المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٢

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌باب سجود القرآن

- ‌باب المَارِّ بين يدي المصلي

- ‌باب ما يستحب من التطوع في المسجد عند دخوله

- ‌باب الانتفال في الصلاة

- ‌باب صلاة المُغْمَى عليه

- ‌باب صلاة المريض

- ‌باب النخامة في المسجد وما يكره من ذلك

- ‌باب الجنب والحائض يعرقان في الثوب

- ‌باب بدء أمر القبلة وما نسخ من قبلة بيت المقدس

- ‌باب الرجل يصلي بالقوم وهو جنب أو على غير وضوء

- ‌باب الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه

- ‌باب الرجل يصلي وهو يحمل الشيء

- ‌باب المرأة تكون بين الرجل يصلي وبين القبلة وهي نائمة أو قائمة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب وضع اليمين على اليسار في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب في بيان حكم الاستسقاء

- ‌باب الرجل يصلي ثم يجلس في موضعه الذي صلى فيه

- ‌باب صلاة التطوع بعد الفريضة

- ‌باب الرجل يمس القرآن وهو جنب أو على غير طهارة

- ‌باب الرجل يجر ثوبه أو المرأة تجر ثوبها فيعلق به قذر ما كره من ذلك

- ‌باب فضل الجهاد

- ‌باب ما يكون من الموت شهادة

- ‌أبواب الجَنَائِز

- ‌باب المرأة تُغَسِّل زوجها

- ‌باب ما يكفن به الميت

- ‌باب المشي بالجنائز والمشي معها

- ‌باب الميت لا يُتبع بنار بعد موته أو مجمرة فى جنازته

- ‌باب القيام للجنازة

- ‌باب الصلاة على الميت والدعاء له

- ‌باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌باب الرجل يحمل الميت أو يحنطه أو يغسله هل ينقض ذلك وضوءه

- ‌باب الرجل تدركه الصلاة على الجنازة وهو على غير وضوء

- ‌باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن

- ‌باب ما رُويَّ أن الميت يُعَذَّب ببكاء الحي

- ‌باب القبر يتخذ مسجدًا أو يُصلى إليه أو يتوسد

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌باب زكاة المال

- ‌باب ما تجب فيه الزكاة

- ‌باب المال متى تجب فيه الزكاة

- ‌باب الرجل يكون له الدَّين هل عليه فيه زكاة

- ‌باب زكاة الحلي

- ‌باب العشر

- ‌باب الجزية

- ‌باب زكاة الرقيق والخيل والبراذين

- ‌باب الركاز

- ‌باب صدقة البقر

- ‌باب الكنز

- ‌باب من تحل له الصدقة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب صدقة الزيتون

- ‌أبواب الصِّيَام

- ‌باب الصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته

- ‌باب متى يحرم الطعام على الصائم

- ‌باب من أفطر متعمدًا في رمضان

- ‌باب الرجل يطلع له الفجر في رمضان وهو جنب

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الحجامة للصائم

- ‌باب الصائم يذرعه القيء أو يتقيأ

- ‌ باب الصوم في السفر

- ‌باب قضاء رمضان هل يفرَّق

- ‌باب من صام تطوعًا ثم أفطر

- ‌باب تعجيل الإفطار

- ‌باب الرجل يفطر قبل المساء ويظن أنه قد أمسى

- ‌باب الوصال في الصيام

- ‌ باب صوم يوم عرفة

- ‌ باب الأيام التي يكره فيها الصوم

- ‌باب النية في الصوم من الليل

- ‌باب المداومة على الصيام

- ‌باب صوم عاشوراء

- ‌باب ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الرجل يحرم في دبر الصلاة وحيث ينبعث به بعيره

- ‌باب التلبية

- ‌ باب متى تقطع التلبية

- ‌باب رفع الصوت بالتلبية

- ‌باب القران بين الحج والعمرة

- ‌باب من أهدى هديًا وهو مقيم

- ‌باب تقليد البدن وإشعارها

- ‌باب من تطيب قبل أن يحرم

- ‌باب من ساق هديًا فعطب في الطريق أو نذر بدنة

- ‌باب الرجل يسوق بدنة فيضطر إلى ركوبها

- ‌باب المحرم يقتل قملة أو نحوها أو ينتف شعرًا

- ‌باب الحجامة للمحرم

- ‌باب المحرم يغطي وجهه

- ‌ باب المحرم يغسل رأسه ويغتسل

- ‌باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب

- ‌باب ما رخص للمحرم أن يقتل من الدواب

- ‌باب الرجل الْمُحْرِم يفوته الحج

- ‌باب الحلمة والقراد ينزعه المحرم

- ‌ باب لبس المنطقة والهميان للمحرم

- ‌باب المحرم يحك جلده

- ‌باب الْمُحْرِم يتزوج

- ‌باب الطواف بعد العصر وبعد الفجر

- ‌باب الحلال يذبح الصيد أو يصيده هل يأكل المحرم منه أم لا

- ‌باب الرجل يعتمر فى أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله من غير أن يحج

