الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يكون من الموت شهادة
في بيان ما يكون من الموت بيان ما شهادة، أي: حكمه يجري عليه فهب الدنيا أحكام الجنائز من الغسل والتكفين والصلاة عليه.
302 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن عَبد الله بن جابر بن عَتِيك، عن عتِيك بن الحارث بن عَتِيك، وهو جَدُّ عبد الله بن عبد الله بن جابر - أبَو أمِّهِ - أنه أخبره؛ أن جابر بن عَتِيك أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءَ يَعُودُ عبد الله بن ثابت، فوجده قد غُلِبَ، فصاح به، فلم يُجبه، فاسْتَرْجَع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"غُلِبْنا عليك يا أبا الربيع"، فصاح النِّسْوَة، وَبَكَيْنَ فجعل ابن عَتِيك يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُنّ، فإذا وَجَبَ فلا تبكين باكية"، قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: "إذا مات"، قالت ابنته: والله إني كنت لأرجو أن تكون شهيدًا، فإنك قد كنت قضيت جهازَك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى قد أوْقَعَ أجره على قدر نيته؛ وما تعدّون الشهادة؟ "، قالوا: القتلُ في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيدٌ، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجَنْب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهَدْم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدٌ".
• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن عَبد الله بن جابر بفتح العين فيهما، وهذا مما يوافق فيه اسم الأب وابنه تابعيان، كان في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وقيل: جبير بن عَتِيك، بعين مهملة مفتوحة فمثناة فوقية مكسورة فتحتية ساكنة، فكاف، مدني، أنصاري، ثقة من الطبقة الرابعة، وفي نسخة: محمد قال: ابن مالك، عن عتِيك بن الحارث الأنصاري، المدني، مقبول من الطبقة الرابعة أيضًا، من طبقات الصحابة، وجابر هذا شهد بدرًا وجميع المشاهد بعدها، روى عنه عبد الله بن عبد الله، وابن أخيه عتيك بن الحارث، وهو
(302) أخرجه: أبو داود (3111)، والنسائي (1846)، وابن ماجه (2803)، وأحمد (33241)، ومالك (552).
أي: العتيك جَدُّ عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمِّهِ أنه أخبره؛ أن جابر بن عَتِيك أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:"هو" مبتدأ عائد إلى عتيك، وخبره "جد عبد الله"، قوله:"أبو أمه" بدل من لفظ "جد"، يعني: أن عتيكًا جد عبد الله الراوي من جهة أمه، وضمير:"أنه" راجع إلى عبد الله الثاني، والضمير المستتر في آخره راجع إلى عبد الله الثاني، والبارز نصب على أنه مفعول له الأول وعائد إلى عبد الله الأول، ومحل أن مفعول ثان لا خبره، والضمير المستتر في آخره راجع إلى جابر، والبارز مفعول أول لا خبر عائد إلى عبد الله الثاني، ومحل "أن" في: أن رسول الله نصب على أنه مفعول ثان لا خبر، جاءَ يَعُودُ عبد الله بن ثابت، وهو أبو الربيع عبد الله بن ثابت الظفري الأنصاري، مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده أي: عبد الله بن ثابت قد غُلِبَ، أي: بصيغة المفعول، أي: غلبه الألم حتى منعه مجاوبة النبي صلى الله عليه وسلم، فصاح به، أي: فرجع صوته في الكلام معه، فلم يُجبه، أي: لعدم شعوره، فاسْتَرْجَع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: قال: إنا (ق 310) لله وإنا إليه راجعون، تعبدًا لنفسه، وإشعارًا لها بأن الكل لله، وأن الكل راجع إلى مولاه، وقال وفي نسخة: ثم قال: غُلِبْنا عليك على صيغة المجهول، أي: غلب أمر الله عليك يا أبا الربيع، وفيه إيماء إلى قوله تعالى:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21]، وأن المخلوق مأثور في قبضة قدرته وقدره، قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: يحتمل أن يكون أراد التصريح، يعني: استرجاعه وتأسفه، فصاح النِّسْوَة، وهي اسم جمع لا