الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن قيس بن سكن قال: "مرّ ناسٌ من أصحاب عبد الله على أبي ذرّ يوم جمعة وهم صيام، فقال: أقسمتُ عليكم لتُفطرنّ، فإِنه يوم عيد"(1).
4 - يوم السبت في غير الفرض
عن الصمّاء رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت؛ إِلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إِلا لحاء (2) عنبة أو عود شجرة فليمضغه (3) "(4).
قال الإِمام الطحاوي رحمه الله بعد أن روى حديث عبد الله بن بسر السابق: "
…
فذهَب قومٌ إِلى هذا الحديث؛ فكرِهوا صوم يوم السبت تطوُّعاً، وخالَفهم في ذلك آخرون؛ فلم يروا بصومه بأساً
…
" (5).
وملخّص أقوال العلماء الذين أجازوا صيام السبت لغير فريضة (6)، يدور
(1) أخرجه ابن أبي شيبة، وقال شيخنا رحمه الله في "الإِرواء" (959): وإسناده صحيح.
(2)
أراد قِشر العنبة؛ استعارهَ من قشر العود. "النهاية".
(3)
مضَغه: لاكه بأسنانه، وهذا تأكيد لنفي الصوم. "عون المعبود"(7/ 49).
(4)
أخرجه الترمذي وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1403) والحاكم وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(960)، و"تمام المِنة"(405).
(5)
"شرح معاني الآثار"(2/ 80) وأشار إِليه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(4/ 125)(التحقيق الثاني) إِلى نسخته (1/ 339).
(6)
وكانت أقوالهم -رحمهم الله تعالى- مختلفة لا مؤتلفة -والاختلاف في ماهية الشيء يدلّ على وهْنه وضعْفه كما لا يخفى-.
حول تضعيف الحديث السابق أو القول بشذوذه، أو نسخه، أو جواز صيامه مقروناً بغيره (1).
أمّا من جهة درجة الحديث؛ فقد قال بثبوته جمْع من العلماء، فقد حسّنه الترمذي وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري وأقرّه الذهبي، وصححه ابن خزيمة وابن حبّان، وانظر طرقه في "تلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر (2/ 822). و"الإِرواء"(2)(960).
"أمّا دعوى الشذوذ، فهي إِمّا إِسنادية أو متنية، فمن حيث الإِسناد، فالحديث صحيح دونما ريب.
أمّا من حيث المتن، فلم ترِد هذه الدعوى على أصحابها إِلا بعد تعذُّر الجمع والتوفيق عندهم، ولا يُلْجَأُ إِلى ادّعاء الشذوذ بمجرد هذا التعذُّر.
وليس التعريف العلمي الاصطلاحي للشذوذ منطبقاً على هذا النوع من مظنّة التعارض، كما لا يخفى" (3). انتهى.
أمّا دعوى النسخ؛ فإِنَّ النسخ لا يبطل بالاحتمال.
وأمّا جواز صيامه مقروناً مع غيره:
(1) وقد أُلِّفت في ذلك بعض الرسائل منها: "القول الثبت في صوم يوم السبت" لفضيلة الشيخ محمّد الحمود النجدي -حفظه الله تعالى-.
(2)
وانظر كذلك تخريج الشيخ علي الحلبي -حفظه الله- للحديث في كتابه "زهر الروض في حُكم صيام يوم السبت في غير الفرض".
(3)
"زهر الروض"(ص 72).
فليس هنالك ما يشير من الأدلة على ذلك إِذ الاستثناء بيّن
…
"إِلا فيما افتُرض عليكم".
أوما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قادراً أن يقول: "لا تصوموا يوم السبت مفرداً
…
". أو: "لا تصوموا السبت إِلا مقروناً مع غيره"؟!
جاء في "تمام المِنّة"(ص 406): "وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفرداً يأباه قوله: "إِلا فيما افُترض عليكم"، فإِنه كما قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن": "دليل على المنع من صومه؛ في غير الفرض مفرداً أو مضافاً؛ لأنّ الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي أنّ النّهي عنه يتناول كل صور صومه إِلا صورة الفرض.
ولو كان إِنما يتناول صورة الإِفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إِلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، كما قال في الجمعهَ، فلمّا خصّ الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة؛ علم تناول النهي لما قابلها".
قلت [أي: شيخنا رحمه الله]: وأيضاً لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها؛ لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض؛ لأنّ شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران، فإِذا استثنا الفرض وحده؛ دلّ على عدم استثناء غيره؛ كما لا يخفى
…
" انتهى.
ولنا أن نقول: إِنّ من قال بجواز صيام السبت مقروناً مع غيره في النافلة؛ قد سوَّى بين الجمعة والسبت، وأنّى له هذا؟!
وكأنّ لسان حاله يقول: لو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا يوم الجمعة إِلا فيما افترض عليكم" لأغنى عن كلّ نصوص الجمعة، ومعاذ الله من ذلك.
ثمَّ إِنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجمعة ما لم يَقُل في السبت، فممّا قاله في الجمعة -كما تقدّم-:"إِلا أن يكون في صومٍ؛ يصومه أحدكم (1) ".
وقال صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الشكّ: "
…
إِلا أن يكون رجل كان يصوم صومه؛ فليصم ذلك اليوم" (2)،
فلو جاز صيام السبت لغير فريضة؛ لجاءت الاستثناءات كما جاءت في الجمعة ويوم الشكّ والنصف من شعبان؛ لمن اعتاد الصيام، والله -تعالى- أعلم.
لذلك أرى أنّ النصوص كانت على أصناف ثلاثة:
1 -
صنف يفيد جواز صيام السبت مطلقاً، كما في حديث جويرية رضي الله عنها المتقدّم:"أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخَل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري".
وكحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الصيام إِلى الله صيام داود؛ كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً
…
" (3).
وهذا يفيد صيام يوم السبت مفرداً لغير فريضة؛ لمن صام صيام داود عليه السلام. إِلى غير ذلك من النصوص.
(1) وانظر -إِن شئت- "الصحيحة" المجلد الثاني استدراك (16).
(2)
أخرجه البخاري: 1914، ومسلم: 1082، وسيأتي إِن شاء الله تعالى.
(3)
أخرجه البخاري: 3420، ومسلم:1159.