الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنصبة قليلة؛ وتمكّن من ذلك فعَل، وإلا أَخْرَج من مجموع المال؛ تيسيراً على نفسه.
سُئل شيخنا رحمه الله عن رجل عنده أموال أثناء السنة الأولى؛ ثمّ جاءته أرباح، فلمّا دخلت السنة الثانية؛ وجد عدّة أنصبة، وليس نصاباً واحداً، فكيف يُخرِج زكاته؟
فأجاب رحمه الله: "اختلف العلماء في كيفية إِخراج الزكاة؛ فمنهم من قال: يُخرِج عن مجموع ما عنده من الأنصبة التي وجب عليها الزكاة، وعلى الأنصبة الأخرى التي لم يحُلْ عليها الحول كذلك.
ومنهم من قال: كلما توفّر عنده نصابٌ سجَّله، وانتظر أن يحُول عليه الحَوْل.
والنظر إِلى قاعدة التيسير يجعلني أُرجِّح القول الأول، إِذ متابعة الأنصبة مُرهِق لعقل (الكمبيوتر)؛ فضلاً عن عقل الإِنسان فيُخرج عن الأرباح، شريطة أن يكون هناك أصل؛ وهو النصاب الذي حال عليه الحول". انتهى.
قلت: "ولا شكّ أنّ في هذا زيادةً على الزكاة الواجبة، فيُؤجَر عليها ويريح نفسه من بَلْبَلَة تعدّد الأنصبة. والله -تعالى- أعلم".
هل في مال الصغير والمجنون زكاة
؟
اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنهم من رأى وجوب ذلك.
وقالوا: إِنّ النصوص في إِيجاب الزكاة تفيد العموم، ومن ذلك الصغير والمجنون، والزكاة حقُّ الفقراء؛ أكان مِن صغير أو كبير أو مجنون أو عاقل.
قال ابن حزم رحمه الله في "المُحلّى"(5/ 302) -بحذف-: "وأمّا مال الصغير والمجنون؛ فإِنّ مالكاً والشافعي قالا بقولنا؟ وهو قول عمر ابن الخطاب، وابنه عبد الله، وأمّ المؤمنين عائشة، وجابر وابن مسعود، وعطاء وغيره.
وقال أبو حنيفة: لا زكاة في أموالهما من الناضّ (1) والماشية خاصة، والزكاة واجبة في ثمارهما وزروعهما.
ولا نعلم أحداً تقدّمه إِلى هذا التقسيم!
وقال الحسن البصري، وابن شبرمة: لا زكاة في ذهبه وفضّته خاصّة -وأمّا الثمار والزروع والمواشي ففيها زكاة.
وأمّا إِبراهيم النخعي، وشريح، فقالا: لا زكاة في ماله جملة!
قال أبو محمّد: إِنْ موّه مُمَوِّه منهم بأنّه لا صلاة عليهما؟ قيل له: قد تسقط الزكاة عمن لا مال له ولا تسقُط عنه الصلاة!
وإِنّما تجب الصلاة والزكاة على العاقل والبالغ؛ ذي المال الذي فيه الزكاة، فإِنْ سقط المال: سقَطت الزكاة، ولم تسقُط الصلاة؛ وإِنْ سقَط العقل، أو البلوغ: سقَطَت الصلاة ولم تسقُط الزكاة؛ لأنه لا يسقط فرض أوجبه الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، إِلا حيث أسقطه الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1) قال في "مختار الصحاح": أهل الحجاز يسمّون الدراهم والدنانير (النَّضَّ) و (النَّاضَّ) إِذا تحوّل عيناً بعد أن كان متاعاً، ويقال: خُذ ما (نضَّ) لك من دينٍ أي: ما تيسّر. وهو (يستنضّ) حقّه من فلان أي: يستنجزه ويأخذ منه الشيء بعد الشيء.
ولا يسقُط فرض من أجل سقوط فرض آخر بالرأي الفاسد، بلا نصّ قرآن ولا سُنّة.
وأيضاً: فإِنْ أسقطوا الزكاة عن مال الصغير والمجنون لسقوط الصلاة عنهما، ولأنهما لا يحتاجان إِلى طهارة؛ فليُسقطاها بهذه العلّة نفسها من زرعهما وثمارهما ولا فرق؛ وليُسقطا أيضاً عنهما زكاة الفطر بهذه الحُجّة!
فإِنْ قالوا: النصّ جاء بزكاة الفطر على الصغير؟
قلنا: والنص جاء بها على العبد، فأسقطتموها عن رقيق التجارة بآرائكم، وهذا ممّا تركوا فيه القياس، إِذ لم يقيسوا زكاة الماشية والناضّ، على زكاة الزرع، والفِطر، أو فليوجبوها على المكاتب؛ لوجوب الصلاة عليه، ولا فرق.
وقد قال بعضهم: زكاة الزرع والثمرة حقٌّ واجب في الأرض، يجب بأوّل خروجهما.