- ‌باب فضل العمرة في شهر رمضان

- ‌باب المتمتع ما يجب عليه من الهدي

- ‌ باب الرمل بالبيت

- ‌ باب المكي وغيره يحج أو يعتمر .. هل يجب عليه الرمل

- ‌باب المعتمر أو المعتمرة ما يجب عليهما من التقصير والهدي

- ‌باب دخول مكة بغير إحرام

- ‌باب فضل الحلق وما يجزئ من التقصير

- ‌باب المرأة تقدم مكة بحج أو عمرة فتحيض قبل قدومها أو بعد ذلك

- ‌باب المرأة تحيض في حجتها قبل أن تطوف طواف الزيارة

- ‌باب المرأة تريد الحج أو العمرة فتلد أو تحيض قبل أن تُحْرِم

- ‌باب المستحاضة في الحج

- ‌باب دخول مكة وما يُستحب من الغُسل قبل الدخول

- ‌باب السعي بين الصفا والمروة

- ‌ باب الطواف بالبيت راكبًا أو ماشيًا

- ‌ باب استلام الركن

- ‌ باب الصلاة في الكعبة ودخولها

- ‌باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير

- ‌باب الصلاة بمنى يوم التروية

- ‌باب الغُسل بعرفة يوم عرفة

- ‌باب الدفع من عرفة

- ‌باب بطن محسر

- ‌باب الصلاة بالمزدلفة

- ‌باب ما يحرم على الحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر

- ‌ باب من أي موضع يرمي الحجارة

- ‌ باب تأخير رمي الجمار من علة أو من غير علة وما يُكره من ذلك

- ‌باب رمي الجمار راكبًا

- ‌باب ما يقول عند الجمار والوقوف عند الجمرتين

- ‌باب رمي الجمار قبل الزوال أو بعده

- ‌باب البيتوتة وراء عقبة منى وما يكره من ذلك

- ‌باب من قدم نسكًا قبل نسك

- ‌ باب جزاء الصيد

- ‌ باب كفارة الأذى

- ‌ باب من قدم الضعفة من المزدلفة

- ‌باب جلال البدن

- ‌باب المحصر

- ‌باب تكفين المحرم

- ‌باب من أدرك عرفة ليلة المزدلفة

- ‌ باب من غربت له الشمس وهو في النفر الأول وهو بمنى

- ‌باب من نفر ولم يحلق

- ‌باب الرجل يجامع بعرفة قبل أن يفيض

- ‌باب تعجيل الإهلال

- ‌باب القفول من الحج أو العمرة

- ‌باب الصَّدَرِ

- ‌باب المرأة يكره لها إذا حلت من إحرامها أن تمتشط حتى تأخذ من شعرها

- ‌باب النزول بالمحصب

- ‌باب الرجل يُحرم من مكة هل يطوف بالبيت

- ‌باب المحرم يحتجم

- ‌ باب دخول مكة بسلاح

الفصل: ‌باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب

أتريد أن تجعلها أي: هذه الخصلة أو الفعلة فيّ؟ أي: بسببي وفي نسخة: بكسر الفاء وتشديد التحتية المفتوحة أي في كسبي إن أمرتني أي: بالعزيمة صَبَبْت، وإلا فاستعنت قال عمر ليعلى ابن منية: اصببْ بضم الهمزة وسكون الصاد المهملة وبضم الموحدة الأولى وسكون الثانية فلم يزده الماء إلى شَعَثًا أي: انتشارًا وتفرقًا، ولعل مراد عمر رضي الله عنه محمول على إعادة العرب، فإنهم عند إرادة الإِحرام يدهنون شعورهم ويطيبونها بالعطر فحينئذ لا شك في التئامها واجتماعها وبالغسل يفوت تلك فيتفرق الشعر هنالك والماء يلبد الشعر ويدخله مع ذلك الغبار، وهذا يقتضي أن غسله لم يكن لجنابة أن الإِجماع على أن المحرم إذا كان جنبًا أو المرأة حائضًا أو نفساء وطهرت يغسل رأسه، واختلف في غسل المحرم تبردًا أو غسل رأسه فأجازه الجمهور بلا كراهة كما قاله عمر: لا يزيده الماء إلا شعثًا.

قال عياض: وتؤول عن مالك مثله وتؤول عليه الكراهة (ق 456) أيضًا، وقد كره عمر المحرم رأسه في الماء، وعللت، الكراهة بأنه في تحريك يده في غسله أو غمسه قد يقتل بعض الدواب أو يسقط بعض الشعر وقيل: لعله رواه من تغطية الرأس وكره فقهاء الأمصار غسل الرأس بالخطمى والسرر وأوجب مالك وأبو حنيفة فيه الفدية وأجازه بعض السلف إذا كان ملبدًا انتهى.

وقال الشافعية: لا فدية عليه إذا لم ينتف الشعر.

قال محمد: لا نرى أي: لا نظن بهذا أي: بغسل المحرم رأسه إذا لم يقتل هوام رأسه بأسًا؛ أي: كريهًا وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا وهذا تأكيد لما تقدم والله أعلم.

لما فرغ من بيان حكم غسل المحرم رأسه أو اغتساله، شرع في بيان حرمة لبس الثياب المخيطة أو المصبوغة بطيب من حمرة أو صفرة للمحرم، فقال: هذا

* * *

‌باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب

في بيان حكم ما يكره أي: يحرم للمحرم أي: بحج أو عمرة أن يلبس من الثياب بيان لما، والمراد بالثياب ثوب مخيط أو مصبوغ بطيب من حمرة أو صفرة.

