الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي "المغني"(3/ 44): "وإنْ تمضمض أو استنشق في الطهارة؛ فسبق الماء إِلى حلْقه من غير قصد ولا إِسراف، فلا شيء عليه، وبه قال الأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه ورُوي ذلك عن ابن عباس.
وقال مالك وأبو حنيفة: يفطر؛ لأنه أوصل الماء إِلى جوفه؛ ذاكراً لصومه فأفطر كما لو تعمّد شربه
…
". ا. هـ
والصواب أنه لا يُفطّر؛ لعموم قوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إِلا وسعها} (1)، وقوله سبحانه:{ما جَعل عليكم في الدين مِن حَرَج} (2).
4 - الاكتحال والقطرة ونحوها ممّا يدخل العين
؛ سواء أَوَجَد طعْمه في حلقه أم لم يَجده، لأنّ العين ليست بمنفذ إِلى الجوف (3).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: اكتحل رسول الله وهو صائم" (4).
وعن أنس بن مالك: "أنّه كان يكتحل وهو صائم"(5).
عن الأعمش قال: "ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصّائم،
(1) البقرة: 286.
(2)
الحج: 78.
(3)
"فقه السنة"(1/ 460).
(4)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1360).
(5)
أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به، وانظر "الفتح"(4/ 153)، ووصَله أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2082)، وقال شيخنا رحمه الله: حسن موقوف.
وكان إِبراهيم (1) يرخّص أن يكتحل الصائم بالصَّبر" (2).
وقال الحسن: "لا بأس بالكحل للصائم"(3).
جاء في كتاب "الأمّ"(4/ 365): "قال الشافعي: ولا يُفْسِد الكُحل وإن تنخَّمه، فالنخامة تجيء من الرأس باستنزاله، والعين متصلة بالرأس، ولا يصل إِلى الرأس والجوف -عِِلْمي- ولا أعلم أحداً كره الكحل على أنّه يفطِّر".
وسألت شيخنا رحمه الله: ما رأيكم فيمن يقول: إِن الاكتحال والقطرة لا يفطران؛ سواء وجَد طعمه في الحلق أم لم يجد؟ فقال: هو كذلك، وإذا وجَد طعمه لفَظه، ولا يجوز بلْعه.
وقال أحد الإِخوة الحاضرين: وهل يُفطر إِذا بلَعَه؟ فقال رحمه الله: نعم.
وجاء في "مجموع الفتاوى"(25/ 241): "
…
وإذا كانت الأحكام التي تعمّ بها البلوى لا بد أن يبيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولا بدّ أَنْ تنقل الأمّة ذلك، فمعلوم أنّ الكحل ونحوه مما تعمّ به البلوى كما تعمّ بالدُّهن والاغتسال والبخور والطّيب، فلو كان هذا ممّا يفطِّر لبيّنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما بيّن الإِفطار بغيره، فلمّا لم يُبيّن ذلك؛ عُلِم أنّه من جنس الطيب
(1) هو النخعي، وانظر "بذل المجهود"(11/ 194).
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2083)، وانظر "الفتح"(4/ 154).
(3)
أخرجه عبد الرزاق بإِسناد صحيح عنه؛ كما قال الحافظ في "الفتح"(4/ 154) وأورده البخاري معلقاً مجزوماً به.
والبخور والدّهن.
والبخور قد يتصاعد إِلى الأنف ويدخل في الدِّماغ وينعقد أجساماً، والدّهن يشربه البدن، ويدخل إِلى داخله ويتقوّى به الإِنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوّة جيدة، فلمّا لمْ يُنه الصّائم عن ذلك؛ دلّ على جواز تطييبه وتبخيره وادّهانه، وكذلك اكتحاله.
وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يُجْرح أحدهم؛ إِمّا في الجهاد وإمّا في غيره مأمومة (1) وجائفة (2)، فلو كان هذا يفطر لبيّن لهم ذلك، فلما لم ينه الصائم عن ذلك عُلِمَ أنّه لم يجعله مفطِّراً".
وجاء في "مجموع الفتاوى"(25/ 244) أيضاً: "فإِنّ الكحل لا يُغَذِّي البتة، ولا يُدْخِل أحد كحلاً إِلى جوفه؛ لا من أنفه ولا فمه".
5 -
القبلة والمباشرة لمن قدر على ضبط نفسه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقبِّل ويُباشر وهو
صائم، وكان أملككم لأربه (3) " (4).
وجاء في "الصحيحة"(1/ 433): -بتِصرف- تحت هذا الحديث:
(1) المأمومة: أي: الشَّجَّة في الرّأس، تصل إِلى أم الدماغ، وأمّ الدّماغ: الجلِدة الرّقيقة التي تجمعه، يقال: بلغت الشّجّة أمّ الدّماغ. "الوسيط".
(2)
الجائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف. "اللسان".
(3)
لأرَبه: بفتح الهمزة والرّاء أي: حاجته، ويروى بكسر الهمزة وسكون الرّاء [إِرْبه] أي: عضوه، والأوّل أشهر، وِإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير. "الفتح".
