المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل يصوم أو يفطر من رأى الهلال وحده - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٣

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الزكاة

- ‌الزكاة رُكن من أركان الإِسلام

- ‌الحضّ على أدائها والترغيب فيها

- ‌الترهيب من منْعها

- ‌حُكم مانعها

- ‌قتال من يمنعها

- ‌على من تَجِب

- ‌ماذا يُشتَرط في النصاب

- ‌كيف يُزكّي إِذا تعدّدت الأنصبة

- ‌هل في مال الصغير والمجنون زكاة

- ‌المالك المَدِين:

- ‌من مات وعليه الزكاة

- ‌أداؤُها وقت الوجوب

- ‌التعجيل بأدائها قبل الحول

- ‌مَن أحَبَّ تعجيل الزكاة من يومها

- ‌عدم ذهاب السُّعَاة لجمع الأموال الباطنة ويتولّى الرجل تَفْرِقة أمواله الباطنة بنفسه

- ‌الأموال التي تجب فيها الزكاة

- ‌زكاة النقدين الذَّهب والفضّة

- ‌ما جاء في الترهيب من كنز الذّهب أو الفضّة وعدم إِخراج زكاتها:

- ‌نصاب الذهب ومقدار الواجب فيه

- ‌نصاب الفضة ومقدار الواجب

- ‌زكاة العملات الورقيّة والمعدنية

- ‌زكاة الدَّيْن

- ‌الدَّيْن دَيْنَان:

- ‌زكاة الحُليّ

- ‌هل على الحُليّ المحرَّمة زكاة

- ‌زكاة صداق المرأة

- ‌هل في عروض التجارة زكاة

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌وجوبها

- ‌الأصناف التي تُؤخَذ منها

- ‌هل في العنب زكاة

- ‌لا تُؤخذ الزكاة من الخَضْراوات

- ‌هل في السُّلت زكاة

- ‌هل في الزيتون زكاة

- ‌النّصاب

- ‌المقدار الواجب:

- ‌الأكل من الزرع قبل إِخراج الزكاة

- ‌متى تجب الزكاة في الزروع والثمار

- ‌إِخراج الطيّب في الزكاة:

- ‌زكاة العسل

- ‌زكاة الحيوان

- ‌زكاة الإِبل والمقدار الواجب

- ‌زكاة البقر والمقدار الواجب

- ‌هل في الجاموس زكاة

- ‌زكاة الغنم والمقدار الواجب

- ‌حُكْم الأوقاص:

- ‌ما لا يُؤخذ في الزكاة

- ‌إِباحة دعاء الإِمام على مُخْرِج مُسِنّ ماشيته في الصدقة؛ بأن لا يبارَك له في ماشيته، ودعائه لمُخرج أفضل ماشيته في الصدقة؛ بأن يبارَك له في ماله

- ‌زكاة غير الأنعام

- ‌في الجمع والتفريق:

- ‌من أين تُؤخَذ الصدقات

- ‌إِرضاء العاملين على الصدقات

- ‌سمة غنم الصدقة إِذا قُبِضت

- ‌استعمال إِبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل

- ‌زكاة الرّكاز

- ‌هل يشترط الحَوْل والنصاب في الركاز

- ‌مصرفه:

- ‌هل في المعادن زكاة

- ‌ما يُستخرج من البحر

- ‌المال المغصوب والضائع

- ‌جواز دفْع القيمة بدل العين

- ‌إِذا وجبت الزكاة في المال وهلك قبل الأداء

- ‌إِذا عزل الزكاة ليخرجها فضاعت

- ‌تأخير الزكاة لا يُسقِطها

- ‌الزكاة في المال المشترك

- ‌الفرار من الزكاة قبل وجوبها

- ‌مصارف الزكاة

- ‌أمّا ما جاء في الفقراء:

- ‌وأمّا ما جاء في المساكين:

- ‌المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته

- ‌4 - المؤلفة قلوبهم:

- ‌5 - وفي الرقاب

- ‌6 - الغارمون:

- ‌7 - وفي سبيل الله

- ‌هل بناء المستشفيات الخيرية العامّة وإِعداد الدعاة إِلى الإِسلام والنفقة على المدارس الشرعية…ونحو ذلك من "سبيل الله

- ‌8 - ابن السبيل:

