المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - الاكتحال والقطرة ونحوها مما يدخل العين - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٣

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الزكاة

- ‌الزكاة رُكن من أركان الإِسلام

- ‌الحضّ على أدائها والترغيب فيها

- ‌الترهيب من منْعها

- ‌حُكم مانعها

- ‌قتال من يمنعها

- ‌على من تَجِب

- ‌ماذا يُشتَرط في النصاب

- ‌كيف يُزكّي إِذا تعدّدت الأنصبة

- ‌هل في مال الصغير والمجنون زكاة

- ‌المالك المَدِين:

- ‌من مات وعليه الزكاة

- ‌أداؤُها وقت الوجوب

- ‌التعجيل بأدائها قبل الحول

- ‌مَن أحَبَّ تعجيل الزكاة من يومها

- ‌عدم ذهاب السُّعَاة لجمع الأموال الباطنة ويتولّى الرجل تَفْرِقة أمواله الباطنة بنفسه

- ‌الأموال التي تجب فيها الزكاة

- ‌زكاة النقدين الذَّهب والفضّة

- ‌ما جاء في الترهيب من كنز الذّهب أو الفضّة وعدم إِخراج زكاتها:

- ‌نصاب الذهب ومقدار الواجب فيه

- ‌نصاب الفضة ومقدار الواجب

- ‌زكاة العملات الورقيّة والمعدنية

- ‌زكاة الدَّيْن

- ‌الدَّيْن دَيْنَان:

- ‌زكاة الحُليّ

- ‌هل على الحُليّ المحرَّمة زكاة

- ‌زكاة صداق المرأة

- ‌هل في عروض التجارة زكاة

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌وجوبها

- ‌الأصناف التي تُؤخَذ منها

- ‌هل في العنب زكاة

- ‌لا تُؤخذ الزكاة من الخَضْراوات

- ‌هل في السُّلت زكاة

- ‌هل في الزيتون زكاة

- ‌النّصاب

- ‌المقدار الواجب:

- ‌الأكل من الزرع قبل إِخراج الزكاة

- ‌متى تجب الزكاة في الزروع والثمار

- ‌إِخراج الطيّب في الزكاة:

- ‌زكاة العسل

- ‌زكاة الحيوان

- ‌زكاة الإِبل والمقدار الواجب

- ‌زكاة البقر والمقدار الواجب

- ‌هل في الجاموس زكاة

- ‌زكاة الغنم والمقدار الواجب

- ‌حُكْم الأوقاص:

- ‌ما لا يُؤخذ في الزكاة

- ‌إِباحة دعاء الإِمام على مُخْرِج مُسِنّ ماشيته في الصدقة؛ بأن لا يبارَك له في ماشيته، ودعائه لمُخرج أفضل ماشيته في الصدقة؛ بأن يبارَك له في ماله

- ‌زكاة غير الأنعام

- ‌في الجمع والتفريق:

- ‌من أين تُؤخَذ الصدقات

- ‌إِرضاء العاملين على الصدقات

- ‌سمة غنم الصدقة إِذا قُبِضت

- ‌استعمال إِبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل

- ‌زكاة الرّكاز

- ‌هل يشترط الحَوْل والنصاب في الركاز

- ‌مصرفه:

- ‌هل في المعادن زكاة

- ‌ما يُستخرج من البحر

- ‌المال المغصوب والضائع

- ‌جواز دفْع القيمة بدل العين

- ‌إِذا وجبت الزكاة في المال وهلك قبل الأداء

- ‌إِذا عزل الزكاة ليخرجها فضاعت

- ‌تأخير الزكاة لا يُسقِطها

- ‌الزكاة في المال المشترك

- ‌الفرار من الزكاة قبل وجوبها

- ‌مصارف الزكاة

- ‌أمّا ما جاء في الفقراء:

- ‌وأمّا ما جاء في المساكين:

- ‌المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته

- ‌4 - المؤلفة قلوبهم:

- ‌5 - وفي الرقاب

- ‌6 - الغارمون:

- ‌7 - وفي سبيل الله

- ‌هل بناء المستشفيات الخيرية العامّة وإِعداد الدعاة إِلى الإِسلام والنفقة على المدارس الشرعية…ونحو ذلك من "سبيل الله

