الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا ولو بجَرعة (1) من ماء"(2).
فضل السحور بالتمر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نعم سَحور المؤمن التمر"(3).
وقته:
يبدأ قبيل الفجر -فيما يبدو- ففي "القاموس المحيط " -كما تقدم-: السحر: قبيل الصُّبح (4) وينتهي بتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} (5).
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: "لمّا نزلت {حتى يتبيّن لكم
= الترغيب والترهيب" (1052).
(1)
الجُرعة: -بالضمّ- الاسم من الشرب اليسير، وبالفتح: المرّة الواحدة منه، وانظر "النهاية".
(2)
أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1058).
(3)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2055)، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه شيخنا في "صحيح الترغيب والترهيب"(1059).
(4)
وربّما أكل المرء قبله بساعات، فلا يسمّى سحوراً.
(5)
البقرة: 187.
الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود} عَمَدْتُ إلى عِقَال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلْتُ أنظر في الليل فلا يَسْتَبِين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكَرت له ذلك، فقال: إِنما ذلك سوادُ الليل وبياض النهار" (1).
وعن سهل بن سعد قال: "أُنْزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر}، فكان رجال إِذا أرادوا الصوم؛ ربَط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبيّن له رؤيتهما، فأنزل الله بعد {من الفجر} فعلموا أنّه إِنّما يعني الليل والنهار"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ بلالاً يؤذِّنُ بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن أمِّ مكتوم"(3).
وفي لفظٍ لها رضي الله عنها "أنَّ بلالاً كان يؤذِّن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن أمّ مكتوم، فإِنّه لا يؤذن حتى يطلع الفجر. قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إِلا أن يرقى ذا وينزل ذا"(4).
وعن عبد الله بن النعمان السُّحَيمي قال: "أتاني قيس بن طَلق في رمضان في آخر الليل -بعدما رفعت يدي من السّحور لخوف الصبح- فطلب مني
(1) أخرجه البخاري: 1916، ومسلم:1090.
(2)
أخرجه البخاري: 1917، ومسلم: 1091، وتقدّم.
(3)
أخرجه البخاري: 622، ومسلم:1092.
(4)
أخرجه البخاري: 1918، 1919، ومسلم:1092.
بعض الإِدام، فقلت له: يا عمّاه! لو كان بقي عليك من اللَّيل شيء لأدخلتك إِلى طعام عندي وشراب.
قال: عندك؟ فدخل، فقربت إِليه ثريداً ولحماً ونبيذاً (1)، فأكَل وشرب، وأكرهني فأكلْتُ وشربْتُ، وإني لَوَجِلٌ من الصُّبح.
ثمّ قال: حدَّثني طَلْق بن علي أن نبيّ الله قال: كلوا واشربوا، ولا يَهيدنّكم السَّاطع المُصعِد (2)، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر" (3).
جاء في "بذل المجهود"(11/ 147) -في شرح "حتى يعترض لكم
(1) جاء في "النهاية": النّبيذ: هو ما يُعمل من الأشربة من التّمر والزبيب، والعسل، والحنطة، والشَّعير، وغير ذلك.
يُقال: نبذْتُ التمر والعنب؛ إِذا تركْت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصُرِفَ مِن مفعول إِلى فعيل. وانتبذْته: أي: اتخذته نبيذاً.
وسواء كان مسكراً أو غير مسكر فإِنه يُقال له: نبيذ، ويُقال للخمر المعتَصَر من العنب: نبيذ، كما يقال للنّبيذ: خمر.
(2)
لا يهِيدنكم: أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل؛ فتمتنعوا به عن السَّحور؛ فإِنه الصُّبح الكاذب، وأصل الهَيْد: الحركة. "النهاية".
الساطع المُصعِد: جاء في "النهاية": السَّاطع أي: الصبُّح الأوّل المستطيل، يُقال: سطع الصُّبح يسطع فهو ساطع: أوّل ما ينشقّ مستطيلاً.
وفي "بذل المجهود"(11/ 147): السَّاطع المُصعِد: أي المرتفع طولاً. وفي "تحفة الأحوذي"(3/ 389): من الإِصعاد: أي المرتفع.
(3)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2058) والترمذي وابن خزيمة وغيرهم، وانظر "الصحيحة"(2031).