قال أبو محمّد: ولا فرق بين وجوب حقّ الله تعالى في الزكاة في الذهب والفضة والمواشي؛ من حين اكتسابها إِلى تمام الحول، وبين وجوبه في الزرع والثمار؛ من حين ظهورها إِلى حلول وقت الزكاة فيها، والزكاة ساقطة بخروج كلّ ذلك عن يد مالكه قبل الحول، وقبل حلول وقت الزكاة في الزرع والثمار.
وإِنّما الحقّ على صاحب الأرض لا على الأرض، ولا شريعة على أرض أصلاً، إِنما هي على صاحب الأرض!
قال الله تعالى: {إِنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبَيْن أن يحمِلنها وأشفَقْن منها وحمَلَها الإِنسان إِنّه كان ظلوماً
جهولاً} (1).
فظهر كذب هذا القائل وفساد قوله.
وأيضاً فلو كانت الزكاة على الأرض لا على صاحب الأرض؛ لوجب أخْذها في مال الكافر مِن زرعه وثماره، فظهر فساد قولهم وبالله التوفيق.
ولا خلاف في وجوب الزكاة على النساء كهي على الرجال؛ وهم مُقرّون بأنها قد تكون أَرْضُون كثيرة؛ لا حقّ فيها من زكاة، ولا من خَراج، كأرض مسلم؛ جعَلها قصباً وهي تغلّ المال الكثير، أو ترَكَها لم يجعل فيها شيئاً، وكأرض ذمّي صالَح على جزية رأسه فقط.
وقد قال سفيان الثوري والحسن البصري وأشهب والشافعي: إِنّ الخراجي الكافر إِذا ابتاع أرض عشر من مسلم؛ فلا خراج فيها ولا عشر.
وقد صحّ أنّ اليهود والنصارى والمجوس بالحجاز واليمن والبحرين؛ كانت لهم أرضون في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بين أحد من الأُمة؛ فى أنّه لم يجعل عليه السلام فيها عُشراً ولا خراجاً.
فإِن ذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُفع القلم عن ثلاث". فذكر "الصبي حتى يبلُغ والمجنون حتى يُفيق"(2).
قلنا: فأسقطوا عنهما بهذه الحُجّة زكاة الزرع والثمار، وأرُوش (3) الجنايات
(1) الأحزاب: 72.
(2)
أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(297).
(3)
جمع أرْش وهي دِيَة الجراحات. وانظر "مختار الصحاح".
التي هي ساقطة بها لا شكّ، وليس في سقوط القلم سقوط حقوق الأموال، وإنّما فيه سقوط المَلَامة، وسقوط فرائض الأبدان فقط. وبالله -تعالى- التوفيق.
فإِنْ قالوا: لا نيّة لمجنون، ولا لمن لم يبلغ؛ والفرائض لا تجزئ إِلا بنيّة!
قلنا: نعم، وإنّما أمر بأخذها الإِمام والمسلمون، بقوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة} (1)، فإِذا أخَذَها من أُمِر بأخذها بنية أنها الصدقة أجزأت عن الغائب، والمُغْمَى عليه، والمجنون، والصغير، ومن لا نيّة له.
والعجب أنّ المحفوظ عن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- إِيجاب الزكاة في مال اليتيم".
ثمَّ ذكر رحمه الله بعض الآثار في ذلك.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في التعليق على "المحلّى"(5/ 304): "وكان الأصحّ أنّ الزكاة تجب في المال، كما تجب الدِّيَة، وكما يجب العِوَض، وكما يجب الثمن مثَلاً، وأنّ وليّ الصبيّ أو المجنون مُكلَّف بإِخراجها من مال مَحْجُورِه، وأنّ وليّ الأمر يجب عليه استيفاؤها من المال".
قال شيخ الإِسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(25/ 17): "وتجب الزكاة في مال اليتامى؛ عند مالك والليث والشافعي وأحمد وأبي ثور، وهو مرويّ عن عمر وعائشة وعليّ وابن عمر وجابر رضي الله عنهم
…
".
وجاء في "الروضة النديّة"(1/ 460) -ردّاً على من يقول بإِيجابها تحت شرط: "إِذا كان المالك مُكلَّفاً"-: "اعلم أنّ هذه المقالة قد يَنْبُو
(1) التوبة: 103.
عنها ذِهن من يسمعها، فإِذا راجع الإِنصاف، ووقف حيث أوقفه الحقّ، عَلِم أنّ هذا هو الحقّ، وبيانه أنّ الزكاة هي أحد أركان الإِسلام، ودعائمه وقوائمه، ولا خلاف أنّه لا يجب شيء من الأربعة الأركان؛ التي الزكاة خامستها على غير مكلّف، فإِيجاب الزكاة عليه، إِنْ كان بدليل فما هو؟ فما جاء عن الشارع في هذا شيء ممّا تقوم به الحُجّة.