- ‌8 - ابن السبيل:

- ‌هل يجب استيعاب الدفع إِلى جميع مصارف الزكاة

- ‌إِذا اجتمَع في واحد أكثر من سبب لأخذ الزكاة

- ‌من تحرُم عليهم الزكاة

- ‌1 - أهل الكفر والإِلحاد

- ‌2 - بنو هاشم وبنو المطّلب

- ‌3 - من تجب عليهم النفقة من قِبل المزكّي

- ‌زكاة من لا تجب نفقتهم

- ‌الزكاة على الزوجة

- ‌هل تَدْفَع الزوجة الزكاة لزوجها

- ‌هل يدْفع الزكاة إِلى الأقارب المحتاجين إِذا كان الأجنبي أشدّ حاجة

- ‌4 - صرفها في وجوه القُرَب:

- ‌هل تعطى الزكاة لغير أهل الصّلاح

- ‌الصدقة على ذي الرحم الكاشح

- ‌الصدقة على الجار

- ‌هل يشرع الاتجار بأموال اليتامى

- ‌إِسقاط الدَّين عن الزكاة

- ‌نقْل الزكاة

- ‌إِذا استدان مالاً هل يُخرج زكاته

- ‌هل يجزئ الرجل عن زكاته ما يُغرمه ولاة الأمور في الطرقات وما في معناه

- ‌من أعطى الزكاة لمن ظنّ أنّه مستحقّ فظهر أنه غير مستحقّ

- ‌ما هو الأفضل: إِظهار الصدقة أم إِخفاؤها

- ‌الدعاء للمزكي

- ‌التحذير من المنّ بالعطيّة

- ‌فضل صدقة الشحيح الصحيح

- ‌النهي عن تحقير ما قلّ من الصدقات

- ‌الزجر عن عيب المتصدّق المُقلّ بالقليل من الصدقة

- ‌الزجر عن رمي المتصدِّقين بالكثير من الصدقة بالرياء والسمعة

- ‌هل يشتري صدقته

- ‌إِذا تحوّلت الصدقة

- ‌التصدّق بغير المال

- ‌التصدّق بالماء

- ‌ما جاء في المنيحة

- ‌التصدُّق بالفرس

- ‌التصدّق بالزّرع

- ‌اشتراط المتصدّق حبْس أصول الصدقة، والمنْع مِن بيع رقابها وهبتها وتوريثها

- ‌لا يقبل الله صدقة من غُلول

- ‌استسلاف الإِمام المال لأهل الصدقات وردُّه ذلك من الصدقة بعد الاستسلاف

- ‌الرخصة في إِعطاء الإِمام من الصدقة من يذكر حاجة وفاقة؛ لا يعلم الإِمام منه خلافه من غير مسألة عن حاله؛ أهو فقير محتاج أم لا

- ‌إعطاء الإِمام دِيَة من لا يُعرف قاتِلُه من الصدقة

- ‌صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر عن المملوك واجب على مالكه

- ‌حكمتها:

- ‌على من تجب

- ‌قدْرها:

- ‌الزيادة عن المنصوص عليه

- ‌هل يجوز إِخراج القيمة

- ‌وقت إِخراجها

- ‌مصرفها:

- ‌عدم جواز إِعطائها للذمّي

- ‌في المال حقٌّ سوى الزكاة

- ‌صدقة التطوّع

- ‌أوْلى الناس بالصدقة

- ‌التحذير من التصدّق بالحرام

- ‌هل تتصدّق المرأة من مال زوجها

- ‌هل تتصدّق المرأة من مالها بدون إِذن زوجها

- ‌الصدقة عن الميّت عن غير وصيّة مِن مال الميّت، وتكفير ذنوب الميّت بها

- ‌هل يتصدّق بكلّ ماله

- ‌الصدقة على الحيوان

- ‌الصدقة الجارية

- ‌الصدقة في رمضان

- ‌الصدقة في أيام العشر من ذي الحجّة

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصيام

- ‌فضله:

- ‌منزلة الصّائم الصابر

- ‌أقسامه:

- ‌ صوم رمضان

- ‌حُكمه:

- ‌فضل شهر رمضان

- ‌الترهيب مِن الفِطْر في رمضان

- ‌بمَ يثبُت الشهر

- ‌فائدة:

- ‌إِذا رأى الهلالَ أهلُ بلد هل يلزم سائر البلاد الموافقة

- ‌إِذا أُغْمِيَ هلال شوال وأصبح النَّاس صياماً

- ‌هل يصوم أو يُفطر مَنْ رأى الهلال وحده

- ‌أركان الصوم

- ‌على من يجب

- ‌صيام الصبي

- ‌من يُرخّص لهم في الفطر وتجب عليهم الفدية

- ‌من يرخص لهم في الفطر، ويجب عليهم القضاء

- ‌وأمَّا الرُّخصة للمسافر؛ ففيها أحاديث عديدة؛ منها:

- ‌أيّهما أفضل للمريض والمسافر؛ الفطر أم الصوم

- ‌هل يجوز له الفطر إِذا نوى الصيام وهو مقيم ثمّ سافر نهاراً

- ‌لا يجوز للحائض أو النفساء أن تصوما، ويجب عليهما القضاء

- ‌كان صيام تسع وعشرين لرمضان على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر من صيام ثلاثين

- ‌الأيّام المنهي عن صيامها

- ‌1 - يوما العيدين

- ‌2 - أيّام التشريق

- ‌3 - يوم الجمعة منفرداً

- ‌4 - يوم السبت في غير الفرض

- ‌فكيف يكون التعامل مع هذه النصوص

- ‌5 - يوم الشكّ

- ‌6 - صوم الدهر

- ‌7 - صيام المرأة وزوجها حاضر إِلَاّ بإِذنه

- ‌8 - النصف الثاني من شعبان، إلَاّ لمن كان له صوم يصومه

- ‌ الوصال في الصوم:

- ‌صيام التطوّع

- ‌1 - الاثنين والخميس

- ‌3 - ثلاثة أيّام من كل شهر

- ‌4 - أكثر شعبان

- ‌5 - ستة أيّام من شوّال

- ‌6 - تسع ذي الحجة

- ‌أيهما أفضل العشر من ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان

- ‌7 - يوم عرفة لغير الحاج:

- ‌8 - أكثر شهر الله المحرّم، وتأكيد صوم عاشوراء، ويوماً قبلها أو يوماً بعدها

- ‌هل يصحّ إِظهار السرور يوم عاشوراء والاكتحال وطبْخ الحبوب ونحوه

- ‌هل في الأشهر الحُرُم صوم

- ‌فائدة:

- ‌جواز فِطر الصائم المتطوّع

- ‌عدم وجوب قضاء يوم النّفل

- ‌آداب الصيام

- ‌1 - السحور

- ‌فضله:

- ‌بمَ يتحقّق

- ‌فضل السحور بالتمر

- ‌وقته:

- ‌فائدة:

- ‌استحباب تأخيره:

- ‌هل يفطر إِذا أكل أو شرب أو جامع، ظانّاً غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر

- ‌2 - تعجيل الفطر

- ‌متى يُفطر الصائم

- ‌علام يُفطر

- ‌3 - الدعاء عند الفِطر

- ‌4 - الجود ومدارسة القرآن

- ‌فينبغي الاقتداء بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم في الجود والعطاء

- ‌5 - الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان

- ‌ترهيب الصائم من الغِيبة والفُحش والكذب ونحو ذلك

- ‌ما يُباح للصائم

- ‌1 - الغُسل تعبُّداً

- ‌2 - أن يصبح جُنباً

- ‌3 - المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة

- ‌4 - الاكتحال والقطرة ونحوها ممّا يدخل العين

- ‌6 - الحُقنة لغير التغذية

- ‌7 - الحجامة

- ‌8 - ما لا يمكن التحرّر منه كابتلاع الريق

- ‌9 - السواك والطيب والادّهان:

- ‌هل يباح ذوق الطّعام

- ‌المفطّرات

- ‌على من تقع الكفّارة

- ‌ترتيب الكفّارة كما ورَدَت في الحديث

- ‌إِذا تكرّر الجماع، هل تتكّرر الكفّارة

- ‌لا تجب الكفّارة على من لم يستطعها

- ‌هل يجوز صيام الشهرين متفرّقاً في كفّارة الجماع

- ‌أَمْر المجامع بقضاء صوم يوم مكان اليوم الذي جامع فيه، إِذا لم يجد الكفّارة

- ‌هل الاستمناء بمباشرة الرجل زوجه أو باليد يفسد الصوم

- ‌قضاء رمضان

- ‌متى يقضى قضاء رمضان

- ‌هل على من أَخَّر القضاء كفّارة

- ‌هل يقضي مَن أَفطر متعمّداً

- ‌قضاء صوم النَّذر عن الميت من قِبل وليِّه

- ‌ماذا يقول الصائم إِذا دُعي إِلى طعام

- ‌الترغيب في إِطعام الصائم

- ‌الصوم لمن لم يستطع الباءة

- ‌ليلة القدر

- ‌فضلها:

- ‌متى تُتحرّى وتُلتمس

- ‌تحديدها:

- ‌قيامها والدعاء فيها

- ‌صفة ليلة القدر

- ‌كثرة الملائكة في الأرض ليلة القدر

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌تعريفه

- ‌مشروعيّته

- ‌حكمه:

- ‌مقصود الاعتكاف

- ‌زمانه:

- ‌شروطه

- ‌متى يدخل المعتكَف

- ‌ما يستحبّ للمعتكِف

- ‌ما يجوز للمعتكف

- ‌منْع الرجل أهله من الاعتكاف

- ‌ما يُبطل الاعتكاف

- ‌فوائد متنوّعة

الفصل: ‌4 - الاكتحال والقطرة ونحوها مما يدخل العين

وفي "المغني"(3/ 44): "وإنْ تمضمض أو استنشق في الطهارة؛ فسبق الماء إِلى حلْقه من غير قصد ولا إِسراف، فلا شيء عليه، وبه قال الأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه ورُوي ذلك عن ابن عباس.

وقال مالك وأبو حنيفة: يفطر؛ لأنه أوصل الماء إِلى جوفه؛ ذاكراً لصومه فأفطر كما لو تعمّد شربه

". ا. هـ

والصواب أنه لا يُفطّر؛ لعموم قوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إِلا وسعها} (1)، وقوله سبحانه:{ما جَعل عليكم في الدين مِن حَرَج} (2).

‌4 - الاكتحال والقطرة ونحوها ممّا يدخل العين

؛ سواء أَوَجَد طعْمه في حلقه أم لم يَجده، لأنّ العين ليست بمنفذ إِلى الجوف (3).

عن عائشة رضي الله عنها قالت: اكتحل رسول الله وهو صائم" (4).

وعن أنس بن مالك: "أنّه كان يكتحل وهو صائم"(5).

عن الأعمش قال: "ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصّائم،

(1) البقرة: 286.

(2)

الحج: 78.

(3)

"فقه السنة"(1/ 460).

(4)

أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1360).

(5)

أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به، وانظر "الفتح"(4/ 153)، ووصَله أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2082)، وقال شيخنا رحمه الله: حسن موقوف.

ص: 292

وكان إِبراهيم (1) يرخّص أن يكتحل الصائم بالصَّبر" (2).

وقال الحسن: "لا بأس بالكحل للصائم"(3).

جاء في كتاب "الأمّ"(4/ 365): "قال الشافعي: ولا يُفْسِد الكُحل وإن تنخَّمه، فالنخامة تجيء من الرأس باستنزاله، والعين متصلة بالرأس، ولا يصل إِلى الرأس والجوف -عِِلْمي- ولا أعلم أحداً كره الكحل على أنّه يفطِّر".

وسألت شيخنا رحمه الله: ما رأيكم فيمن يقول: إِن الاكتحال والقطرة لا يفطران؛ سواء وجَد طعمه في الحلق أم لم يجد؟ فقال: هو كذلك، وإذا وجَد طعمه لفَظه، ولا يجوز بلْعه.

وقال أحد الإِخوة الحاضرين: وهل يُفطر إِذا بلَعَه؟ فقال رحمه الله: نعم.

