المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل يفطر إذا أكل أو شرب أو جامع، ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٣

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الزكاة

- ‌الزكاة رُكن من أركان الإِسلام

- ‌الحضّ على أدائها والترغيب فيها

- ‌الترهيب من منْعها

- ‌حُكم مانعها

- ‌قتال من يمنعها

- ‌على من تَجِب

- ‌ماذا يُشتَرط في النصاب

- ‌كيف يُزكّي إِذا تعدّدت الأنصبة

- ‌هل في مال الصغير والمجنون زكاة

- ‌المالك المَدِين:

- ‌من مات وعليه الزكاة

- ‌أداؤُها وقت الوجوب

- ‌التعجيل بأدائها قبل الحول

- ‌مَن أحَبَّ تعجيل الزكاة من يومها

- ‌عدم ذهاب السُّعَاة لجمع الأموال الباطنة ويتولّى الرجل تَفْرِقة أمواله الباطنة بنفسه

- ‌الأموال التي تجب فيها الزكاة

- ‌زكاة النقدين الذَّهب والفضّة

- ‌ما جاء في الترهيب من كنز الذّهب أو الفضّة وعدم إِخراج زكاتها:

- ‌نصاب الذهب ومقدار الواجب فيه

- ‌نصاب الفضة ومقدار الواجب

- ‌زكاة العملات الورقيّة والمعدنية

- ‌زكاة الدَّيْن

- ‌الدَّيْن دَيْنَان:

- ‌زكاة الحُليّ

- ‌هل على الحُليّ المحرَّمة زكاة

- ‌زكاة صداق المرأة

- ‌هل في عروض التجارة زكاة

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌وجوبها

- ‌الأصناف التي تُؤخَذ منها

- ‌هل في العنب زكاة

- ‌لا تُؤخذ الزكاة من الخَضْراوات

- ‌هل في السُّلت زكاة

- ‌هل في الزيتون زكاة

- ‌النّصاب

- ‌المقدار الواجب:

- ‌الأكل من الزرع قبل إِخراج الزكاة

- ‌متى تجب الزكاة في الزروع والثمار

- ‌إِخراج الطيّب في الزكاة:

- ‌زكاة العسل

- ‌زكاة الحيوان

- ‌زكاة الإِبل والمقدار الواجب

- ‌زكاة البقر والمقدار الواجب

- ‌هل في الجاموس زكاة

- ‌زكاة الغنم والمقدار الواجب

- ‌حُكْم الأوقاص:

- ‌ما لا يُؤخذ في الزكاة

- ‌إِباحة دعاء الإِمام على مُخْرِج مُسِنّ ماشيته في الصدقة؛ بأن لا يبارَك له في ماشيته، ودعائه لمُخرج أفضل ماشيته في الصدقة؛ بأن يبارَك له في ماله

- ‌زكاة غير الأنعام

- ‌في الجمع والتفريق:

- ‌من أين تُؤخَذ الصدقات

- ‌إِرضاء العاملين على الصدقات

- ‌سمة غنم الصدقة إِذا قُبِضت

- ‌استعمال إِبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل

- ‌زكاة الرّكاز

- ‌هل يشترط الحَوْل والنصاب في الركاز

- ‌مصرفه:

- ‌هل في المعادن زكاة

- ‌ما يُستخرج من البحر

- ‌المال المغصوب والضائع

- ‌جواز دفْع القيمة بدل العين

- ‌إِذا وجبت الزكاة في المال وهلك قبل الأداء

- ‌إِذا عزل الزكاة ليخرجها فضاعت

- ‌تأخير الزكاة لا يُسقِطها

- ‌الزكاة في المال المشترك

- ‌الفرار من الزكاة قبل وجوبها

- ‌مصارف الزكاة

- ‌أمّا ما جاء في الفقراء:

- ‌وأمّا ما جاء في المساكين:

- ‌المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته

- ‌4 - المؤلفة قلوبهم:

- ‌5 - وفي الرقاب

- ‌6 - الغارمون:

- ‌7 - وفي سبيل الله

- ‌هل بناء المستشفيات الخيرية العامّة وإِعداد الدعاة إِلى الإِسلام والنفقة على المدارس الشرعية…ونحو ذلك من "سبيل الله

- ‌8 - ابن السبيل:

- ‌هل يجب استيعاب الدفع إِلى جميع مصارف الزكاة

- ‌إِذا اجتمَع في واحد أكثر من سبب لأخذ الزكاة

- ‌من تحرُم عليهم الزكاة

- ‌1 - أهل الكفر والإِلحاد

- ‌2 - بنو هاشم وبنو المطّلب

- ‌3 - من تجب عليهم النفقة من قِبل المزكّي

- ‌زكاة من لا تجب نفقتهم

- ‌الزكاة على الزوجة

- ‌هل تَدْفَع الزوجة الزكاة لزوجها

- ‌هل يدْفع الزكاة إِلى الأقارب المحتاجين إِذا كان الأجنبي أشدّ حاجة

- ‌4 - صرفها في وجوه القُرَب:

- ‌هل تعطى الزكاة لغير أهل الصّلاح

- ‌الصدقة على ذي الرحم الكاشح

- ‌الصدقة على الجار

- ‌هل يشرع الاتجار بأموال اليتامى

- ‌إِسقاط الدَّين عن الزكاة

- ‌نقْل الزكاة

- ‌إِذا استدان مالاً هل يُخرج زكاته

- ‌هل يجزئ الرجل عن زكاته ما يُغرمه ولاة الأمور في الطرقات وما في معناه

- ‌من أعطى الزكاة لمن ظنّ أنّه مستحقّ فظهر أنه غير مستحقّ

- ‌ما هو الأفضل: إِظهار الصدقة أم إِخفاؤها

- ‌الدعاء للمزكي

- ‌التحذير من المنّ بالعطيّة

- ‌فضل صدقة الشحيح الصحيح

- ‌النهي عن تحقير ما قلّ من الصدقات

- ‌الزجر عن عيب المتصدّق المُقلّ بالقليل من الصدقة

- ‌الزجر عن رمي المتصدِّقين بالكثير من الصدقة بالرياء والسمعة

- ‌هل يشتري صدقته

- ‌إِذا تحوّلت الصدقة

- ‌التصدّق بغير المال

- ‌التصدّق بالماء

- ‌ما جاء في المنيحة

- ‌التصدُّق بالفرس

- ‌التصدّق بالزّرع

- ‌اشتراط المتصدّق حبْس أصول الصدقة، والمنْع مِن بيع رقابها وهبتها وتوريثها

- ‌لا يقبل الله صدقة من غُلول

- ‌استسلاف الإِمام المال لأهل الصدقات وردُّه ذلك من الصدقة بعد الاستسلاف

- ‌الرخصة في إِعطاء الإِمام من الصدقة من يذكر حاجة وفاقة؛ لا يعلم الإِمام منه خلافه من غير مسألة عن حاله؛ أهو فقير محتاج أم لا

- ‌إعطاء الإِمام دِيَة من لا يُعرف قاتِلُه من الصدقة

- ‌صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر عن المملوك واجب على مالكه

- ‌حكمتها:

- ‌على من تجب

- ‌قدْرها:

- ‌الزيادة عن المنصوص عليه

- ‌هل يجوز إِخراج القيمة

- ‌وقت إِخراجها

- ‌مصرفها:

- ‌عدم جواز إِعطائها للذمّي

- ‌في المال حقٌّ سوى الزكاة

- ‌صدقة التطوّع

- ‌أوْلى الناس بالصدقة

- ‌التحذير من التصدّق بالحرام

- ‌هل تتصدّق المرأة من مال زوجها

- ‌هل تتصدّق المرأة من مالها بدون إِذن زوجها

- ‌الصدقة عن الميّت عن غير وصيّة مِن مال الميّت، وتكفير ذنوب الميّت بها

- ‌هل يتصدّق بكلّ ماله

- ‌الصدقة على الحيوان

- ‌الصدقة الجارية

- ‌الصدقة في رمضان

- ‌الصدقة في أيام العشر من ذي الحجّة

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصيام

- ‌فضله:

- ‌منزلة الصّائم الصابر

- ‌أقسامه:

- ‌ صوم رمضان

- ‌حُكمه:

- ‌فضل شهر رمضان

- ‌الترهيب مِن الفِطْر في رمضان

- ‌بمَ يثبُت الشهر

- ‌فائدة:

- ‌إِذا رأى الهلالَ أهلُ بلد هل يلزم سائر البلاد الموافقة

- ‌إِذا أُغْمِيَ هلال شوال وأصبح النَّاس صياماً

- ‌هل يصوم أو يُفطر مَنْ رأى الهلال وحده

- ‌أركان الصوم

- ‌على من يجب

- ‌صيام الصبي

- ‌من يُرخّص لهم في الفطر وتجب عليهم الفدية

- ‌من يرخص لهم في الفطر، ويجب عليهم القضاء

- ‌وأمَّا الرُّخصة للمسافر؛ ففيها أحاديث عديدة؛ منها:

- ‌أيّهما أفضل للمريض والمسافر؛ الفطر أم الصوم

- ‌هل يجوز له الفطر إِذا نوى الصيام وهو مقيم ثمّ سافر نهاراً

- ‌لا يجوز للحائض أو النفساء أن تصوما، ويجب عليهما القضاء

- ‌كان صيام تسع وعشرين لرمضان على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر من صيام ثلاثين

- ‌الأيّام المنهي عن صيامها

- ‌1 - يوما العيدين

- ‌2 - أيّام التشريق

- ‌3 - يوم الجمعة منفرداً

- ‌4 - يوم السبت في غير الفرض

- ‌فكيف يكون التعامل مع هذه النصوص

- ‌5 - يوم الشكّ

- ‌6 - صوم الدهر

- ‌7 - صيام المرأة وزوجها حاضر إِلَاّ بإِذنه

- ‌8 - النصف الثاني من شعبان، إلَاّ لمن كان له صوم يصومه

- ‌ الوصال في الصوم:

- ‌صيام التطوّع

- ‌1 - الاثنين والخميس

- ‌3 - ثلاثة أيّام من كل شهر

- ‌4 - أكثر شعبان

- ‌5 - ستة أيّام من شوّال

- ‌6 - تسع ذي الحجة

- ‌أيهما أفضل العشر من ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان

- ‌7 - يوم عرفة لغير الحاج:

- ‌8 - أكثر شهر الله المحرّم، وتأكيد صوم عاشوراء، ويوماً قبلها أو يوماً بعدها

- ‌هل يصحّ إِظهار السرور يوم عاشوراء والاكتحال وطبْخ الحبوب ونحوه

- ‌هل في الأشهر الحُرُم صوم

- ‌فائدة:

- ‌جواز فِطر الصائم المتطوّع

- ‌عدم وجوب قضاء يوم النّفل

- ‌آداب الصيام

- ‌1 - السحور

- ‌فضله:

- ‌بمَ يتحقّق

- ‌فضل السحور بالتمر

- ‌وقته:

- ‌فائدة:

- ‌استحباب تأخيره:

- ‌هل يفطر إِذا أكل أو شرب أو جامع، ظانّاً غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر

- ‌2 - تعجيل الفطر

- ‌متى يُفطر الصائم

- ‌علام يُفطر

- ‌3 - الدعاء عند الفِطر

- ‌4 - الجود ومدارسة القرآن

- ‌فينبغي الاقتداء بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم في الجود والعطاء