(4)
أخرجه البخاري: 1927، ومسلم:1106.
"ومرادها رضي الله عنها أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان غالباً لهواه.
و (الإِرب): هو بفتح الهمزة أو كسرها، قال ابن الأثير:"وله تأويلان: أحدهما: أنّه الحاجة. والثاني: أنّه أراد به العضو، وعنت به من الأعضاء الذَّكَر خاصّة. وهو كناية عن المجامعة".
قال في "المرقاة": "وأمّا ذِكر الذَّكَر؛ فغير ملائم للأنثى، لا سيّما في حضور الرِّجال"، وراجع تمام البحث فيه.
وفي الحديث فائدة أخرى على الحديث الذي قبله، وهي جواز المباشرة من الصائم، وهي شيء زائد على القبلة، وقد اختلفوا في المراد منها هنا، فقال القاري:"قيل: هي مسُّ الزوج المرأة فيما دون الفرج، وقيل: هي القبلة واللَّمس باليد".
قلت: [أي: شيخنا -رحمه الله تعالى-] ولا شكَّ أنّ القبلة ليست مرادة بالمباشرة هنا؛ لأنّ الواو تفيد المغايرة، فلم يبق إلَاّ أن يكون المراد به إِمّا القول الأوّل أو اللّمس باليد، والأوّل هو الأرجح، لأمرين:
الأوّل: حديث عائشة الآخر قالت: "كانت إِحدانا إِذا كانت حائضاً، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها؛ أمَرها أن تتزر في فور حيضتها، ثمّ يباشرها. قالت: وأيّكم يملك إِرْبَه؟! ".
رواه البخاري (1/ 320)، ومسلم (1/ 166 و 167) وغيرهما.
فإِنّ المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام؛ فإِنّ اللّفظ واحد، والدّلالة واحدة، والرِّواية واحدة أيضاً.
بل إِنّ هناك ما يؤيِّد المعنى المذكور، وهو الأمر الآخر، وهو أن السَّيدة عائشة رضي الله عنها قد فسّرت المباشرة بما يدلّ على هذا المعنى، وهو قولها في رواية عنها:"كان يباشر وهو صائم، ثمّ يجعل بينه وبينها ثوباً. -يعني: الفرج-"(1).
قلت: [أي: شيخنا رحمه الله]: "وفي هذا الحديث فائدة هامّة، وهو تفسير المباشرة بأنّه مسّ المرأة فيما دون الفرج،؛ فهو يؤيّد التفسير الذي سبق نقْله عن القاري، وإن كان حطططططكاه بصيغة التمريض:(قيل)؛ فهذا الحديث يدلّ على أنّه قول معتمد، وليس في أدلّة الشّريعة ما ينافيه، بل قد وجدنا في أقوال السّلف ما يزيده قوّة؛ فمنهم راوية الحديث عائشة نفسها رضي الله عنها فَرَوَى الطحاوي (1/ 347) بسند صحيح عن حكيم بن عقال أنّه قال:
"سألْتُ عائشة: ما يحرم عليَّ من امرأتي وأنا صائم؟ قالت: فرجها".
وحكيم هذا وثّقه ابن حبان، وقال العجلي:"بصري، تابعي، ثقة".
وقد علّقه البخاري (4/ 120) بصيغة الجزم: "باب المباشرة للصائم، وقالت عائشة رضي الله عنها: يحرم عليه فرجها".
وقال الحافظ: "وصله الطحاوي من طريق أبي مرّة مولى عقيل عن حكيم ابن عقال
…
وإسناده إِلى حكيم صحيح.
ويؤدّي معناه أيضاً ما رواه عبد الرزاق بإِسناد صحيح عن مسروق: سألت
(1) أخرجه أحمد وابن خزيمة في "صحيحه"، وانظر "الصحيحة"(221).
عائشة: ما يحلُّ للرّجل من امرأته صائماً؟ قالت: كلّ شيء؛ إِلا الجماع". قلت [أي: شيخنا -رحمه الله تعالى-]: وذكَره ابن حزم (6/ 211) محتجّاً به على من كره المباشرة للصائم.
ثمّ ذكَر ابن حزم عن سعيد بن جبير: "أنّ رجلاً قال لابن عبّاس: إِنّي تزوجت ابنة عمّ لي جميلة، فبُني بي في رمضان، فهل لي -بأبي أنت وأمّي- إِلى قُبْلتها من سبيل؟
فقال له ابن عبّاس: هل تملك نفسك؟ قال: نعم. قال: قبِّل.
قال: فبأبي أنت وأمّي؛ هل إِلى مباشرتها من سبيل؟ قال: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: فباشِرها.
قال: فهل لي أن أضرب بيدي على فرجها مِن سبيل؟ قال: وهل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: اضرب".
قال ابن حزم: "وهذه أصحّ طريق عن ابن عبّاس".