وجاء في "مجموع الفتاوى"(25/ 241): "

وإذا كانت الأحكام التي تعمّ بها البلوى لا بد أن يبيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولا بدّ أَنْ تنقل الأمّة ذلك، فمعلوم أنّ الكحل ونحوه مما تعمّ به البلوى كما تعمّ بالدُّهن والاغتسال والبخور والطّيب، فلو كان هذا ممّا يفطِّر لبيّنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما بيّن الإِفطار بغيره، فلمّا لم يُبيّن ذلك؛ عُلِم أنّه من جنس الطيب

(1) هو النخعي، وانظر "بذل المجهود"(11/ 194).

(2)

أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2083)، وانظر "الفتح"(4/ 154).

(3)

أخرجه عبد الرزاق بإِسناد صحيح عنه؛ كما قال الحافظ في "الفتح"(4/ 154) وأورده البخاري معلقاً مجزوماً به.

ص: 293

والبخور والدّهن.

والبخور قد يتصاعد إِلى الأنف ويدخل في الدِّماغ وينعقد أجساماً، والدّهن يشربه البدن، ويدخل إِلى داخله ويتقوّى به الإِنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوّة جيدة، فلمّا لمْ يُنه الصّائم عن ذلك؛ دلّ على جواز تطييبه وتبخيره وادّهانه، وكذلك اكتحاله.

وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يُجْرح أحدهم؛ إِمّا في الجهاد وإمّا في غيره مأمومة (1) وجائفة (2)، فلو كان هذا يفطر لبيّن لهم ذلك، فلما لم ينه الصائم عن ذلك عُلِمَ أنّه لم يجعله مفطِّراً".

وجاء في "مجموع الفتاوى"(25/ 244) أيضاً: "فإِنّ الكحل لا يُغَذِّي البتة، ولا يُدْخِل أحد كحلاً إِلى جوفه؛ لا من أنفه ولا فمه".

5 -

القبلة والمباشرة لمن قدر على ضبط نفسه.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقبِّل ويُباشر وهو

صائم، وكان أملككم لأربه (3) " (4).

وجاء في "الصحيحة"(1/ 433): -بتِصرف- تحت هذا الحديث:

(1) المأمومة: أي: الشَّجَّة في الرّأس، تصل إِلى أم الدماغ، وأمّ الدّماغ: الجلِدة الرّقيقة التي تجمعه، يقال: بلغت الشّجّة أمّ الدّماغ. "الوسيط".

(2)

الجائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف. "اللسان".

(3)

لأرَبه: بفتح الهمزة والرّاء أي: حاجته، ويروى بكسر الهمزة وسكون الرّاء [إِرْبه] أي: عضوه، والأوّل أشهر، وِإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير. "الفتح".

(4)

أخرجه البخاري: 1927، ومسلم:1106.

ص: 294

"ومرادها رضي الله عنها أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان غالباً لهواه.

و (الإِرب): هو بفتح الهمزة أو كسرها، قال ابن الأثير:"وله تأويلان: أحدهما: أنّه الحاجة. والثاني: أنّه أراد به العضو، وعنت به من الأعضاء الذَّكَر خاصّة. وهو كناية عن المجامعة".

قال في "المرقاة": "وأمّا ذِكر الذَّكَر؛ فغير ملائم للأنثى، لا سيّما في حضور الرِّجال"، وراجع تمام البحث فيه.

وفي الحديث فائدة أخرى على الحديث الذي قبله، وهي جواز المباشرة من الصائم، وهي شيء زائد على القبلة، وقد اختلفوا في المراد منها هنا، فقال القاري:"قيل: هي مسُّ الزوج المرأة فيما دون الفرج، وقيل: هي القبلة واللَّمس باليد".

قلت: [أي: شيخنا -رحمه الله تعالى-] ولا شكَّ أنّ القبلة ليست مرادة بالمباشرة هنا؛ لأنّ الواو تفيد المغايرة، فلم يبق إلَاّ أن يكون المراد به إِمّا القول الأوّل أو اللّمس باليد، والأوّل هو الأرجح، لأمرين:

الأوّل: حديث عائشة الآخر قالت: "كانت إِحدانا إِذا كانت حائضاً، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها؛ أمَرها أن تتزر في فور حيضتها، ثمّ يباشرها. قالت: وأيّكم يملك إِرْبَه؟! ".