- ‌5 - الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان

- ‌ترهيب الصائم من الغِيبة والفُحش والكذب ونحو ذلك

- ‌ما يُباح للصائم

- ‌1 - الغُسل تعبُّداً

- ‌2 - أن يصبح جُنباً

- ‌3 - المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة

- ‌4 - الاكتحال والقطرة ونحوها ممّا يدخل العين

- ‌6 - الحُقنة لغير التغذية

- ‌7 - الحجامة

- ‌8 - ما لا يمكن التحرّر منه كابتلاع الريق

- ‌9 - السواك والطيب والادّهان:

- ‌هل يباح ذوق الطّعام

- ‌المفطّرات

- ‌على من تقع الكفّارة

- ‌ترتيب الكفّارة كما ورَدَت في الحديث

- ‌إِذا تكرّر الجماع، هل تتكّرر الكفّارة

- ‌لا تجب الكفّارة على من لم يستطعها

- ‌هل يجوز صيام الشهرين متفرّقاً في كفّارة الجماع

- ‌أَمْر المجامع بقضاء صوم يوم مكان اليوم الذي جامع فيه، إِذا لم يجد الكفّارة

- ‌هل الاستمناء بمباشرة الرجل زوجه أو باليد يفسد الصوم

- ‌قضاء رمضان

- ‌متى يقضى قضاء رمضان

- ‌هل على من أَخَّر القضاء كفّارة

- ‌هل يقضي مَن أَفطر متعمّداً

- ‌قضاء صوم النَّذر عن الميت من قِبل وليِّه

- ‌ماذا يقول الصائم إِذا دُعي إِلى طعام

- ‌الترغيب في إِطعام الصائم

- ‌الصوم لمن لم يستطع الباءة

- ‌ليلة القدر

- ‌فضلها:

- ‌متى تُتحرّى وتُلتمس

- ‌تحديدها:

- ‌قيامها والدعاء فيها

- ‌صفة ليلة القدر

- ‌كثرة الملائكة في الأرض ليلة القدر

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌تعريفه

- ‌مشروعيّته

- ‌حكمه:

- ‌مقصود الاعتكاف

- ‌زمانه:

- ‌شروطه

- ‌متى يدخل المعتكَف

- ‌ما يستحبّ للمعتكِف

- ‌ما يجوز للمعتكف

- ‌منْع الرجل أهله من الاعتكاف

- ‌ما يُبطل الاعتكاف

- ‌فوائد متنوّعة

الفصل: ‌هل يفطر إذا أكل أو شرب أو جامع، ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر

الأنبياء أُمِرنا بتعجيل فِطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضَع أيماننا على شمائلنا في الصلاة" (1).

وعن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تسحَّرنا مع النّبىِّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ قام إِلى الصلاة، قلت (2): كم كان بين الأذان (3) والسّحور؟ قال: قَدْر خمسين آية (4) "(5).

جاء في "الفتح"(4/ 199): "قال ابن عبد البرّ: أحاديث تعجيل الإِفطار وتأخير السّحور صِحاح متواترة، وعند عبد الرزاق بإِسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال: كان أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم أسرَعَ النّاس إِفطاراً وأبطأهم سحوراً".

‌هل يفطر إِذا أكل أو شرب أو جامع، ظانّاً غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر

؟

مَن أكَل أو شرب أو جامع ظانّاً غروب الشمس، أو عدم طلوع الفجر، ثمّ

(1) أخرجه ابن حبان والضياء بسند صحيح، وانظر "التعليقات الرضيَّة"(2/ 20) و"الصحيحة"(4/ 376).

(2)

قلتُ: هو مقول أنس، والمقول له زيد بن ثابت رضي الله عنهما.

