الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عن الحسن -وهو البصري- قال: "ليس لأهل الذمّة في شيء من الواجب حقّ، ولكن إِنْ شاء الرجل تصدَّق عليهم من غير ذلك".
فهذا هو الذي ثبت في الشرع، وجرى عليه العمل من السلف، وأمّا إِعطاؤهم زكاة الفطر؛ فما علمنا أحداً من الصحابة فعَل ذلك، وفَهْم ذلك من الآية فيه بُعْد، بل هو تحميل للآية ما لا تتحمّل.
وما رواه أبو إِسحاق عن أبي ميسرة قال: "كانوا يجمعون إِليه صدقة الفطر؛ فيعطيها أو يعطي منها الرهبان".
رواه أبو عبيد (613/ 1996)، وابن زنجويه (1276). فهو مع كونه مقطوعاً موقوفاً على أبي ميسرة -واسمه عمرو بن شرحبيل- فلا يصحّ عنه؛ لأنّ أبا إِسحاق هو السبيعي مختلط مدلّس، وقد عنعنه".
في المال حقٌّ سوى الزكاة
(1)
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطعِموا الجائع وعودوا المريض وفكُّوا العاني (2) "(3).
(1) أمّا حديث: "إِنَّ في المال حقّاً سوى الزكاة" فضعيف أخرجه الترمذي والدارمي وقال الترمذي: هذا حديث إِسناده ليس بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعّف
…
".
وانظر "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" برقم (103).
(2)
قال في "النهاية": "العاني: الأسير، وكلّ من ذلّ واستكان وخضع فقد عنَا يعنو، وهو عانٍ، والمرأة عانية وجمعها: عوان".
(3)
أخرجه البخاري: 5649.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما نحن في سفرٍ مع النبي صلى الله عليه وسلم إِذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعَل يصرف بصَره (1) يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضْل ظهر (2) فليَعُد به (3) على من لا ظهر له، ومن كان له فضلٌ مِن زاد؛ فليعُد به على من لا زاد له.
قال: فذكَر مِن أصناف المال ما ذَكَر، حتى رأينا أنه لا حقَّ لأحد منّا في فضل" (4).
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: "أنَّ أصحاب الصفّة كانوا أُناساً فقراء، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإنْ أربع فخامس أو سادس، وأنَّ أبا بكر جاء بثلاثة فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة"(5).
وقد لا تكفي الزكاة المفروضة؛ لإِطعام الجائع، وفكّ الأسير، ومداواة المريض، ونحو ذلك؛ ممّا لا يُستغنى عنه من الحاجات؛ فيجب في الأموال حقٌّ آخر سوى الزكاة؛ لسدّ الحاجة والقيام بما يلزم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "
…
في مالك حقّ سوى
(1) أي: متعرّضاً لشيء يدفع به حاجته. "شرح النووي".
(2)
من كان معه فضل ظهر: أي: زيادة عن حاجته؛ ممّا يُركب على ظهره من الدوابّ.
(3)
أي: فليُعطِه.
(4)
أخرجه مسلم: 1728.
(5)
أخرجه البخاري: 602، ومسلم:2057.
الزكاة" (1).
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(6/ 224 - 229) -بتصرّف-: "وفرْض على الأغنياء من أهل كلّ بلد؛ أن يقوموا بفقرائهم، ويُجبرهم السلطان على ذلك؛ إِنْ لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمِثل ذلك، وبمسكن يُكنّهم (2) من المطر، والصيف والشمس وعيون المارة.
برهان ذلك: قول الله تعالى: {وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السَّبيل} (3).
وقال الله تعالى: {وبالوالدين إِحساناً وبذي القُربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنُب والصاحب بالجَنْب وابن السبيل وما ملَكَت أيْمانكم} (4).
فأوجب تعالى حقّ المساكين، وابن السبيل، وما ملكَت اليمين مع حق ذي القربى.
وافترض الإِحسان إِلى الأبوين، وذي القربى، والمساكين والجار، وما
(1) أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد، وصحح شيخنا رحمه الله إِسناده في "الإِرواء" تحت الحديث (873).
(2)
أي: يحميهم ويردّ عنهم.
(3)
الإِسراء: 26.
(4)
النساء: 36.
ملكت اليمين، والإِحسان يقتضي كل ما ذكَرنا، ومنْعه إِساءة بلا شكّ.
وقال تعالى: {ما سلككُم في سقر * قالوا لم نَكُ من المصلّين * ولم نك نُطعِم المسكين} (1).
فقَرن الله تعالى إِطعام المسكين بوجوب الصلاة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طُرُق كثيرة في غاية الصحّة؛ أنه قال: "من لا يرحم الناس لا يرحَمْه الله"(2).
ومن كان على فضلةٍ، ورأى المسلم أخاه جائعاً عريان ضائعاً فلم يُغِثه؛ فما رحِمه بلا شكّ".
ثمّ ذكر حديث عبد الرحمن بن أبي بكر المتقدّم في أصحاب الصّفّة: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث
…
".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلِمه ولا يُسلمه"(3).
قال أبو محمّد: من تركه يجوع ويعرى -وهو قادر على إِطعامه وكسوته- فقد أسلَمه!
ثمّ ذكَر حديث أبي سعيد الخدري المتقدّم: "من كان معه فضل ظهر فليعُد به على من لا ظهر له
…
".
(1) المدثر: 42 - 44.
(2)
أخرجه البخاري: 2442، ومسلم:2319.
(3)
أخرجه البخاري: 2442، ومسلم:2580.