رواه البخاري (1/ 320)، ومسلم (1/ 166 و 167) وغيرهما.

فإِنّ المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام؛ فإِنّ اللّفظ واحد، والدّلالة واحدة، والرِّواية واحدة أيضاً.

ص: 295

بل إِنّ هناك ما يؤيِّد المعنى المذكور، وهو الأمر الآخر، وهو أن السَّيدة عائشة رضي الله عنها قد فسّرت المباشرة بما يدلّ على هذا المعنى، وهو قولها في رواية عنها:"كان يباشر وهو صائم، ثمّ يجعل بينه وبينها ثوباً. -يعني: الفرج-"(1).

قلت: [أي: شيخنا رحمه الله]: "وفي هذا الحديث فائدة هامّة، وهو تفسير المباشرة بأنّه مسّ المرأة فيما دون الفرج،؛ فهو يؤيّد التفسير الذي سبق نقْله عن القاري، وإن كان حطططططكاه بصيغة التمريض:(قيل)؛ فهذا الحديث يدلّ على أنّه قول معتمد، وليس في أدلّة الشّريعة ما ينافيه، بل قد وجدنا في أقوال السّلف ما يزيده قوّة؛ فمنهم راوية الحديث عائشة نفسها رضي الله عنها فَرَوَى الطحاوي (1/ 347) بسند صحيح عن حكيم بن عقال أنّه قال:

"سألْتُ عائشة: ما يحرم عليَّ من امرأتي وأنا صائم؟ قالت: فرجها".

وحكيم هذا وثّقه ابن حبان، وقال العجلي:"بصري، تابعي، ثقة".

وقد علّقه البخاري (4/ 120) بصيغة الجزم: "باب المباشرة للصائم، وقالت عائشة رضي الله عنها: يحرم عليه فرجها".

وقال الحافظ: "وصله الطحاوي من طريق أبي مرّة مولى عقيل عن حكيم ابن عقال

وإسناده إِلى حكيم صحيح.

ويؤدّي معناه أيضاً ما رواه عبد الرزاق بإِسناد صحيح عن مسروق: سألت

(1) أخرجه أحمد وابن خزيمة في "صحيحه"، وانظر "الصحيحة"(221).

ص: 296

عائشة: ما يحلُّ للرّجل من امرأته صائماً؟ قالت: كلّ شيء؛ إِلا الجماع". قلت [أي: شيخنا -رحمه الله تعالى-]: وذكَره ابن حزم (6/ 211) محتجّاً به على من كره المباشرة للصائم.

ثمّ ذكَر ابن حزم عن سعيد بن جبير: "أنّ رجلاً قال لابن عبّاس: إِنّي تزوجت ابنة عمّ لي جميلة، فبُني بي في رمضان، فهل لي -بأبي أنت وأمّي- إِلى قُبْلتها من سبيل؟

فقال له ابن عبّاس: هل تملك نفسك؟ قال: نعم. قال: قبِّل.

قال: فبأبي أنت وأمّي؛ هل إِلى مباشرتها من سبيل؟ قال: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: فباشِرها.

قال: فهل لي أن أضرب بيدي على فرجها مِن سبيل؟ قال: وهل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: اضرب".

قال ابن حزم: "وهذه أصحّ طريق عن ابن عبّاس".

قال: "ومن طرق صحاح عن سعد بن أبي وقّاص أنّه سُئل: أتقبِّل وأنت صائم؟ قال: نعم، وأقبض على متاعها.

وعن عمرو بن شرحبيل أنّ ابن مسعود كان يباشر امرأته نصف النّهار وهو صائم، وهذه أصحّ طريق عن ابن مسعود".

قلت [أي: شيخنا -رحمه الله تعالى-]: أثر ابن مسعود هذا أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 167/2) بسند صحيح على شرطهما، وأثر سعد هو عنده بلفظ:"قال: نعم؛ وآخذ بجهازها"، وسنده صحيح على شرط مسلم.

ص: 297

وأثر ابن عبّاس عنده أيضاً، ولكنّه مختصر بلفظ:"فرخّص له في القبلة والمباشرة ووضع اليد؛ ما لم يعْدُه إِلى غيره"، وسنده صحيح على شرط البخاري.