الأحمر"-: "قال في "الدّرجات": أي: يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة؛ لأنّ البياض إِذا تتامّ طلوعه؛ ظهر أوائل الحُمْرة، والعرب تشبِّه الصّبح بالبلق في الخيل؛ لما به من بياض وحمرة، قلت [أي: صاحب بذل المجهود]: لا يصحّ كونه أحمر إلَاّ قبل نزول قوله تعالى: {حتى يتبيّن لكم الخيطُ الأبيض} الآية لأنّه معنى الآخر هو النَّهار إِلا أنَّ الشمس لم تطلع، وكلاهما يعارض الآية، وهذا كله على ظاهره، وإلا فإِنَّ الأحمر يطلق على الأبيض أيضاً، فإِن أطلق عليه وافق الآية فتنبّه له إِن كنت فائق السجيَّة".
قال ابن خزيمة رحمه الله في "صحيحه"(3/ 210): "باب الدليل على أنَّ الفجر الثاني
…
هو البياض المعترض الذي لونه الحُمْرة إِن صحَّ الخبر
…
".
ثمّ ذكَر حديث أبي طلق بن علي رضي الله عنه.
وقال شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(5/ 52) عَقِبَ الحديث:
"واعلم أنَّه لا منافاة بين وصفه صلى الله عليه وسلم لضوء الفجر الصَّادق (بالأحمر) ووصفه تعالى إِياه بقوله: {الخيط الأبيض} ؛ لأنّ المراد -والله أعلم- بياض مشوب بحمرة، أو تارة يكون أبيض، وتارة يكون أحمر، يختلف ذلك باختلاف الفصول والمطالع.
وقد رأيت ذلك بنفسي مراراً من داري في (جبل هملان) جنوب شرق (عمّان)، ومكَّنني ذلك من التأكد من صحَّة ما ذكَره بعض الغيُورين على تصحيح عبادة المسلمين؛ أنّ أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصَّادق؛ بزمن يتراوح بين العشرين والثَّلاثين دقيقة -أي: قبل الفجر
الكاذب أيضاً! -.
وكثيراً ما سمعت إِقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصَّادق، وهم يؤذِّنون قبلها بنحو نصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلَّوا سنّة الفجر قبل وقتها.
وقد يستعجلون بأداء الفريضة أيضاً قبل وقتها في شهر رمضان، كما سمعته من إِذاعة دمشق وأنا أتسحَّر رمضان الماضي (1406)، وفي ذلك تضييقٌ على الناس بالتعجيل بالإِمساك عن الطَّعام، وتعريضٌ لصلاة الفجر للبطلان.
وما ذلك إلَاّ بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي، وإعراضهم عن التوقيت الشرعي:{وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ، "فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر"، وهذه ذكرى، (والذكرى تنفع المؤمنين) ". انتهى.
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(6/ 342)(مسألة 756): "ولا يلزم صومٌ في رمضان ولا في غيره إِلا بتبيُّن طلوع الفجر الثاني، وأمَّا ما لم يتبيّن؛ فالأكل والشُّرب والجماع مباح، كلُّ ذلك كان على شكّ من طلوع الفجر، أو على يقين من أنه لم يطلع.
ومن أكل شاكّاً (1) في غروب الشَّمس أو شَرِب فهو عاصٍ له تعالى، مفسد لصومه، ولا يقدر على القضاء؛ فإِنْ جامع شَاكّاً في غروب الشّمس فعليه
(1) الشّك لغةً: خلاف اليقين، والمقصود هنا أنّه أكل ولم يتيقّن أو يرجّح الظنّ أن الشمس قد غربت.
الكفّارة
…
". ثمّ ذكَر الأدلّة على ذلك.
وقال (ص 346): "وروينا من طريق معمر عن أبان عن أنس عن أبي بكر الصدِّيق أنّه قال: إِذا نظر الرَّجلان إِلى الفجر فشكَّ أحدهما؛ فليأكلا حتى يتبين لهما".
وقال (ص 347): "ومن طريق الحسن: أنّ عمر بن الخطاب كان يقول: إِذا شكّ الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا.
ومن طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عبّاس قال: أحل الله الشراب ما شَككْت؛ يعني في الفجر.
وعن وكيع عن عمارة بن زاذان عن مكحول الأزدي قال: رأيت ابن عمر أخذ دلواً من زمزم وقال لرجلين: أَطَلَع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا؛ فشرب ابن عمر".
وقال رحمه الله (ص 349): "وعن الحسن: كُلْ ما امتريت وعن أبي مجلز: السّاطع: ذلك الصُّبح الكاذب؛ ولكن إذا انفضح الصبح في الأفق.
وعن إِبراهيم النخعي: المعترض الأحمر يُحلّ الصلاة (1) ويُحرّم الطعام.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال: لم يكونوا يعدون الفجر فجركم، إِنّما كانوا يعدُّون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق.
وعن معمر: أنّه كان يؤخِّرُ السّحور جداً، حتى يقول الجاهل: لا صوم له! ".
(1) أي: صلاة الفجر.