ص: 334

422 -

أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يلبس المُحْرِم من الثياب؛ فقال: "لا يلبس القُمُصَ ولا العمائم ولا السَّرَاوِيلات، ولا البَرَانِسَ، ولا الخِفاف، إلا أحدٌ لا يجد نعلين، فليلبس خُفَّيْن، وليقْطَعْهُمَا أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسّه الزعفران ولا الوَرْس".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: بنا، أو أنا رمزًا إِلى أخبرنا، أخبرنا وفي نسخة: عن نافع بن عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه تابعي مشهور، من الطبقة الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك، كذا قاله ابن حجر (1) عن ابن عمر، رضي الله عنه أن رجلًا قال الحافظ (2): لم أقف على اسمه في شيء من الطرق سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يلبس بفتح الموحدة أي: يتلبس المُحْرِم أي: بحج أو عمرة من الثياب؛ قوله: "ما" مبتدأ متضمن بمعنى الاستفهام ولفظ "ذا" اسم إشارة خبر لما يلبس صفة "ذا"، والمحرم فاعل يلبس، ومن الثياب بيان بما، والمبتدأ مع خبره متعلق بسأل فالمعنى يا رسول الله أي شيء من الثياب يلبسه المحرم للحج أو العمرة؟ وللبخاري من طريق الليث عن نافع: ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا؟ وهو مشعر بأن السؤال كان قبل الإِحرام، وحكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أن في رواية ابن جريج والليث عن نافع أن ذلك كان في المسجد ولم أر ذلك في شيء من الطرق عنهما، نعم أخرج البيهقي من طريق أيوب وعبد الله بن عوف كلاهما عن نافع عن عمر قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان، وأشار نافع إلى مقدم المسجد فظهر

(422) أخرجه: البخاري (1468)، ومسلم (1177)، والترمذي (833)، والنسائي في المجتبى (2668)، وابن ماجه (2929)، وأحمد (4983)، والدارمي (1746)، ومالك (703)، والنسائي في الكبرى (3654)، وابن حبان (3784)، وابن أبي شيبة (4/ 543)، وابن خزيمة (2682)، والدارقطني (2/ 230)، والشافعي في المسند (542)، والطبراني في الأوسط (5035)، وأبو يعلى (5805)، والبيهقي في الكبرى (9141).

(1)

تقدم.

(2)

انظر: الفتح (3/ 401).

ص: 335

أن السؤال كان بالمدينة وللبخاري ولمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات فيحمل على التعدد، ويؤيده أن في حديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة، وفي حديث ابن عمر أجاب به السائل فقال: أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في (الموطأ) ليحيى: "لا يلبس أي: المحرم القُمُصَ بضم القاف والميم جمع قميص، وفي رواية التنيسي: لا يلبس بالرفع على الأشهر خبر عن حكم الله أن هو جواب السؤال وخبر بمعنى النهي، وبالجزم على النهي وكسر لالتقاء الساكنين ولا العمائم بفتح العين المهملة جمع عمامة بكسر العين سميت بذلك؛ لأنها تعم جميع الرأس ولا السَّرَاويلات، أو جمع الجمع أو جمع سروال فارسي معرب، والروايتين بالنون لغة وبالشين المعجمة لغة أيضًا ولا البَرَانِسَ، (ق 457) بفتح الموحدة والراء المهملة وألف، وبكسر النون والسين المهملة جمع البرنس بضمتين، وهو قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه دراعة كان أو جبة ولا الخِفاف، بكسر الخاء المعجمة جمع خف فنبه بالقميص على كل ما في معناه وهو المخيط المعمول على قدر البدن، وبالسراويل على المخيط المعمول على قدر بعض منه كالتبان والقفاز وغيرهما وبالعمائم والبرانس على كل ثوب يغطي رأسه مخيطًا أو غيره، وبالخفاف على ما يستر الرجل كالجورب وغيره، والمراد بتحريم المخيط ما يلبس على الوضع الذي جعله له ولو في بعض البدن، فلو ارتدى بالقميص مثلًا قال الخطابي: ذكر العمامة والبرنس معًا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر.

قال الحافظ (1): إن أراد لبسه كالقبع صح ما قال، وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل له لا يضر في مذهبه كالانغماس بالماء، فإنه لا يسمى لابسًا وكذا ستر الرأس باليد، وأجمعوا على اختصاص النهي بالرجل فيجوز للمرأة لبس جميع ما ذكره حكاه ابن المنذر، فإن قيل: السؤال وقع عما يجوز لبسه والجواب وقع عما لا يجوز فما حكمته؟ أجاب العلماء كما قال النووي (2): بأن هذا الجواب من بديع الكلام وجزله ما لا يُلبس منحصر فصرح به، وأما الجائر فغير منحصر فقال: لا يلبس كذا أي: يلبس ما سواه.

وقال البيضاوي (3): أجاب بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما

(1) انظر: الفتح (3/ 401).

(2)

انظر: شرح النووي على مسلم (8/ 73).

(3)

انظر: شرح الزرقاني (2/ 306)، والفتح (3/ 402)، ونيل الأوطار (5/ 67).