وروى ابن أبي شيبة (2/ 170/1) عن عمرو بن هَرِم قال: "سُئل جابر بن زيد عن رجل نظر إِلى امرأته في رمضان؛ فأمنى من شهوتها؛ هل يفطر؟ قال: لا؛ ويتمّ صومه".

وإِسناده جيّد، وعلّقه البخاري على عمرو بصيغة الجزم، وسكت عنه الحافظ (4/ 151).

وترجم ابن خزيمة للحديث بقوله: "باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم، والدليل على أنّ اسم الواحد قد يقع على فِعلين أحدهما مباح والآخر محظور"".

وعن عمر بن الخطاب قال: "هَشِشْتُ فقبَّلتُ وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبَّلتُ وأنا صائم.

قال: أرأيتَ لو مضمضتَ من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به، قال: فمه؟ " (1).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه "أنّ رجلا سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ عن المباشرة للصائم، فرخَّص له، وأتاه آخر فنهاه، فإِذا الذي رخَّص له شيخ، والذي نهاه شابٌ"(2). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يقبّلني وهو صائم

(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2089).

(2)

أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2090).

ص: 298

وأنا صائمة" (1).

وجاء في "الصحيحة"(1/ 430): "والحديث دليل على جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان، وقد اختلف العلماء في ذلك على أكثر من أربعة أقوال؛ أرجحها الجواز، على أن يراعَى حال المقبِّل؛ بحيث إِنّه إِذا كان شابّاً يخشى على نفسه أن يقع في الجماع الذي يفسد عليه صومه؛ امتنع من ذلك.

وإلى هذا أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها في الرواية الآتية عنها: "

وأيُّكم يملك إِربه؟ ".

بل قد روي ذلك عنها صريحاً؛ فقد أخرج الطحاوي (1/ 346) من طريق حريث بن عمرو عن الشّعبي عن مسروق عنها قالت: "ربما قبّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وباشرني وهو صائم، أمّا أنتم؛ فلا بأس به للشيخ الكبير الضعيف".

وحريث هذا أورده ابن أبي حاتم (2/ 2/263) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، بل جاء هذا مرفوعاً من طرق عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ يقوّي بعضها بعضاً، أحدها عن عائشة نفسها.

ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يبريبك إِلى ما لا يريبك"(2).

(1) أخرجه أبو داود وغيره وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وانظر "الصحيحة"(219).

(2)

أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "غاية المرام"(179) و"الإِرواء"(12 و 2074).

ص: 299

ولكن ينبغي أن يُعلم أنّ ذِكر الشيخ ليس على سبيل التحديد، بل المراد التمثيل بما هو الغالب على الشيوخ من ضعف الشهوة، وإلا فالضّابط في ذلك قوّة الشهوة وضعْفها، أو ضعْف الإِرادة وقوّتها.

وعلى هذا التفصيل تُحمل الروايات المختلفة عن عائشة رضي الله عنها فإِنّ بعضها صريح عنها في الجواز مطلقاً؛ كحديثها هذا؛ لا سيّما وقد خرج جواباً على سؤال عمرو بن ميمون لها في بعض هذه الروايات، وقالت: و {لكم في رسول الله أسوة حسنة} (1).

وبعضها يدلّ على الجواز حتّى للشّابّ؛ لقولها: "وأنا صائمة"؛ فقد توفِّي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرها (18) سنة.

ومِثله ما حدَّثت به عائشة بنت طلحة؛ أنّها كانت عند عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فدخَل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو صائم، فقالت له عائشة: ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبِّلها وتلاعبها؟ فقال: أقبّلها وأنا صائم؟! قالت: نعم.

أخرجه مالك (1/ 274)، وعنه الطحاوي (1/ 327)، بسند صحيح.

قال ابن حزم (6/ 211): "عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها، وكانت أيّام عائشة هي وزوجها فتيين في عنفوان الحداثة".

وهذا ومثله محمول على أنّها كانت تأمن عليهما، ولهذا قال الحافظ في "الفتح" (4/ 123) -بعد أن ذكَر هذا الحديث من طريق النّسائي-: "

فقال: وأنا صائم؟! فقبّلني":

(1) الأحزاب: 21.

ص: 300