قال: "ومن طرق صحاح عن سعد بن أبي وقّاص أنّه سُئل: أتقبِّل وأنت صائم؟ قال: نعم، وأقبض على متاعها.
وعن عمرو بن شرحبيل أنّ ابن مسعود كان يباشر امرأته نصف النّهار وهو صائم، وهذه أصحّ طريق عن ابن مسعود".
قلت [أي: شيخنا -رحمه الله تعالى-]: أثر ابن مسعود هذا أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 167/2) بسند صحيح على شرطهما، وأثر سعد هو عنده بلفظ:"قال: نعم؛ وآخذ بجهازها"، وسنده صحيح على شرط مسلم.
وأثر ابن عبّاس عنده أيضاً، ولكنّه مختصر بلفظ:"فرخّص له في القبلة والمباشرة ووضع اليد؛ ما لم يعْدُه إِلى غيره"، وسنده صحيح على شرط البخاري.
وروى ابن أبي شيبة (2/ 170/1) عن عمرو بن هَرِم قال: "سُئل جابر بن زيد عن رجل نظر إِلى امرأته في رمضان؛ فأمنى من شهوتها؛ هل يفطر؟ قال: لا؛ ويتمّ صومه".
وإِسناده جيّد، وعلّقه البخاري على عمرو بصيغة الجزم، وسكت عنه الحافظ (4/ 151).
وترجم ابن خزيمة للحديث بقوله: "باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم، والدليل على أنّ اسم الواحد قد يقع على فِعلين أحدهما مباح والآخر محظور"".
وعن عمر بن الخطاب قال: "هَشِشْتُ فقبَّلتُ وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبَّلتُ وأنا صائم.
قال: أرأيتَ لو مضمضتَ من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به، قال: فمه؟ " (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه "أنّ رجلا سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ عن المباشرة للصائم، فرخَّص له، وأتاه آخر فنهاه، فإِذا الذي رخَّص له شيخ، والذي نهاه شابٌ"(2). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يقبّلني وهو صائم
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2089).
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2090).
وأنا صائمة" (1).
وجاء في "الصحيحة"(1/ 430): "والحديث دليل على جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان، وقد اختلف العلماء في ذلك على أكثر من أربعة أقوال؛ أرجحها الجواز، على أن يراعَى حال المقبِّل؛ بحيث إِنّه إِذا كان شابّاً يخشى على نفسه أن يقع في الجماع الذي يفسد عليه صومه؛ امتنع من ذلك.
وإلى هذا أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها في الرواية الآتية عنها: "
…
وأيُّكم يملك إِربه؟ ".
بل قد روي ذلك عنها صريحاً؛ فقد أخرج الطحاوي (1/ 346) من طريق حريث بن عمرو عن الشّعبي عن مسروق عنها قالت: "ربما قبّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وباشرني وهو صائم، أمّا أنتم؛ فلا بأس به للشيخ الكبير الضعيف".
وحريث هذا أورده ابن أبي حاتم (2/ 2/263) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، بل جاء هذا مرفوعاً من طرق عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ يقوّي بعضها بعضاً، أحدها عن عائشة نفسها.
ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يبريبك إِلى ما لا يريبك"(2).
(1) أخرجه أبو داود وغيره وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وانظر "الصحيحة"(219).
(2)
أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "غاية المرام"(179) و"الإِرواء"(12 و 2074).
ولكن ينبغي أن يُعلم أنّ ذِكر الشيخ ليس على سبيل التحديد، بل المراد التمثيل بما هو الغالب على الشيوخ من ضعف الشهوة، وإلا فالضّابط في ذلك قوّة الشهوة وضعْفها، أو ضعْف الإِرادة وقوّتها.
وعلى هذا التفصيل تُحمل الروايات المختلفة عن عائشة رضي الله عنها فإِنّ بعضها صريح عنها في الجواز مطلقاً؛ كحديثها هذا؛ لا سيّما وقد خرج جواباً على سؤال عمرو بن ميمون لها في بعض هذه الروايات، وقالت: و {لكم في رسول الله أسوة حسنة} (1).
وبعضها يدلّ على الجواز حتّى للشّابّ؛ لقولها: "وأنا صائمة"؛ فقد توفِّي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرها (18) سنة.
ومِثله ما حدَّثت به عائشة بنت طلحة؛ أنّها كانت عند عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فدخَل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو صائم، فقالت له عائشة: ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبِّلها وتلاعبها؟ فقال: أقبّلها وأنا صائم؟! قالت: نعم.
أخرجه مالك (1/ 274)، وعنه الطحاوي (1/ 327)، بسند صحيح.
قال ابن حزم (6/ 211): "عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها، وكانت أيّام عائشة هي وزوجها فتيين في عنفوان الحداثة".
وهذا ومثله محمول على أنّها كانت تأمن عليهما، ولهذا قال الحافظ في "الفتح" (4/ 123) -بعد أن ذكَر هذا الحديث من طريق النّسائي-: "
…
فقال: وأنا صائم؟! فقبّلني":
(1) الأحزاب: 21.