ص: 336

يجوز، وإنما عدل عن الجواب؛ لأنه أحصر وأحضر، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس؛ لأنه الحكم العارض في الإِحرام المحتاج لبيانه إذ الجواز ثابت بالأصل المعلوم بالاستصحاب مكان اللائق السؤال عما لا يلبس، قال غيره: وهذا يشبه أسلوب الحكيم، ويقرب منه قوله تعالى في سورة البقرة:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ} الآية [البقرة: 215] فعدل من جنس المتفق وهو المسئول عنه إلى جنس المتفق عليه؛ لأنه الأهم وقال ابن دقيق العيد: استفادة منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل منه المقصود كيف كان ولو يتغير أو زيادة، ولا تشترط المطابقة.

قال الحافظ: وهذا كله على هذه الرواية وهي المشهورة عن نافع، وقد رواه أبو عوانة من طريق ابن حجر عن نافع بلفظ: ما يترك المحرم، وهي شاذة، والاختلاف فيها على ابن جريج لا على نافع، ورواه سالم عن ابن عمر بلفظان: أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما يجتنب المحرم من الثياب؟ أخرجه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري فقال مرة: ما يترك، ومرة ما يلبس. وأخرجه البخاري من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ نافع، فالاختلاف فيه عن الزهري شعر بأن بعضهم رواه بالمعنى فاستقامت رواية نافع لعدم الاختلاف فيها، واتجه البحث المتقدم وطعن بعضهم في قول من قال: إنه من الأسلوب الحكيم بأنه كان يمكن الجواب بما يحصر أنواع ما يلبس كأن يقال: ما لبس بخيط ولا على قدر البدن كالقميص أو بعضه كالسراويل والخف ولا يستر الرأس (ق 458) أصلًا، ولا يلبس ما يوجب الفدية إلا أحدٌ بالرفع بدل من فاعل لا يلبس، وهو أول من نصبه في الاستثناء المتصل بعد النفي وشبهة، وبها قرئ قوله تعالى في سورة النساء:{مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} الآية [النساء: 66] وعليه الجمهور، وإلا قليل منهم في قراءة الشامي لا يجد نعلين، أي: حقيقة وحكمًا زاد معمر عن الزهري زيادة حسنة تفيد ارتباط ذكر النعلين بما سبق، وهي قوله: وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد النعلين فليلبس خُفَّيْن، كذا في (الموطأ) لمالك ليحيى والظاهر الخفين أي: خفيه، ثم رأيت أنه لذلك في رواية الصحيحين ظاهرة الوجوب لكنه لما شرع للتسهيل لم يناسب التثقيل، وإنما هو للرخصة وليقْطَعْهُمَا أسفل من الكعبين، والواو المطلق الجمع، فلا يرد أن لبسهما إنما يجوز بعد قطعهما، والراد بالكعبين العظمان الناتئان عن مفصل الساق والقدم، وهذه الأحكام مختصة بالرجال دون النساء، وفيه أن واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين، وهو قول الجمهور، وأجازه الحنفية وبعض الشافعية.

ص: 337

قال ابن العربي: إن صار كالنعلين جاز وإلا فمتى سترا من ظاهر الرِّجْل شيئًا لم يجب إلا للفاقد، وهو من لا يقدر على تحصيله لفقده، أو ترك بذلك المال له أو عجزه عن الثمن إن وجد معه أو عن الأجرة، ولو بيع بغير فاحش لا يلزمه شراؤه أو وهب له لم يلزمه قبوله إلا إن أعير له، وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد نعلين.

وقال الحنفية يجب كما إذا احتاج لحلق رأسه يحلق ويفتدي، وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وقعت الحاجة، وأيضًا لو وجبت فدية لم يكن للقطع فائدة لا تجب إذا لبسهما بلا قطع، فإن لبسهما مع وجود نعلين افتدى عند مالك والليث.

وقال أبو يوسف: لا فدية، وعن الشافعي قولان: وظاهر أيضًا أن قطعهما منوط في جواز لبسهما، خلافًا للمشهور عن أحمد في إجازة لبسهما بلا قطع، لإِطلاق حديث ابن عباس وجابر في الصحيحين بلفظ:"ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين"(1) وتعقب بأنه يوافق حمل المطلق على المقيد، فينبغي أن يقول به هنا، فإن حمله عليه جيد لأن التقييد ورد بصفة الأمر، وذلك زيادة على الصور المطلقة، فلو عمل بالمطلق، الذي هو حديث ابن عمر يقول عمرو بن دينار، وقد روى الحديثين. انظروا أيهما قبل. رواه الدارقطني، وقال: إن أبا بكر النيسابوري قال: حديث عمر قبل؛ لأنه بالمدينة قبل الإِحرام، وحديث ابن عباس بعرفات، وأجاب الشافعي عن هذا في (الأم) فقال كلاهما صادق حافظ، وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون غربت عنه أو شك أو قالها فلم ينقلها عنه بعض رواته ويؤيده أنه ورد في بعض طرق حديث ابن عباس موافقته لحديث ابن عمر، أخرجه النسائي (2) عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ: وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما (ق 459). أسفل من الكعبين. وإسناده صحيح وزيادة الثقة مقبولة، وبعضهم سلك الترجيح.