جمع، وكذا ذكر صاح كقوله تعالى:{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} [يوسف: 30]، والمعنى: أن النساء من أهل البيت رفعن صوتهن، وَبَكَيْنَ أي: ظنًا منهن أنه مات أو قارب الموت، فجعل أي: شرع ابن عتيك يسكتهن، بتشديد الكاف المكسورة، أي: يقول لهن: اسكتن ولا ترفعن صوتكن، وأما البكاء فلا حرج عليكن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُنّ، أي: اتركهن في حالهن، فإذا وَجَبَ أي: إذا مات، وأصله من وجب الحائط إذا سقطه، ووجبت الشمس إذا غابت، ومنه قوله تعالى في سورة الحج: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36]، أي: سقطت وماتت بعد نحرها، فلا تبكين باكية"، أي: برفع صوتها، والمعنى: لا تكونن صائحة نائحة، قالوا: أي: بعض الحاضرين: وما الوجوب يا رسول الله؟ أي: معناه المتضمن في إذا وجب؟ قال: "إذا مات"، وهذا إشارة إلى كمال معرفته في بيان غريب اللغات، قالت ابنته: أي: بنت المريض، وهو عبد الله بن ثابت، والله إن بكسر الهمزة
وسكون النون المخففة من الثقيلة، وضمير الشأن محذوف، وفي نسخة: إني بكسر الهمزة والنون المشددة المكسورة، والياء للمتكلم، كنت لأرجو بفتح اللام جواب القسم، أي: والله لتمنيت أن تكون أي: إلي شهيدًا، أي: أن تصير من الشهداء في سبيل الله، فلا تموت فوق الفراش؛ فإنهم كانوا يعدون هذا نقصًا، أو لأنه قد تهيأ للبروز، ويدل عليه قولها: فإنك قد كنت قضيت جهازَك" بفتح الجيم وبكسر أي: هيأت ما بعده الرجل من السلاح للسفر، ومنه قوله تعالى في سورة يوسف: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} [يوسف: 70] ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قد أوْقَعَ أجره أي: أوجب ثواب غزوته على قدر نيته، أي: ولو كان هو في بيته {مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100].
وفي الحديث إيماء إلى أن نية الخروج كافية في تحصيل الأجر، كما يُستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى"، رواه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم قال: وما تعدّون الشهادة؟ "، أي: أي الصفة التي تحسبونها وتعتبرونها عندكم شهادة، وينال بها المؤمن رتبة الشهداء؟ قال الطيبي: و"ما" هنا استفهامية يسأل بها عن وصف من له كرامة، وقربة عند الله تعالى، كما قال الله تعالى في سورة آل عمران: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (ق 311) الآية [آل عمران: 169]، محلها نصب على أنها مفعول أول لتعدون، بمعنى تحسبون وتظنون قدم على علله لصدارته، ومفعوله الثاني الشهادة، قالوا: القتلُ أي: بنصب القتل على تقدير: نعد القتل، ويجوز رفعه تقديره: الصفة التي نعدها شهادة، وهي القتل في سبيل الله، أي: الجهاد فقط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهادة أي: الحكمية التي ينال بها المؤمن في الآخرة كرامات كثيرة، لكرامات الشهيد الحقيقي من أن ريح دمهم كريح المسك سبع: سوى القتل في سبيل الله: وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه: الشهداء خمسة، وما بينهما تعارض، والجواب عنه: الوعد بالأكثر متأخر من الأول، والوعيد خلافه، وإنما استثنى صلى الله عليه وسلم القتل في سبيل الله عن الشهيد الحكمي اعتناءٌ لشأن الشهيد الحقيقي من الشهيد الحكمي: المطعون شهيدٌ، وهو من يموت من الطاعون. روى الطبراني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فناء أمتي بالطعن والطاعون"، قالوا: يا رسول الله، هذا الطعن - وهو التعوذ إلى طرف آخر قد عرفناه، وما الطاعون؟
قال: "وخز أعدائكم من الجن"، والوخز: هو الطعن في غير نافذ، وفي رواية أحمد في مسنده عن أبي موسى الأشعري:"وخز إخوانكم من الجن"، ففي كل من الطعن والطاعون شهادة، فإن استشكل في الحديثين منافاة، أجيب إن صحت الروايتان، احتمل - والله أعلم بالصواب - في الجمع بينهما أن رواية:"أعدائكم" طعن الكافرين من الجن للمسلمين من الإِنس، ورواية:"إخوانكم" طعن المسلمين من الجن للكافرين من الإِنس.