(3)

أي: الإقامة، وبوّب له البخاري رحمه الله في كتاب الصوم بقوله:(باب كم بين السَّحور وصلاة الفجر). جاء في "الفتح"(4/ 138): "وقال: أي انتهاء السّحور وابتداء الصلاة؛ لأنّ المراد تقدير الزّمان الذي ترك فيه الأكل والمراد بفعل الصَّلاة؛ أول الشّروع فيها قاله الزين بن المنيّر".

(4)

أي: متوسطة؛ لا طويلة ولا قصيرة، لا سريعة ولا بطيئة "فتح".

(5)

أخرجه البخاري: 1921، ومسلم:1097.

ص: 276

ظهر له خلاف ذلك فإِنّه لا يفسد صومه، وليس عليه قضاء ولا كفّارة.

جاء في "المحلّى"(6/ 331) المسألة (753): "ومن أكل وهو يظنّ (1) أنّه ليل، أو جامَع كذلك؛ أو شرب كذلك؛ فإِذا به نهار -إِما بطلوع الفجر، وإمّا بأنّ الشَّمس لم تغرب-: فكلاهما لم يتعمّد إِبطال صومه، وكلاهما ظن أنَّه في غير صيام، والناسي ظنّ أنّه في غير صيام ولا فرق، فهما والناسي سواء ولا فرق.

وليس هذا قياساً (2) -ومعاذ الله من ذلك- وإنما يكون قياساً لو جعلنا الناسي أصلاً؛ ثمّ شبّهنا به مَن أكل وشرب وجامع، وهو يظنّ أنّه في ليل فإِذا به في نهار، ولم نفعل هذا، بل كلّهم سواء في قول الله تعالى:{ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمَّدت قلوبكم} (3) وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله تجاوز لأمّتي الخطأ والنِّسيان وما استُكرِهوا عليه"(4)، وهذا قول جمهور السَّلف.

ثمّ ساق بإِسناده إِلى جمْع من السَّلف في ذلك ومنه:

(1) الظنّ: إِدراك الذهن الشيءَ مع ترجيحه، وقد يكون مع اليقين. "الوسيط".

(2)

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في التعليق: "سواءٌ رضي المؤلف أن يكون هذا قياساً أو لم يرضَ، فإِنه قياسٌ في الحقيقة على الناسي، لأنّ النصّ لم يدلّ على عدم بطلان صوم من أفطر ظانّاً أنه في ليل، والقياس على الناسي -الذي ذكره المؤلّف- قياس صحيح، وإنْ تحاشى هو أن يُسمّيه قياساً".

(3)

الأحزاب: 5.

(4)

تقدّم.

ص: 277

عن زيد بن وهب قال: أفطر النّاس في زمن عمر بن الخطاب فرأيت عِساساً (1) أُخرجَت من بيت حفصة، فشربوا، ثمّ طلعت الشّمس من سحاب، فكَأنّ ذلك شقَّ على النّاس.

فقالوا: نقضي هذا اليوم فقال عمر: لِمَ؟ والله ما تجانفنا لإِثم (2) ".

وروينا أيضاً من طريق الأعمش عن المسيّب عن زيد بن وهب، ومن طريق ابن أسلم عن أخيه عن أبيه ولم يذكر قضاء.

وقد رُوي عن عمر أيضاً القضاء، وهذا تخالف من قوله، فوجب الرُّجوع إِلى ما افترض الله تعالى الرّجوع إِليه عند التنازع، من القرآن والسنة؛ فوجدنا ما ذكَرنا قبل، مع أنّ هذه الرواية عن عمر أولى؛ لأن زيد بن وهب له صحبة، وإنّما روى عنه القضاء من طريق علي بن حنظلة عن أبيه.

ومن طريق شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة عمّن تسحّر نهاراً وهو يرى أنّ عليه ليلاً، فقال: يُتمّ صومه.

وعن مجاهد قال: من أكل بعد طلوع الفجر وهو يظنّ أنّه لم يطلع فليس عليه القضاء؛ لأنَّ الله تعالى يقول: {حتى يتبيّن لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} .