فقال ابن الجوزي: حديث ابن عمر اختلف في رفعه ووقفه، وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه.

قال الحافظ: وهو مردود فلم يختلف عن ابن عمر رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة، على أنه اختلف في حديث ابن عباس، فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد

(1) أخرجه البخاري (1468) ومسلم (1177).

(2)

النسائي (5/ 131).

ص: 338

ابن جبير عنه موقوفًا، ولا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس؛ لأنه جاء بإسناد وصف بأنه أصح الأسانيد، واتفق عليه عنه غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس، فلم يأت مرفوعًا إلا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصيلي: إنه شيخ بصري لا يعرف مع أنه معروف موصوف بالفقه عند الأئمة، ومنهم من اعتل بقول عطاء: القطع فساد والله لا يحب الفساد، وتعقب بأن الفساد إنما يكون فيما نهى عنه الشارع لا فيما أذن فيه، وحمل ابن الجوزي الأمر بالقطع على الإِباحة لا على الاشتراط عملًا بالحديثين لا يخفى تكلفه، كذا قاله الزرقاني ولا تلبسوا بفتح أوله وثالثه من الثياب أي: من أنواعه شيئًا أي: مما يطلق عليه الثوب مخيطًا أو غيره مسّه أي: أصابة أو صبغة الزعفران بفتح الزاي المعجمة وسكون العين المهملة وفتح الفاء والراء وبعد ألف ونون دواء معروف، إلا أنه يستعمل بالتعريف والتنكير، وإذا استعمل بالتنكير نون؛ لأنه ليس فيه إلا ألف ونون فقط، وهو لا يمنع الصرف كذا قاله محمد الواني ومحمد الزرقاني ولا الوَرْس بفتح الواو وسكون الراء والسين المهملة، نبت أصفر يصبغ به. كذا في (النهاية).

وقال ابن العربي: ليس الورس بطيب، ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملائمة الشم، فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم، وهو مجمع عليه فيما يقصد به الطيب، وهذا الحكم شامل النساء قبل، فعدل عما تقدم إشارةً إلى اشتراكهما، وفيه نظر بل إن الظاهر أن نكتة العدول أن الذي يخالف الزعفران والورس لا يجوز لبسه سواء كان فيما يلبسه المحرم أو لا يلبسه.

قال الحافظ: والظاهر أنه لا ينافي بين النكتتين. وقال الوالي العراقي: نبه بهما على ما هو أطيب منهما رائحة المسك والعنبر ونحوهما، وإذا حرم في الثوب ففي البدن أولى وفي معناه تحريمه في المأكول؛ لأن الناس يقصدون تطيب طعامهم، كما يقصدون تطييب لباسهم وكل هذا متفق عليه بين العلماء، وهذا فيما يقصد بالتطيب به، أما الفواكه كالأترج والتفاح وأزهار البر كالبنفسج والقيصوم، ونحوهما فليس بحرام؛ لأنه لا يقصد للتطيب. انتهى في حكاية الاتفاق في المأكول المطيب نظر؛ لأن فيه خلافًا عند المالكية.

وقال الحنفية: لا يحرم؛ لأن الموارد للبس والتطيب والأكل لا يعد تطيبًا قال العلماء: والحكمة في منع الحرم من اللباس أنه يدعو إلى الجماع ولأنه مناف للحج، فإن

ص: 339

الحاج أشعث أغبر، والقصد أن يبعد عن الترفة وزينة الدنيا وملازها ويجمع همه لمقاصد الآخرة والاتصاف بصفة الخاشع، وليتذكر القدوم على ربه فيكون (ق 460) أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات، وليتذكر به الموت ولباس الأكفان ويتذكر البعث ويوم القيامة حفاة عراة وليتضائل بتجرده عن ذنوبه، وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وإسماعيل بن أبي أويس، ومسلم عن يحيى، وأبي داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة، وابن ماجه عن أبي مصعب الستة عن مالك به، وله طرق عندهم كذا قاله (الزرقاني)(1).

* * *

423 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، قال: قال عبد الله بن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَلْبسَ الْمُحْرِم ثوبًا مصبوغًا بزعفران أو وَرْس، وقال:"مَنْ لم يجد نعلين فليلبس خُفَّين وَلْيَقْطَعهما أسفل من الكعبين".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا، وفي نسخة: ثنا، أخبرنا وفي نسخة عن عبد الله بن دينار، العدوي سيدهم، يكنى أبا عبد الرحمن المدني التابعي مولى ابن عمر ثقة، من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين ومائة، كذا في (التقريب) قال: قال عبد الله بن عمر: رضي الله عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: نهي تحريم أن يَلْبسَ بفتح أوله وثالثه الْمُحْرِم أي: رجلًا كان أو امرأة ثوبًا مصبوغًا بزعفران أو وَرْس، وهو بفتح الواو وسكون الراء والسين المهملتين نبت أصفر مثل نبات السمسم طيب الريح، ويصبغ به بين الحمرة والصفرة ينبت في بلاد اليمن، وفي معناه الصفر وقال: أي: صلى الله عليه وسلم مَنْ لم يجد نعلين أي: حقيقة وحكمًا بأن بيع بغير فاحش فليلبس خُفَّين بالتنكير وليحيى النيسابوري الخفين بالتعريف وَلْيَقْطَعهما أسفل من الكعبين" أي: أن قطعهما شرط في جواز لبسهما خلافًا للحنابلة، ولا فدية خلافًا للحنفية، والكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، ويؤيده ما رواه ابن

(1) في شرحه (2/ 309).