فإن قيل: ما الحكمة في تسليط الله الجن على الإِنس بالطاعون؟
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي بن الحنبلي في حق كون الطاعون وخز أعدائنا الجن: حكمة بالغة فإن أعداءنا من الجن شياطينهم، وأما أهل الطاعة منهم فهم إخواننا، والله تعالى أمرنا بعداوة أعدائنا من الجن والإِنس، وطلب لمرضاته تعالى، فأبى أكثر الناس عن العداوة بهم إلا مساكين الناس وفقرائهم، فسلط الله الجن على الناس بالطاعون عقوبة وعذابًا لهم حيث أطاعوا أعدائنا من الجن والإِنس حين توسوسوا أمورهم بالمعاصي والفساد في الأرض، فأطاع أكثر الناس بأعدائنا من الجن والإِنس، فاقتضت الحكمة الإِلهية أن سلطهم الله عليهم بالطعن فيهم، كما سلط الله على الإِنسان أعدائهم من الإِنس، حين أفسدوا في الأرض، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وتسليط الله أعداء الناس عليهم محاربة ومقاتلة الطاعون من الجن، وكل من الإِنس والجن بتسليطهما على الإِنس بالطعن والطاعون، بتسليط العزيز الحكيم عقوبة لمن يستحق العقوبة وشهادة ورحمة لمن هو أهل لها، وهذه المقابلة سنة الله تعالى وعاداته القديمة في عقوبات التي تقع عامة فتكون طهر للمؤمنين، (ق 312) وانتقامًا من المجرمين والعاصين لله تعالى.
والثاني من السبع من الشهداء الحكمي، والغريق شهيد، وقد أخرج ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه:"وُكِّل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر، فإن الله تعالى يتولى قبض أرواحهم لكرامتهم عليه، حيث ركبوا البحر في سبيله"، كذا نقله علي القاري عن السيوطي، والغريق هو الذي مات مغروقًا في الماء، وقال ابن الملك ومعناه: أنهم يشاركون الشهداء في نوع من أنواع المثوبات التي يستحق بها الشهداء، لا المساواة في جميع أنواعها، قال المظهر: من ركب البحر، وأصابه دوران الرأس، فله أجر شهيد إن ركبه للطاعة، كالغزو والحج وتحصيل العلم، أو للتجارة إن لم يكن له طريق سواه ولم يتحر لطلب زيادة المال بل للقوت.
ثم أخبر عن الشهيد الثالث الحكمي، وقال: وصاحب ذات الجَنْب شهيد، وهو مرض معروف يعرض ورم جار في الغشاء المستبطن للأضلاع.
ثم بيَّن الرابع فقال: والمبطون شهيد، قال ابن عبد البر: هو صاحب الإِسهال، وقال في (النهاية): هو الذي يموت بمرض بطنه، كالاستسقاء ونحوه، وفي كتاب (الجزائر): لأبي بكر المروزي عن شيخه شريح: أنه صاحب القولنج، كذا قاله الشيخ شمس الدين العلقي في (الكوكب المنير)، وفي (شرح مسلم)، المبطون هو صاحب الداء في البطن، وقال القاضي عياض: المبطون هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا، انتهى، قوله: قولنج بفتح القاف واللام وبضم أوله، وقد يكسر لأنه وجع في المعنى، وهو مرض مؤلم يعسر معه خروج الثقل والريح، ويترتب عليه شدة المغص، وهو بفتح الميم وشدته قوله صلى الله عليه وسلم:"والمبطون" في هذه النسخة وقع بعد قوله: "وصاحب ذات الجنب شهيد"، وفي نسخة أخرى: وقع في المرتبة السابقة.
ثم بيَّن الخامسة فقال: وصاحب الحريق شهيد، وهو الذي يحترق في النار فيموت.
ثم بيَّن السادسة فقال: والذي يموت تحت الهَدْم بفتح الهاء وسكون الدال المهملة اسم الفعل، والهدم بكسرها الميت تحت الهدم، وبفتحها ما يُهدم، شهيد، قال العلقمي في (الكوكب المنير) عن القرطبي: هذان إذا لم يغدرا بنفسهما، ولم يمكنهما التحرز، فإن فرطا في التحرز حتى أصابهما الحرق والهدم كانا عاصيين.
وبيَّن السابعة فقال: والمرأة تموت بجُمْع بضم الجيم وكسرها وسكون الميم شهيدٌ، وفي رواية:"شهيدة"، قيل: هي من تموت من الولادة، سواء ألقت ولدها أم لا، وقيل: هي من تموت في النفاس وولدها في بطنها لم تلده، وقيل: هي من تموت عذراء يعني بكرًا.
