الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الانتفال في الصلاة
باب في بيان حكم الانتفال في الصلاة، الانتفال بكسر الهمزة وسكون النون في كسر التاء وبعدها فاء وألف ولام بمعنى الفراغ عن الشيء، والانصراف عنه إلى غيره، وفي نسخة: الانفتال، بتقديم الفاء على التاء، وهو انصراف الوجه من شيء إلى شيء آخر، كما في الجوهري والأختري، وفيه إبدال مكان التاء بمكان الفاء.
277 -
أخبرنا مالك، أخبرني يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبَّان، أنَّه سمعه يُحَدِّثُ عن وَاسع بن حَبَّان، قال: كنت أصلي في المسجد وعبد الله بن عمر مُسْنِدًا ظَهْره إلى القِبْلة، فلما قَضَيْتُ صلاتي انصَرَفْتُ إليه من قِبَلِ شِقِّي الأيسر، فقال: ما مَنَعَك أن تنصرف عن يمينك؟ قلتُ: رأَيتُك وانصرفْتُ إليك، فقال عبد الله، فإنك قد أصَبْتَ، فإن قائلًا يقول: انصرفْ على يمينك، وإذا كنت تصلي فانصرف حيثُ أحْبَبْتَ: على يمينك أو على يسارك، ويقول ناسٌ: إذا قَعَدْتَ على حاجتك فلا تستقبل القِبْلة، ولا بيت المقدس، قال عبد الله: لقد رقَيْتُ على ظهر بَيْت لَنَا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجته مُسْتَقْبِلَ بيت المقدس.
قال محمد: ويقول عبد الله بن عمر: نأخذ، ينصرف الرجل إذا سَلَّم على أيِّ شِقِّهِ أحَبَّ، ولا بأس أن يستقبل بالخَلَاء من الغائط والبول بيتَ المقدس، إنما يُكْرَه أن يستقبل القبلة، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام من كبار أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، ولد سنة ثلاث وسبعين، ومات سنة تسع وسبعين، كذا قاله الذهبي في (الكاشف)، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا أخبرني يحيى بن سعيد، أي: ابن قيس الأنصاري المدني، أبو سعيد القاضي، ثقة ثبت في
(277) صحيح، أخرجه: مالك (409)، وابن أبي شيبة (1/ 339)، وأبو يعلى (409).
الطبقة الخامسة من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين بعد المائة من الهجرة، عن محمد بن يحيى بن حبَّان، بفتح المهملة ثم موحدة مشددة ابن أبي سعيد الأنصاري المدني ثقة فقيه، في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، مات سنة إحدى وعشرين ومائة من الهجرة، وهو ابن أربع وسبعين سنة، كذا قاله ابن حجر، أنَّه أي: يحيى بن سعيد سمعه أي: محمد بن يحيى بن حبان، يُحَدِّثُ عن وَاسع بن حَبَّان، بفتح المهملة ثم الموحدة مشددة، ابن منقذ بن عمر الأنصاري المازني، صحابي ابن صحابي، وقيل: بل ثقة من كبار التابعين في الطبقة الثانية من أهل المدينة، كذا قاله ابن حجر في (التقريب في أسماء الرجال)(1)، قال: أي: واسع بن حبان: كنت أصلي في المسجد أي: مسجد المدينة على ما هو الظاهر وعبد الله بن عمر مُسْتنِدًا وفي نسخة: مسند بفتح الميم وسكون السين المهملة، وكسر النون وبعدها دال مهملة من الإِسناد، ظَهْره إلى القِبْلة أي: إلى جدارها، لما في (الموطأ) لمالك، أما إسناده إلى جدار القبلة، فللوعظ والإِفادة، فلما قَضَيْتُ صلاتي أي: أديتها وفرغت عنها انصَرفْتُ أي: استقبلت إليه من قِبَلِ شِقِّي الأيسر، بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: من جهتي طرفي الأيسر اتفاقًا أو قصدًا لكون كأن في ذلك الجانب، وهو الأظهر، أو لئلا يفوته شيء من وعظه، أو لرعاية الأدب، فإنه إذا انصرف من شقه الأيمن، يجعل ابن عمر خلفه، وهو ثري الأدب. وفيه تنبيه على أن المعلم ينبغي له أن يكون على الشفقة للمتعلم، ويلزم عليه أن يستمر على التعظيم للمعلم في جميع أحواله، ليكون مرضيًا عند ربه، فقال أي: ابن عمر: (ق 274) ما مَنَعَك أن تنصرف عن يمينك؟ مع أنه أشرف أو أيسر، قال: قلتُ: رأيتك أي: في هذه الشق، وانصرفْتُ إليك، وفي نسخة: انصرفت بلا واو، وليحيى: فانصرفت إليك، فقال عبد الله، فإنَّك قد أصَبْتَ، أي: ما تيقنت بالانصراف عن يمينك، فإن قائلًا أي: من الفقهاء، وفي نسخة فلانًا، أي: من العلماء يقول؛ انصرفْ أمر حاضر، أي: ارجع على يمينك، أي: لست على وجه العزيمة، فيقول واسع بن حبان: أما أنا فأقول: وإذا كنت تصلي أي: وفرغت، فانصرف حيثُ أحْبَبْتَ، أي: أي ظرف اخترت على يمينك أو على يسارك، ثم قال ابن عمر: ويقول ناسٌ، أي: من الفقهاء: إذا قَعَدْتَ على حاجتك أي: قضائها فلا تستقبل القِبْلة، أي: الكعبة، وهو ظاهر الكلام فيه،
(1) انظر: التقريب (2/ 560).
ولا بيت المقدس، بفتح الميم وسكون القاف، وكسر الدال، وجوز ضم الميم، وتشديد الدال المفتوحة والمراد الصخرة لكونه قبله في الجملة، ولو كانت منسوخة وهو وجه وجيه وتنبيه منبه، ثم رأيت الإِمام أحمد وأبا داود وابن ماجه روي عن معقل الأسدي أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط (1)، فقال واسع بن حبان حاكيًا عن عبد الله: قال عبد الله: في مقام الاستدلال على جواز الاستقبال إلى بيت المقدس، كما قال صلى الله عليه وسلم:"البينة على المدعي، واليمين على من أنكر"، لقد رقَيْتُ بفتح الراء المهملة وكسر القاف، وسكون التحتية والتاء للمتكلم، أي: صعدت، يقال: رقيت رقيًا إذا صعدت، كذا قاله الجوهري، على ظهر بَيْت لَنَا، وفي رواية الشيخين: بيت أختي حفصة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: من غير قصد في نظره أو من وراء ظهره كائنًا على حاجته أي: قضائها حال كونه مُسْتَقْبِلَ بيت المقدس، ولعله كان يعذر هنالك أو قبل النهي عن ذلك.
قال محمد: ويقول عبد الله بن عمر نأخذ، أي: نعمل في المسألتين، ينصرف الرجل إذا سَلَّم على أيِّ شِقِّهِ أحَبَّ، أي: أي أختار، ولا بأس أن يستقبل بالخَلَاء أي: في الخلاء وهو كناية عن قضاءيات الحاجة، من الغائط والبول أي: أو أحدهما بيتَ المقدس، إنما يُكرَه أن يستقبل بذلك، أي: فيما ذكره القبلة، وهي جهة الكعبة، وهو قولُ أبى حنيفة رحمه الله. قال علي القاري: فيه إشكال وهو أنه يلزم من استقبال بيت المقدس استدبار الكعبة، وهو ممنوع عند علمائنا أيضًا عند قضاء الحاجة، ويستوي عندنا في هذه المسألة الصحراء والبناء، يقول الفقير: نعم يرد هذا الإِشكال إذا كان جواز استقبال بيت المقدس مخصوصًا لأهل المدينة، وأما إذا كان لسائر أهل البلاد فلا إشكال فيه؛ لأن بيت المقدس في طرف الشمال لأهل المدينة والكعبة في طرف الجنوب لأهلها بخلاف سائر البلاد، كذا قاله أهل الهيئة.
لما فرغ من بيان حكم الانصراف بعد إتمام الصلاة إلى وجه رجل معلم لينتفع من علمه، شرع في بيان حكم صلاة المغمى عليه، فقال: هذا
* * *
(1) أخرجه: أبو داود (10)، وأحمد (17383)، وابن أبي شيبة (1/ 177)، والبيهقي في الكبرى (436).