(423)

صحيح: أخرجه الشافعي في الأم (2/ 147) وفي المسند (1/ 301) والبخاري في اللباس (5852) ومسلم (3/ 1177) والنسائي في المناسك (5/ 129) وابن ماجه (2932).

ص: 340

أبي شيبة (1) عن عروة قال: إذا اضطر المحرم إلى الخفين خرق ظهورهما وترك فيهما قدر ما تستمسك رجلاه، وجمهور أهل اللغة على أن في كل قدم كعبين، وقيل: المراد بهما هنا العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك، ورُد بأنه لا يعرف لغة وقد أنكره الأصمعي لكن قال الزين العراقي إنه أقرب إلى عدم الإحاطة على القدم، ولا يحتاج القول به إلى مخالفة اللغة، بل يوجد ذلك في بعض ألفاظ حديث ابن عمر.

ففي رواية الليث عن نافع عنه: "فليلبس الخفين ما أسفل من الكعبين"، فقوله: ما أسفل بدل من الخفين، فيكون اللبس لهما أسفل من الكعبين والقطع منهما فما فوق، وليس في قوله: وليقطعهما أسفل ما يدل على قصد للقطع على دون الكعبين، بل يراد مع الأسفل ما يخرج القدم عن كونه مسورًا بإحاطة الخف عليه، ولا حاجة حينئذ إلى مخالفة أهل اللغة انتهى وهذا الحديث رواه البخاري في اللباس عن عبد الله بن يوسف ومسلم هنا عن يحيى كلاهما عن مالك به.

* * *

424 -

أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن عبد الله بن عمر، أنَّه كان يقول: لا تَنْتَقِبْ المرأة الْمُحْرِمَة، ولا تلبس القُفَّازَيْن.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا، وفي نسخة عن نافع، بن عبد الله المدني التابعي مولى ابن عمر ثقة ثبت فقيه مشهور، من الطبقة الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك. كذا في (التقريب) عن عبد الله بن عمر، أنَّه كان يقول: لا تَنْتَقِبْ بفوقيتين مفتوحتين ونون مفتوحة ثم قاف مشددة (ق 461) ثم موحدة من النقاب، وهو ما يستر به الوجه أي: لا تلبس المرأة الْمُحْرِمَة، أي: للحج أو للعمرة النقاب من البرقع ونحوه إلا إذا جافت بينه وبين وجهها، والنقاب وهو الخمار الذي تشده الرأة على الأنف أو تحت المحاجر، وإن قرب من العين حتى لا تبدو أجفانها فهو الوصواص بفتح الواو وسكون الصاد المهملة الأولى؛ فإن

(1) المصنف (3/ 325).

(424)

إسناده صحيح: أخرجه البغوي في شرح السنة (7/ 242).

ص: 341

نزل إلى طرف الأنف فهو اللفاف، بكسر اللام وبالفاء، فإن نزل إلى الفم ولم يكن على الأرنبة من شيء فهو اللثام، بالمثلثة، وهو يحتمل أن يكون نهيًا أو نفيًا يكون معناه نهيًا. كذا قوله: ولا تلبس بفتح الباء الموحدة القُفَّازَيْن بضم القاف وتشديد الفاء تثنية قفاز، بوزن رمان، وهو شيء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد، وما تلبسه المرأة في يدها فيغطي أصابعها وكفيها عند معانات الشيء في غزل ونحوه، فيحرم على المرأة المحرمة ستر وجهها وكفيها بقفازين أو أحدهما بأحدهما أو بغيرهما، وهكذا رواه مالك موقوفًا وتابعه عبد الله العمري وليث بن أبي سليم وأيوب السختياني وموسى بن عقبة في إحدى الروايتين عنه، كلهم عن نافع موقوفًا، كما في البخاري وأبي داود وأخرجاه من طريق الليث عن نافع، فجعله من جملة المرفوع في الحديث السابق، فقال بعد قوله:"ولا ورس ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين"، وتابعه عليه موسى بن عقبة وجويرية بن إسحاق وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة لكن بينت رواية عبيد الله عن نافع عن ابن راهويه وابن خزيمة أنه مدرج من قول ابن عمر كما أشار إليه البخاري، وأيده برواية مالك هذه، وهو أي الحديث المدرج زيد فيه إما من كلام رسول الله بأن يزاد في حديث آخر ومن زيل ذلك الحديث بإسناد آخر، ومن كلام الصحابي للإِيضاح أَو نحوه.

كذا قاله الأصوليون، واستشكل الحكم بالإِدراك؛ لأنه ورد النهي عن النقاب والقفازين مرفوعًا مفردًا رواه أبو داود (1) عن إبراهيم بن سعد المدني، عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين"، قال أبو داود: إبراهيم شيخ مدني ليس له كبير حديث، وقال ابن عدي: ليس بالمعروف.