قال ابن عبد البر: والقول الثاني أكثر وأشهر، وفي (النهاية): أن الجمع بضم وسكون، بمعنى المجموع، أي: أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل (ق 313) عنها من حمل أو بكارة، والحديث الذي بيَّن فيه مراتب أموات السبع الأموات التي فيها شدة الألم، تمحيصًا لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، حتى يبلغهم بها مراتب الشهداء، وهذا الحديث رواه مالك وأحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم في (المستدرك)، كلهم عن جابر بن عتيك.
* * *
303 -
أخبرنا مالك، حدثنا سُمَيّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بينما رجل يمشي وَجَدَ غُصْن شَوْكٍ على الطريق، فأخَّرَه، فشكر الله له فغفر له" وقال: "الشهداءُ خمسة: المبطون شهيد، والمطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، والشهيد في سبيل الله"؛ وقال: "لو يَعْلَمُ الناس ما في النِّداء والصفِّ الأوّلِ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لَاسْتَهَمُوا، ولو يعلمون ما في العَتَمَة والصبح لأَتوْهُما ولو حَبْوًا".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا مالك بن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، نسبة إلى ذي أصبح، ملك من ملوك اليمن، أحد أجداد الإِمام مالك بن أنس صاحب المذهب، حدثنا سُمَيّ، بالتصغير مولى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، تابعي، ثقة من الطبقة السادسة، مات سنة ثلاثين مقتولًا بقديد بعد المائة من الهجرة، عن أبي صالح الأشعري الشامي، وهي في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، وهو ثقة مقبول من الطبقة الثالثة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بينما طرف لمتوسط في زمان أو مكان، حسب المضاف إليه، وإذا قصد إضافة بينه إلى أوقات مضافة إلى جملة حذف الأوقات، وعوض عنها الألف وما فيقال: بينا أو بينما منصوب المحل، والعامل فيه معنى المفاجآت، كذا قاله ابن الملك في (شرح المصابيح) رجل يمشي وَجَدَ غُصْن بفتح الغين المعجمة وسكون الصاد المهملة بمعنى: القطع أو القطعة، كذا قاله محمد الواني في ترجمة الجوهري، شَوْكٍ على الطريق، فأخَّرَه، أي: فأبعده عنها ورماه في ناحية منها، فشكر الله له، أي: رضي فعله، وقبل منه، كذا نقله علي القاري عن العسقلاني، فغفر له" وقال سعيد بن زيد الباجي: يحتمل أن يريد جازاه على ذلك بالمغفرة، أو أثنى عليه ثناءً اقتضى غفرانه، أو أمر المؤمنين بشكره والثناء عليه بجميل فعله. انتهى.
وفي الصحيح: "إن الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول: لا إله إلا الله،
(303) صحيح، أخرجه: البخاري (654)، ومسلم (1914)، وأبو داود (5245)، والترمذي (1958)، وأحمد (8106)، ومالك (295).
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" (1) والله ولي التوفيق، وقال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو هريرة مرفوعًا: "الشهداءُ أي: الحكمي مثوبة في الآخرة: خمسة، أي: خمسة نفر أو أنواع، الحصر إضافي باعتبار المذكور هنا، وإلا فقد عد جميع الشهداء التي وردت في أخبار بلغت نحو الثلاثين، المبطون شهيد، قال ابن عبد البر: هو صاحب الإِسهال، وقال في (النهاية): هو الذي يموت بمرض في بطنه كالاستسقاء ونحوه، والمطعون شهيد، أي: الذي يموت بالطاعون، عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"تأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون يوم القيامة إلى رب العالمين، فيقول أصحاب الطاعون - أي: الذين يموتون بالطاعون: نحن الشهداء، فيُقال من طرف الله تعالى للملائكة: انظروا أيها الملائكة إلى جراحهم، فإن كان جراحهم كجراح الشهداء تسيل دمًا كريح المسك فهم شهداء؛ فيجد لهم الملائكة دماءهم كالمسك الأزفر فيلتحقون بشهداء المعركة في الثواب والكرامة"، والغريق شهيد، كذا في نسخة، وهو أي: الغريق بالياء بعد الراء الذي يموت مغروقًا بغير ياء غرق، وصاحب الهدم شهيد، بفتح الهاء وسكون الدال اسم الفعل، والهدم بالكسر أي: بكسر الدال الميت تحت الهدم، (ق 314) وبفتحها ما يهدم، والشهيد في سبيل الله"؛ أي: خامسهم المقتولون في المعركة، وهذه الرواية لا تعارض بالرواية السابقة؛ لأن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد، كذا قلنا في (توضيح الأسرار شرح بركات الأبرار)، فاطلب تفصيله هناك إن شئت.