وعن الحسن البصري فيمن تسحَّر وهو يرى أنّه ليل، قال: يُتمُّ صومه.

وعن جابر بن زيد فيمن أكل يرى أنَّه ليل فإِذا به نهار، قال: يُتمّ صومه.

(1) العِساس: جمع العُسّ: القدح الكبير.

(2)

أي: لم نمِلْ فيه لارتكاب الإِثم، ومنه قوله تعالى:{غير متجانفٍ لإِثم} [المائدة: 3]. "النهاية".

ص: 278

ثمّ اتفق عروة وعطاء فيمن أكل في الصّبح وهو يرى أنّه ليل: لم يقضه.

فهؤلاء: عمر بن الخطاب، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، والحسن، وجابر ابن زيد أبو الشعثاء، وعطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبير.

فإِنْ ذكَروا ما رويناه

عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "أفطر النّاس على عهد رسول صلى الله عليه وسلم ثمّ طلعت الشّمس".

قال أبو أسامة: قلت لهشام: فأُمِروا بالقضاء؟ فقال: ومن ذلك بدٌّ (1)؟! فإِنّ هذا ليس إلَاّ من كلام هشام، وليس من الحديث، فلا حُجّة فيه (2)، وقد قال معمر: سمعت هشام بن عروة في هذا الخبر نفسه يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟! فصحّ ما قُلنا.

وأمَّا مَنْ أُكره على الفطر، أو وطئت امرأة نائمة، أو مكرهة أو مجنونة أو مغمى عليها، أو صُبّ في حلقه ماء وهو نائم، فصوم النّائم والنّائمة، والمُكْره، والمُكْرهة تامّ صحيح لا داخلة فيه، ولا شيء عليهم، ولا شيء على المجنونة، والمغمى عليها، ولا على المجنون والمغمى عليه، لمَا ذكَرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنّ الله تجاوز لأمتّه عن الخطأ والنِّسيان وما استُكرهوا عليه (3).

والنّائم والنّائمة مكرهان بلا شك، غير مُخْتارين لما فُعِل بهما.

وقال زفر: لا شيء على النّائم والنّائمة، ولا قضاء كما قلنا، سواء سواء، وصومهما تامّ -وهو قول الحسن بن زياد.

(1) أخرجه البخاري: 1959.

(2)

وسيأتي -إِن شاء الله تعالى- كلام شيخ الإِسلام رحمه الله في ذلك.

(3)

تقدّم.

ص: 279

وقد رُوي أيضاً عن أبي حنيفة في النّائم مثل قول زفر.

وقال سفيان الثّوري: إِذا جومعت المرأة مُكْرهة في نهار رمضان فصومها تامّ، لا قضاء عليها، وهو قول عبيد الله بن الحسن، وبه يقول أبو سليمان، وجميع أصحابنا.

والمجنون والمغمى عليه غير مخاطَبَين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رُفع القلم عن المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يحتلم"(1).

قال شيخ الإِسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(25/ 228): "

وكذلك طرد هذا أنّ الصائم إِذا أكل أو شرب أو جامع ناسياً أو مخطئاً، فلا قضاء عليه، وهو قول طائفة من السلف والخلف ومنهم من يُفَطِّر الناسي والمخطئ كمالك

".

وقال رحمه الله (ص 231): "وأيضاً فقد ثبت في "صحيح البخاري" عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "أفطرنا يوماً من رمضان في غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ طلعت الشمس

".

وهذا يدلّ على شيئين: على أنّه لا يُسْتحَب مع الغيم التأخير إِلى أن يتيقّن الغروب

والثاني: لا يجب القضاء فإِنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لو أمَرهم بالقضاء لشاع ذلك كما نقل فطرهم، فلمّا لم يُنقَل ذلك دلّ على أنّه لم يأمرهم به.

فإِنْ قيل: فقد قيل لهشام بن عروة: أمروا بالقضاء؟ قال: أو بد من القضاء؟

(1) تقدّم.