وقال في (الميزان): طريق ابن إسحاق: حدثني نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول اللهِ ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب، ويلبس بعد ذلك ما أحبت من الوان الثياب قال في (الاقتراح): دعوى الإِباحة في أول المتن ضعيفة، وأجبّ بأن النقاب إذا اختلفوا، وكان مع أحدهم زيادة قدمت، ولا سيما إن كان حافظًا، خصوصًا إن كان أحفظ، والأمر هنا كذلك، فإن عبيد الله بن عمر عن نافع أحفظ من جميع من خالف، وقد فصل المرفوع من الموقوف وتقوى برواية مالك، وهو أحفظ أصحاب نافع، وأما الذي ابتدأ: في المرفوع بالموقوف؛ فإنه من التصرف من الرواية

(1) أبو داود (1825).

ص: 342

بالمعنى، فكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده، ومع الذي فصلا زيادة علم، فهو أولى. كما قال (ق 462) الحافظ ونحوه لشيخه زين العراقي الحافظ في شرح الترمذي.

* * *

425 -

أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن أسْلَم مولى عمر بن الخطاب، أنَّه سمع أسْلَم يُحَدِّث عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب رأى على طَلْحَة بن عُبَيْد الله ثوبًا مصبوغًا وهو مُحْرِم، فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طَلْحَة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو من مَدَرٍ، فقال: إنكم أيها الرَّهطُ أئمة يَقْتَدِى بكم الناس، ولو أن رجلًا جاهلًا رأى هذا الثوب لقال: إنَّ طلحة كان يلبس الثياب المُصَبَّغَة في الإِحرام.

قال محمد: يُكْرَهُ أن يلبس الْمُحْرِم المُشْبَعَ بالعُصْفُر، والمصبوغ بالوَرْس أو الزَّعْفَرانِ، إلا أن يكون شيءٌ من ذلك قد غُسِلَ فذهب ريحه، وصار لا ينفَضُّ، فلا بأس بأن يلبسه، ولا ينبغي للمرأة أن تَنْتَقِب، فإن أرادت أن تُغَطِّي وجهها فلتَسْدُل الثَّوْب سدْلًا من فوق خِمارها على وجهها، وتجافيه عن وجهها، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامّة من فقهائنا.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا نافع، بن عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة فقيه تابعي مشهور، من الطبقة الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك عن أسْلَم مولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله العدوي المدني، ثقة عالم من الطبقة الثالثة، مات سنة ست وثلاثين. كذا قاله ابن حجر (1) أنه أي: نافعًا سمع أسْلَم يُحَدِّث عبد الله بن عمر، أي: يرويه ويحكيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى على طَلْحَة بن عُبَيْد الله التيمي أحد العشرة المبشرة ثوبًا مصبوغًا بغير زعفران وورس وهو أي: طلحة بن عبيد الله مُحْرِم،

(425) إسناده صحيح.

(1)

التقريب (1/ 104).

ص: 343

فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طَلْحَة؟ فقال: أي: طلحة يا أمير المؤمنين، إنما هو أي: الثوب المصبوغ من مَدَرٍ، بفتح الدال والميم المهملة وراء أي: من طين أحمر يقال مفرة قال: أي: عمر إنكم أيها الرَّهطُ أي: الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أئمة أي: من المجتهدين يَقْتَدِي بكم الناس، أي: في أمور الدين لقوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ولو أن رجلًا جاهلًا رأى هذا الثوب أي: على مثل ذلك من بعيد عن مقامك لقال: إنَّ طلحة كان يلبس الثياب المُصَبَّغَة وفي نسخة: المصبوغة في الإِحرام ولم يفرق بين الحلال والحرام، مع أن نفس هذا اللون مع قطع النظر عن كونه طيبًا لا يليق بالعلماء الكرام، وزاد ابن الهمام: فلا تلبسوا أيها الرهط شيئًا من هذه الثياب المصبغة. انتهى.

فإن صح كونه في محضر من الصحابة أفاد منع المتنازع فيه وغيره يخرج الأزرق بالإِجماع عليه، ويبقى المتنازع فيه في المنع، هذا آخر كلامه وفق مرامه فإنما كره عمر ذلك لئلا يقتدى به الجاهل فيظل جواز لبس الورس والزعفران، فلا حجة فيه لأبي حنيفة، فإن العصفر طيب، وفيه الفدية.

قال ابن المنذر: وقد أجازه الجمهور لبس العصفر للمحرم. كذا قاله علي القاري والزرقاني (1).

قال محمد: يُكْرَهُ أن يلبس الْمُحْرِم المُشْبَعَ بضم الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الموحدة من أشبع الثوب صبغًا إذا أكثر صبغه حتى انتهى غايته كذا في (ضياء العلوم) بالعُصْفُر، بضمتين نبت [](2) اللحم الغليظ وعصفر ثوبه صبغه به أو المصبوغ بالوَرْس أو الزَّعْفَرانِ، وفي نسخة: أو الزعفران إلا أن يكون شيءٌ من ذلك قد غُسِلَ فذهب ريحه، وصار لا ينفَضُّ، بفتح الفاء وتشديد الضاد المعجمة، أي: لا يتناثر منه الطيب أو لا يفوح منه فلا بأس أي: لا حرمة بأن يلبسه، أي: حينئذ ولا ينبغي للمرأة أي: يحرم عليها إذا كانت محرمة أن تَنْتَقِب، أي: تلبس النقاب ولا تغطي وجهها من الحجاب فإن أرادت أن تُغَطِّي وجهها أي: لمقابلة غير محرم ونحو ذلك فلتَسْدُل بضم الدال من باب نصر ولا يقال: أسدل بالألف على ما في (المصباح)، أي: فلترخ وترسل الثَّوْب سدْلًا أي: إرخاء وإرسالًا من غير ضم جانبيه من فوق خِمارها بكسر أوله أي: ما يغطي به وجهها من

(1) في شرحه (2/ 311).