قال علي القاري: وخطر ببالي أن موت العالم شهادة بشهادة قوله صلى الله عليه وسلم: "يوزن مداد العلماء بدماء الشهداء فيرجح مداد العلماء"، وقال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم: "لو يَعْلَمُ الناس وقال الطيبي: وضع المضارع موضع الماضي لتعذر استمرار العلم، ذكره السيوطي، والظاهر أن المضارع على حاله، وأن المعنى لو فرض أنهم يعلمون ما في النِّداء من الخير والبركة، والمراد بالنداء الأذان والإِقامة، كما في الرواية، والصفِّ الأوّلِ أي: ما فيه من الفضل والرحمة، ثم لم يجدوا أي: حصول كل منهما للمزاحمة فيهما بوجه، إلا أن يَسْتَهِموا أي: يقترعوا عليه لَاسْتَهَمُوا، يعني: لو يسامحوا ولم يساهلوا لأجلهم.
(1) أخرجه: البخاري (9)، ومسلم (35).
وقيل: المراد أن يتراموا بالسهام، وأنه خرج مخرج المبالغة في الكلام تحريضًا على التوسل بالمراد، ويؤيده خبر لتجالدوا عليه بالسيوف وضمير عليه، إلى ما ذكر من الأمرين.
وقيل: الضمير للصف الأول؛ لأنه أقرب مذكور، ويدل على ما قبله بالقياس المشهور، ونظيره قوله تعالى في سورة التوبة:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34]، وقال الحافظ ابن حجر: وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ لاستهموا عليهما، وهو مفصح بالمراد، ولو يعلمون أي: الناس ما في التهجير وهو التبكير إلى الصلاة، أي صلاة كانت، كما قاله الهروي وغيره، وخصه الخليل بالجمعة.
وقال النووي: الصواب الأول، وقال سعيد بن زيد الباجي المالكي: التهجير التبكير إلى الصلاة في الهاجرة، وذلك لا يكون إلا في الظهر والجمعة، قلت: ولا يبعد أن يكون تجريد في الكلام؛ إذ العموم يسبق إلى الأفهام في هذا المقام، لا سيما والمبادرة إلى الطاعة مطلوبة على الدوام، لاستبقوا إليه، أي: لأنه من جملة المتكبرات، وقد قال تعالى في سورة البقرة:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]، وقال ابن أبي جمرة: المراد الاستباق معنى لا حسًا؛ لأن المسابقة على الأقدام حسًا يقتضي السرعة فيِ المشي وهو ممنوع منه، قلت: المقصود المبالغة، كما قال تعالى في سورة الجمعة:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، والقدر المهني مستثنى منه، ولو يعلمون أي: الناس ما في العَتَمَة أي: صلاة العشاء والصبح أي: في حضورهما من الفضل، لأَتوْهُما ولم يلتفتوا إلى عذر مانع منهما، ولو وصلية حَبْوًا". بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة، والواو مصدر حبا يحبوا إذا مشى الرجل على يديه وبطنه، والصبي يمشي على استه، وأشرف بصدره، وخصهما بالذكر؛ لأن السعي إليهما أشق من غيرهما، لما فيه من تنقيص أول النوم وآخره؛ ولأنه من أفعال الموافقين بخلاف أحوال المنافقين، هذا.
وقال النووي: قد ثبت النهي عن تسمية العشاء عتمة، والجواب عن هذا الحديث من وجهين: أحدهما: أن هذه التسمية بيان للجواز، وأن ذلك النهي ليس للتحريم، وثانيهما: وهو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة؛ لأن العرب يستعمل لفظ العشاء في المغرب، فلو قال: ما في العشاء لحملوها على المغرب وفسد المعنى وفات المطلوب. انتهى.
اعلم أن الشهداء في المعركة لا يغتسلون، ولا يكفنون بدمائهم، وثيابهم التي قتلوا فيها كفنٌ لهم، ويصلى عليهم خلافًا للشافعي، فإنهم لا يرون الصلاة عليهم؛ لأن السيف محى الذنوب عن الشهداء في المعركة، واستغنوا عن الاستغفار لهم، قلنا: إن الصلاة على الميت للتعظيم، والشهداء أولى به، بهذا قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد واحدًا بعد واحد، كذا قاله ابن الملك في (شرح مجمع البحرين).
لما فرغ من بيان أحكام الشهيد شرع في بيان أحكام الجنائز، فقال: هذا
* * *