كما يُروَى عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر بالاتّجار في أموال الأيتام؛ لئلاّ تأكلها الزكاة، فلم يصحّ ذلك في شيء مرفوعاً إِلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم (1)، فليس ممّا تقوم به الحُجّة.
وأمّا ما رُوي عن بعض الصحابة فلا حُجّة فيه أيضاً، وقد عُورِض بمِثله.
وإِنْ قال قائل: إِنّ الخطاب في الزكاة عامّ كقوله: {خُذْ مِن أموالهم} (2) ونحوه، فذلك ممنوع.
وليس الخطاب في ذلك إِلا لمن يصلُح له الخطاب، وهم المكلّفون، وأيضاً بقيّة الأركان، بل وسائر التكاليف التي وقع الاتفاق على عدم وجوبها على من ليس بمُكلّف، الخطابات بها عامّة للناس، والصبيّ مِن جُمْلة الناس.
فلو كان عموم الخطاب في الزكاة مسوغاً لإِيجابها على غير المكلّفين؛ لكان العموم في غيرها كذلك، وأنّه باطل بالإِجماع، وما استلزم الباطل باطل، مع أنّ تمام الآية -أعني قوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة} - يدلّ على عدم وجوبها على الصبيّ، وهو قوله:{تُطهّرهم وتزكّيهم بها} فإِنّه لا
(1) انظر "الإِرواء"(788).
(2)
التوبة: 103.
معنى لتطهير الصبيّ، والمجنون، ولا لتزكيته، فما جعلوه مُخصّصاً لغير المكلفين في سائر الأركان الأربعة؛ لزمهم أن يجعلوه مُخصّصاً في الركن الخامس وهو الزكاة.
وبالجملة: فأموال العباد محرَّمة بنصوص الكتاب والسنَّة، لا يُحلّلها إلَاّ التّراضي، وطِيبة النّفْس.
أمّا ورود الشرع كالزكاة، والدِّيَة، والأرْش، والشُّفعة (1)، ونحو ذلك، فمن زعم أنه يحل مال أحد من عباد الله، سيّما مَن كان قلمُ التكليف عنه مرفوعاً؛ فعليه البرهان، والواجب على المُنْصِف أن يقف موقف المنع حتى يزحزحه عنه الدليل.
ولم يوجب الله تعالى على وليّ اليتيم، والمجنون أن يخرج الزكاة من مالهما، ولا أمَره بذلك، ولا سوّغه له، بل ورَدت في أموال اليتامى تلك القوارع التي تتصدّع لها القلوب، وترجُف لها الأفئدة (2) ".
وفيها (ص 462): " .. فمن أوجَب على الصبيّ زكاة في ماله تمسُّكاً بالعمومات، فليوجب عليه بقيّة الأركان تمسُّكاً بالعمومات.
(1) هي استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه المنتقلة عنه، مِن يد مَن انتقلت إِليه. "المغني"(5/ 459).
(2)
منها قوله تعالى: {إِنَّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً} [النساء: 10].
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "اجتبوا السبع الموبقات
…
"، فذكَر منها أكْل مال اليتيم. [أخرجه البخاري: 6857، ومسلم: 89].
وبالجملة: فالأصل في أموال العباد الحرمة {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (1)، "لا يحلّ مالُ امرئٍ مُسلم إلَاّ بطيبةٍ من نفسه"(2)، ولا سيما أموال اليتامى، فإِنّ القوارع القرآنية، والزواجر الحديثية فيها؛ أظهر من أن تُذكَر وأكثر من أن تُحصَر، فلا يأمن وليّ اليتيم إِذا أخذ الزكاة من ماله من التَّبعة، لأنه أخَذ شيئاً لم يُوجِبه الله على المالك، ولا على الوليّ ولا على المال.
أما الأوّل: فلأنّ المفروض أنه صبيٌّ لم يحصُل له ما هو مناط التكاليف الشرعية؛ وهو البلوغ.
وأمّا الثاني: فلأنه غير مالك للمال، والزكاة لا تجب على غير مالك.
وأمّا الثالث: فلأنّ التكاليف الشرعية مختصة بهذا النوع الإِنساني؛ لا تجب على دابّة ولا جماد، والله أعلم".
وسألت شيخنا رحمه الله عن زكاة أموال اليتامى فقال: "لا زكاة على مال من لم يبلغ سنّ الاحتلام على الراجح".
وفي "تبيين المسالك"(2/ 67) للشيخ عبد العزيز الإِحسائي -بعد أن نقل أدلّة الموجب وغير الموجب- "وقال أبو حنيفة: لا تجب في مال صبي ولا مجنون واحتجّ بحديث: "رُفع القلم عن ثلاث".
وله عدة ألفاظ منها:
(1) البقرة: 188.
(2)
انظر "الصحيحة"(1459) وله عِدّة ألفاظ منها: "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلَاّ عن طيب نفس".