(2)

كلمة بالأصل لم أتبينها.

ص: 344

خشب (ق 463) أو قصب على وجهها، وتجافيه أي: تباعد، المراد الثوب المسدول عن وجهها، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامّة من فقهائنا وقد قدمنا دليلنا وبينا خلاف من خالفنا في حق الرجل، وأما كون إحرام المرأة فلا أعلم خلافًا لذلك.

* * *

426 -

أخبرنا مالك، حدثنا حُمَيْدُ بن قَيْس المكي، عن عطاء بن أبي رَباح، أنَّ أعرابيًا جاءَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بِحُنَيْنِ، وعلى الأعرابي قميصٌ به أثر صُفْرَة، فقال: يا رسول الله، إني أهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فكيف تأمرني أن أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انزع قميصك، واغسل هذه الصُّفْرَة عنك، وافعل في عمرتك مثل ما تفعل في حَجِّكَ".

قال محمد: وبهذا نأخذ، ينزع قميصه، ويغسل الصُّفْرَة التي به.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا، وفي أخرى: ثنا، حدثنا وفي أخرى: قال: بنا، حُمَيْدُ بن قَيْس المكي، الأعرج يكنى أبا صفوان القارئ ليس به بأس من الطبقة السادسة، مات سنة ثلاثين ومائة، وقيل بعدها عمت عطاء بن أبي رَباح، بفتح الراء والموحدة، اسمه أسلم القرشي سيدهم المكي الشافعي، ثقة فقيه فاضل من الطبقة الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومائة على المشهور، لكنه أرسله، ووصله البخاري (1) ومسلم (2) وأبو داود (3) والترمذي (4) والنسائي (5) من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أنَّ أعرابيًا جاءَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: لم أقف

(426) صحيح: وإسناده مرسل أخرجه البخاري (1697) ومسلم (118) وأبو داود (1819) الترمذي في الحج باب (20) والنسائي (5/ 42).

(1)

البخاري (1697).

(2)

مسلم (1180).

(3)

أبو داود (1819).

(4)

الترمذي في الحج باب (20).

(5)

النسائي (5/ 142) رقم (2710).

ص: 345

على اسمه، لكن في تفسير الطرطوسي أن اسمه عطاء بن منية قال ابن فتحون: إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى راوي الخبر، ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي؛ فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدًا، وقول شيخنا ابن الملقن: يجوز أنه عمرو بن سواد؛ لأن في الشفا عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال: "ورس ورس حط حط" وغشيني بيده في بطني فأوجعني. . . الحديث، لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب معترض، فأما أولًا، فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها، وأما ثانيًا ففي الاستدراك غفلة عظيمة؛ لأن من يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لا يتخيل أنه صاحب صاحب مالك، بل إن ثبت فهو آخر اتفاقًا في الاسم واسم الأب ولم يثبت؛ لأنه انقلب على شيخنا فإنما الذي في الشفا سواد بن عمر، وقيل: سواد ابن عمرو، وأخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في (مصنفه) والبغوي في (معجمه) وهو أي: النبي صلى الله عليه وسلم بِحُنَيْنِ، بالتصغير وادي بالطائف.

قال ابن عبد البر: المراد منصرفه من غزوة حنين، والموضع الذي لقيه فيه هو الجعرانة، وفي الصحيحين (1) وغيرهما أن يعلى قال لعمر: أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه فبينا النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاء رجل فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الوحي فأشار عمر إلى يعلى وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه وهو يغط ثم سري عنه وعلى الأعرابي قميصٌ ورواية: وعليه جبة به أثر صُفْرَة، أي: من ورس وزعفران فقال: يا رسول الله، إني أهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، أي: أحرمت بها بالنية والتلبية فكيف تأمرني أن أصنع؟ أي: في عمرتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي: بعد سكوته حتى نزل عليه الوحي ثم سري عنه فقال: "أين الذي سأل عن العمرة" فأتي به فقال: "انزع بكسر الزاي أي: اقلع (ق 464) قميصك، أي: لأنه مخيط واغسل هذه الصُّفْرَة ولمسلم: "اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران عنك"، أي: بدنك، ولعل أصابه بعض شيء منه والأفضل الثوب غير محتاج إليه عند عدم لبسه، ولا يبعد أن يكون غيره فليلبسه على خلاف عامة من قبله ووضعه على كتفه موضع ردائه أو يجعله مكان إزاره، زاد الصحيحان: ثلاث مرات، قال عياض وغيره: يحتمل أنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فيكون نص

(1) البخاري (14363) ومسلم (1156).

ص: 346