصنف هذه الأبواب الآتية بين باب الشهداء وبين كتاب الزكاة لتعلقهما بهما؛ لأن الشهادة تطهر النفس عن الآثام، وكذلك غسل الجنازة يطهرها عن الدنس الظاهرة، والصلاة عليها دعاء بالمغفرة لذنوبها، والزكاة تطهير للنفس والمال إذا أديت، كما قال تعالى في سورة الأعلى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]، أي: نجا من أدى زكاة أمواله.
قال مالك عن جعفر الصادق بن محمد الباقر عن أبيه مرسلًا عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص، وقال سعيد بن زيد الباجي - المالكي: يحتمل أن يكون ذلك خاصًا به صلى الله عليه وسلم؛ لأن السنة عند مالك وأبي حنيفة والجمهور أن يجرد الميت ولا يغسل في قميصه، وقال الشافعي: لا يجرد ويغسل فيه، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله لا ندري أنجرده عن ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه، فألقى الله عليهم النوم حتى ما منعهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، كذا قاله السيد محمد الزرقاني.
ورُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفى غسله عليّ رضي الله عنه ومسح بطنه المبارك بيده رقيقًا، وطلب منه ما طلب من الميت فلم ير شيئًا، فقال: طبت حيًا وميتًا، وصب عليه الماء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، كذا قاله السيواسي في (الفرائد شرح ملتقى الأبحر).
باب المرأة تُغَسِّل زوجها
في بيان حال المرأة تغسل زوجها، اتفقوا على أن للزوجة أن تغسل زوجها لبقاء العدة، فلو ولدت عقب موته لم تغسله بخلاف الرجل فإنه لا يغسل زوجته لانقطاع
النكاح، فإذا لم توجد امرأة لتغسلها فزوجها يتيممها أو ليس عليه كف نظره عن ذراعيها بخلاف الأجنبي، كذا في (سلم الفلاح شرح نور (ق 316) الإِيضاح).
304 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، أن أسْماءَ بنت عُمَيْس امرأةَ أبي بكر الصِّدِّيق غَسَّلَتْ أبا بكر حين تُوُفِّي، ثم خرجت فسألت مَنْ حضرها من المهاجرين؛ فقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد، فهل علىّ من غُسْل؟ فقالوا: لا.
قال محمد: وبهذا نأْخذ، لا بأس بأن تغسِّل المرأة زوجها إذا تُوُفِّيَ، ولا غُسْل على من غسَّل الميت، ولا وُضوءَ، إلا أن يصيبه شيء من ذلك الماء فيغسله.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا مالك بن أنس، أي: ابن عمير بن أبي عامر نسب إلى ذي أصبح، وهو ملك من ملوك اليمن، وهو من أتباع التابعين في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، أخبرنا وفي نسخة قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني القاضي، تابعي، ثقة من الطبقة الخامسة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وهو ابن سبعين سنة، كذا قاله ابن حجر في (التقريب)(1).
أن أسْماءَ وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث، وقيل: أصل وسام، بنت عُمَيْس بضم المهملة وفتح الميم وسكون التحتية والسين المهملة مصغر خثعمية، صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر، ثم علي، وولدت منهم، وماتت بعد علي، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، امرأةَ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، أنها غَسَّلَتْ زوجها أبا بكر حين تُوُفِّي، بضمتين وكسر فاء مشددة، أي: مات ليلة الثلاثاء لثمان بقين من
(304) صحيح، أخرجه: مالك (508)، وعبد الرزاق في مصنفه (6126).
(1)
تقدم.
جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وله ثلاث وستون سنة، كما رواه الحاكم وغيره عن عائشة رضي الله عنها، وهو الصحيح كما في (فتح الباري)، ولا خلاف في جواز تغسيل المرأة زوجها، وأما تغسيله لها فأجاز الجمهور والأئمة الثلاثة؛ لأن عليّا رضي الله عنه غسَّل فاطمة رضي الله عنها، وقال أبو حنيفة والثوري: تغسله لأنها في عدة منه، ولا يغسلها لأنه ليس في عدة منها، ولا حجة فيه؛ لأنها في حكم الزوجية لا في حكم البيتوتة بدليل الإِرث، ثم أي: بعد غسله خرجت أي: من المغتسل فسألت مَنْ حضرها من المهاجرين؛ فقالت: إني صائمة، هذا أحد أعذارها، وإن هذا يوم شديد البرد، فهل عليَّ أي: واجب من غُسْل؟ أي: لغسل الميت لا للعدة، كما توهمه عدة من النساء على التقديرين، فقالوا: أي: المهاجرون: لا، أي: لا يجب ولا يستحب عليك الغسل.
قال محمد: وبهذا أي: بأثر عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم نأْخذ، أي: نعمل ونُفتي، لا بأس أي: لا كراهة بأن تغسِّل المرأة زوجها أي: لو كانت صائمة، وفي الخانية الصغير والصغيرة، إذا لم يشتهيا يغسلهما الرجال والنساء؛ لأن أعضائهما ليس لهما حكم العورة، كذا قاله الشمني في (شرح النقاية)، إذا تُوُفِّيَ، بضم الفوقية والواو، وبكسر الفاء المشددة، أي: إذا مات الزوج مع قطع العلاقة المحرمية بالنكاح، ولا غُسْل على مَنْ غَسَّل الميت، أي: مطلقًا، ذكرًا كان أو أنثى، ولا وُضوءَ، أي: ولا طهارة صغرى، أي: هنا من هذه الجهة، إلا أن يصيبه أي: بدنه شيء من ذلك الماء أي: المستعمل، فليغسله، أي: محله احتياطًا؛ فإن الماء المستعمل طاهر (ق 317) في نفسه غير مطهر غيره عند أبي حنيفة، وأما ما أخرجه أحمد بن حنبل عن المغيرة مرفوعًا:"مَنْ غسل ميتًا فليغسل"، فمحمول على ما مر في أن يصيبه الماء المستعمل، أو في الاستحباب كما قاله أبو حنيفة.
اعلم أن غُسل الميت فرض كفاية على الأحياء حتى لو وجد ميت في الماء غسل، وإن كان يفسخ صب عليه الماء، واختلفوا في سبب غسله، فقيل: حدث يحل بالميت لاسترخاء مفاصله، فإن الآدمي لا ينجس بالموت لكرامة له، وإنما لم يقتصر على إعفاء الوضوء؛ لأن الاقتصار عليها في الحياة للحرج فيما يتكرر في كل يوم، والحدث بسبب الموت لا يتكرر فكان كالجنابة.
وقال العراقيون: سببه النجاسة بالموت كسائر الحيوانات؛ لأن شخصًا لو حمل