ص: 280

قيل: هشام قال ذلك برأيه، لم يرو ذلك في الحديث، ويدلّ على أنّه لم يكن عنده بذلك علم أنّ معمراً روى عنه قال: سمعت هشاماً قال: لا أدري أقضوا أم لا؟

ذكَر هذا وهذا عنه البخاري، والحديث رواه عن أمِّه فاطمة بنت المنذر عن أسماء.

وقد نقل هشام عن أبيه عروة أنهم لم يؤمروا بالقضاء، وعروة أعلم من ابنه، وهذا قول إِسحاق بن راهويه -وهو قرين أحمد بن حنبل، ويوافقه في المذهب: أصوله وفروعه، وقولهما كثيراً ما يجمع بينه

".

وجاء (ص 259) منه: "وسئل عن رجل باشر زوجته، وهو يسمع المتسحر يتكلّم، فلا يدري: أهو يتسحّر؟ أم يؤذّن، ثمّ غلب على ظنِّه أنّه يتسحَّر، فوطئها، وبعد يسير؛ أضاء الصبح، فما الذي يجب عليه؟ أفتونا مأجورين.

فأجاب: هذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة أقوال:

أحدها: عليه القضاء، والكفّارة، هذا إِحدى الروايتين عن أحمد.

وقال مالك: عليه القضاء لا غير، وهذه الرواية الأخرى عنه، وهذا مذهب الشافعي، وأبي حنيفة وغيرهما.

والثالث: لا قضاء ولا كفّارة عليه.

وهذ قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو أظهر الأقوال، ولأنّ الله تعالى عفا عن الخطأ والنِّسيان، وأَباح سبحانه وتعالى الأكل والشرب، والجماع حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والشاكّ في طلوع الفجر يجوز له الأكل والشرب والجماع بالاتفاق، ولا قضاء عليه إِذا استمر الشَّك".

ص: 281

وجاء (ص 264) منه: "وهذا القول أصحّ الأقوال، وأشبهها بأصول الشريعة، ودلالة الكتاب والسنَّة، وهو قياس أصول أحمد وغيره، فإِنّ الله رفع المؤاخذة عن الناسي، والمخطئ، وهذا مخطئ.

وقد أباح الله الأكل والوطء حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، واستحبَّ تأخير السّحور، ومن فعل ما ندب إِليه، وأُبيح له، لم يفرّط فهذا أولى بالعذر من الناسي، والله أعلم".

وقال الحافظ رحمه الله في "الفتح"(4/ 200) -بحذف-: "وقد اختلف في هذه المسألة فذهب الجمهور إِلى إِيجاب القضاء

وجاء ترك القضاء عن مجاهد والحسن، وبه قال إِسحاق وأحمد في رواية.

قال ابن خزيمة رحمه الله في "صحيحه"(3/ 239): "ليس في هذا الخبر أنّهم أمروا بالقضاء، وهذا من قول هشام: بدٌّ من ذلك، لا في الخبر، ولا يُبيّن عندي أنّ عليهم القضاء، فإِذا أفطروا والشمس عندهم قد غربت، ثمّ بان أنها لم تكن غَرَبت؛ كقول عمر بن الخطاب: والله ما نقضي ما يجانفنا من الإِثم".

وسألت شيخنا رحمه الله قائلاً: إذا أكل ظانّاً غروب الشمس فظهر خلاف ذلك، أو ظنَّ عدم طلوع الفجر. فقال رحمه الله:"إِذا كان معذوراً في ظنّه فلا يعدُّ مُفطراً". انتهى.

قلت: والراجح عدم القضاء -والله تعالى أعلم- لِمَا وردَ عن السلف من آثارٍ في ذلك، فإِنْ كان بالنقل فهم أولى، وإن كان بالرأي فرأيهم خير من رأي سواهم (1).

(1) ذكره بعض العلماء.

ص: 282