الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوى؟ " (1).
ما يستحبّ للمعتكِف
(2)
يستحبّ للمعتكف التشاغل بالصّلاة، وتلاوة القرآن، وذِكْر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة، ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، ولا يكثر الكلام؛ لأنّ من كثُر كلامه كثر سَقطه.
وفي الحديث: "مِنْ حُسن إِسلام المرء ترْكه ما لا يعنيه"(3).
ويجتنب الجدال والمراء والسّباب، والفحش، فإِنّه لا ينبغي في غير الاعتكاف، ففيه أولى.
قال ابن قدامة (4) رحمه الله: "فأمّا إِقراء القرآن، وتدريس العلم، ودرسه ومناظرة الفقهاء، ومجالستهم، وكتابة الحديث، ونحو ذلك مما يتعدّى نفْعه؛ فأكثر أصحابنا على أنّه لا يستحبّ، وهو ظاهر كلام أحمد.
وقال أبو الحسن الآمدي: في استحباب ذلك روايتان، واختار أبو الخطاب أنّه مستحبّ إِذا قصد به طاعة الله -تعالى- لا المباهاة وهذا
(1)"المحلّى"(5/ 292) مسألة (636) وذكره السيد سابق رحمه الله في "فقه السنة"(1/ 480).
(2)
عن كتاب "المغني"(3/ 148) -بتصرف-.
(3)
أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1886)، وانظر "شرح العقيدة الطحاوية"(268 و345).
(4)
"المغني"(3/ 149).
مذهب الشافعي، لأنّ ذلك أفضل العبادات، ونفْعه يتعدّى، فكان أولى مِن ترْكه كالصلاة.
واحتجّ أصحابنا بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف، فلم يُنقَل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصَّة به، ولأنّ الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد، فلم يُستحبّ فيها ذلك؛ كالطواف (1) انتهى".
وسألتُ شيخنا رحمه الله عن هذا.
فقال: "الاعتكاف عبادة محضة، فنحن لا نرى هذا؛ كما ننكر على الأئمّة في شهر رمضان مِن فصْلهم الصلاة وإنشاء استراحة؛ تتخلّلها موعظة أو درس، وهذا كقول القائل: "تقبّل الله" لمن صلّى، فهذه زيادة لم تكن في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا السلف.
والاعتكاف عبادة محضة؛ صلاة -ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر- (2) وتلاوة قرآن
…
إِلخ".
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني"(3/ 149) -بتصرف يسير-:
(1) ثمّ أتمّ رحمه الله قوله: "وما ذكروه يبطُل بعيادة المرضى وشهود الجنازة، فعلى هذا القول؛ فِعْله لهذه الأفعال أفضل من الاعتكاف".
قلت: وفي هذا الكلام نظر؛ لأنّ ما ذكروه يبطُل بالجماع كذلك، فهل هو خيرٌ من الاعتكاف في كلّ الأحوال؟
وكذلك ما ذكروه يُبطل بالخروج لغير سبب، فهل هذا أيضاً أفضل من الاعتكاف!
ولا يُقال باستحباب المناظرات والتدريس في المعتكف، ونحو ذلك؛ لأنّ لللمعتكِف أن يختار أجر المناظرات والتدريس أو الاعتكاف.
(2)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" وقال شيخنا رحمه الله في "صحيح =
"وليس من شريعة الإِسلام الصمت عن الكلام، وظاهر الأخبار تحريمه.
قال: قيس بن أبي حازم: "دخل أبو بكر رضي الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم فقال: ما لها لا تَكلَّمُ؟ قالوا: حجّت مُصمتةً، قال لها: تكلّمي فإِنّ هذا لا يحلّ، هذا من عمل الجاهلية، فتكلّمت"(1).
وعن عليّ رضي الله عنه قال: "حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: لا صُمات يوم إِلى الليل"(2).
فإِنْ نذر ذلك في اعتكافه أو غيره، لم يلزمه الوفاء به، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، ولا نعلم فيه مخالفاً؛ لما روى ابن عباس قال: بينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب إِذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أنْ يقوم ولا يقعد ولا يستظلّ ولا يتكلّم ويصوم.
فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ فليتكلم وليستظلّ، وليقعد وليُتمّ صومه" (3).
ولنا النّهي عنه، وظاهره التحريم، والأمر بالكلام ومقتضاه الوجوب، وقول أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه:"إِنّ هذا لا يحلّ، هذا من عمل الجاهلية".
= الترغيب والترهيب" (383): "له شواهد يتقوّى بها؛ فأخرجه الطيالسي وأحمد والحاكم من طريقين عن أبي ذر، وأحمد وغيره، من حديث أبي أُمامة؛ فالحديث حسن إِن شاء الله -تعالى-.
(1)
أخرجه البخاري: 3834.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2497).
(3)
أخرجه البخاري: 6704.