- ‌هل يجب استيعاب الدفع إِلى جميع مصارف الزكاة

- ‌إِذا اجتمَع في واحد أكثر من سبب لأخذ الزكاة

- ‌من تحرُم عليهم الزكاة

- ‌1 - أهل الكفر والإِلحاد

- ‌2 - بنو هاشم وبنو المطّلب

- ‌3 - من تجب عليهم النفقة من قِبل المزكّي

- ‌زكاة من لا تجب نفقتهم

- ‌الزكاة على الزوجة

- ‌هل تَدْفَع الزوجة الزكاة لزوجها

- ‌هل يدْفع الزكاة إِلى الأقارب المحتاجين إِذا كان الأجنبي أشدّ حاجة

- ‌4 - صرفها في وجوه القُرَب:

- ‌هل تعطى الزكاة لغير أهل الصّلاح

- ‌الصدقة على ذي الرحم الكاشح

- ‌الصدقة على الجار

- ‌هل يشرع الاتجار بأموال اليتامى

- ‌إِسقاط الدَّين عن الزكاة

- ‌نقْل الزكاة

- ‌إِذا استدان مالاً هل يُخرج زكاته

- ‌هل يجزئ الرجل عن زكاته ما يُغرمه ولاة الأمور في الطرقات وما في معناه

- ‌من أعطى الزكاة لمن ظنّ أنّه مستحقّ فظهر أنه غير مستحقّ

- ‌ما هو الأفضل: إِظهار الصدقة أم إِخفاؤها

- ‌الدعاء للمزكي

- ‌التحذير من المنّ بالعطيّة

- ‌فضل صدقة الشحيح الصحيح

- ‌النهي عن تحقير ما قلّ من الصدقات

- ‌الزجر عن عيب المتصدّق المُقلّ بالقليل من الصدقة

- ‌الزجر عن رمي المتصدِّقين بالكثير من الصدقة بالرياء والسمعة

- ‌هل يشتري صدقته

- ‌إِذا تحوّلت الصدقة

- ‌التصدّق بغير المال

- ‌التصدّق بالماء

- ‌ما جاء في المنيحة

- ‌التصدُّق بالفرس

- ‌التصدّق بالزّرع

- ‌اشتراط المتصدّق حبْس أصول الصدقة، والمنْع مِن بيع رقابها وهبتها وتوريثها

- ‌لا يقبل الله صدقة من غُلول

- ‌استسلاف الإِمام المال لأهل الصدقات وردُّه ذلك من الصدقة بعد الاستسلاف

- ‌الرخصة في إِعطاء الإِمام من الصدقة من يذكر حاجة وفاقة؛ لا يعلم الإِمام منه خلافه من غير مسألة عن حاله؛ أهو فقير محتاج أم لا

- ‌إعطاء الإِمام دِيَة من لا يُعرف قاتِلُه من الصدقة

- ‌صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر عن المملوك واجب على مالكه

- ‌حكمتها:

- ‌على من تجب

- ‌قدْرها:

- ‌الزيادة عن المنصوص عليه

- ‌هل يجوز إِخراج القيمة

- ‌وقت إِخراجها

- ‌مصرفها:

- ‌عدم جواز إِعطائها للذمّي

- ‌في المال حقٌّ سوى الزكاة

- ‌صدقة التطوّع

- ‌أوْلى الناس بالصدقة

- ‌التحذير من التصدّق بالحرام

- ‌هل تتصدّق المرأة من مال زوجها

- ‌هل تتصدّق المرأة من مالها بدون إِذن زوجها

- ‌الصدقة عن الميّت عن غير وصيّة مِن مال الميّت، وتكفير ذنوب الميّت بها

- ‌هل يتصدّق بكلّ ماله

- ‌الصدقة على الحيوان

- ‌الصدقة الجارية

- ‌الصدقة في رمضان

- ‌الصدقة في أيام العشر من ذي الحجّة

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصيام

- ‌فضله:

- ‌منزلة الصّائم الصابر

- ‌أقسامه:

- ‌ صوم رمضان

- ‌حُكمه:

- ‌فضل شهر رمضان

- ‌الترهيب مِن الفِطْر في رمضان

- ‌بمَ يثبُت الشهر

- ‌فائدة:

- ‌إِذا رأى الهلالَ أهلُ بلد هل يلزم سائر البلاد الموافقة

- ‌إِذا أُغْمِيَ هلال شوال وأصبح النَّاس صياماً

- ‌هل يصوم أو يُفطر مَنْ رأى الهلال وحده

- ‌أركان الصوم

- ‌على من يجب

- ‌صيام الصبي

- ‌من يُرخّص لهم في الفطر وتجب عليهم الفدية

- ‌من يرخص لهم في الفطر، ويجب عليهم القضاء

- ‌وأمَّا الرُّخصة للمسافر؛ ففيها أحاديث عديدة؛ منها:

- ‌أيّهما أفضل للمريض والمسافر؛ الفطر أم الصوم

- ‌هل يجوز له الفطر إِذا نوى الصيام وهو مقيم ثمّ سافر نهاراً

- ‌لا يجوز للحائض أو النفساء أن تصوما، ويجب عليهما القضاء

- ‌كان صيام تسع وعشرين لرمضان على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر من صيام ثلاثين

- ‌الأيّام المنهي عن صيامها

- ‌1 - يوما العيدين

- ‌2 - أيّام التشريق

- ‌3 - يوم الجمعة منفرداً

- ‌4 - يوم السبت في غير الفرض

- ‌فكيف يكون التعامل مع هذه النصوص

- ‌5 - يوم الشكّ

- ‌6 - صوم الدهر

- ‌7 - صيام المرأة وزوجها حاضر إِلَاّ بإِذنه

- ‌8 - النصف الثاني من شعبان، إلَاّ لمن كان له صوم يصومه

- ‌ الوصال في الصوم:

- ‌صيام التطوّع

- ‌1 - الاثنين والخميس

- ‌3 - ثلاثة أيّام من كل شهر

- ‌4 - أكثر شعبان

- ‌5 - ستة أيّام من شوّال

- ‌6 - تسع ذي الحجة

- ‌أيهما أفضل العشر من ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان

- ‌7 - يوم عرفة لغير الحاج:

- ‌8 - أكثر شهر الله المحرّم، وتأكيد صوم عاشوراء، ويوماً قبلها أو يوماً بعدها

- ‌هل يصحّ إِظهار السرور يوم عاشوراء والاكتحال وطبْخ الحبوب ونحوه

- ‌هل في الأشهر الحُرُم صوم

- ‌فائدة:

- ‌جواز فِطر الصائم المتطوّع

- ‌عدم وجوب قضاء يوم النّفل

- ‌آداب الصيام

- ‌1 - السحور

- ‌فضله:

- ‌بمَ يتحقّق

- ‌فضل السحور بالتمر

- ‌وقته:

- ‌فائدة:

- ‌استحباب تأخيره:

- ‌هل يفطر إِذا أكل أو شرب أو جامع، ظانّاً غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر

- ‌2 - تعجيل الفطر

- ‌متى يُفطر الصائم

- ‌علام يُفطر

- ‌3 - الدعاء عند الفِطر

- ‌4 - الجود ومدارسة القرآن

- ‌فينبغي الاقتداء بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم في الجود والعطاء

- ‌5 - الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان

- ‌ترهيب الصائم من الغِيبة والفُحش والكذب ونحو ذلك

- ‌ما يُباح للصائم

- ‌1 - الغُسل تعبُّداً

- ‌2 - أن يصبح جُنباً

- ‌3 - المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة

- ‌4 - الاكتحال والقطرة ونحوها ممّا يدخل العين

- ‌6 - الحُقنة لغير التغذية

- ‌7 - الحجامة

- ‌8 - ما لا يمكن التحرّر منه كابتلاع الريق

- ‌9 - السواك والطيب والادّهان:

- ‌هل يباح ذوق الطّعام

- ‌المفطّرات

- ‌على من تقع الكفّارة

- ‌ترتيب الكفّارة كما ورَدَت في الحديث

- ‌إِذا تكرّر الجماع، هل تتكّرر الكفّارة

- ‌لا تجب الكفّارة على من لم يستطعها

- ‌هل يجوز صيام الشهرين متفرّقاً في كفّارة الجماع

- ‌أَمْر المجامع بقضاء صوم يوم مكان اليوم الذي جامع فيه، إِذا لم يجد الكفّارة

- ‌هل الاستمناء بمباشرة الرجل زوجه أو باليد يفسد الصوم

- ‌قضاء رمضان

- ‌متى يقضى قضاء رمضان

- ‌هل على من أَخَّر القضاء كفّارة

- ‌هل يقضي مَن أَفطر متعمّداً

- ‌قضاء صوم النَّذر عن الميت من قِبل وليِّه

- ‌ماذا يقول الصائم إِذا دُعي إِلى طعام

- ‌الترغيب في إِطعام الصائم

- ‌الصوم لمن لم يستطع الباءة

- ‌ليلة القدر

- ‌فضلها:

- ‌متى تُتحرّى وتُلتمس

- ‌تحديدها:

- ‌قيامها والدعاء فيها

- ‌صفة ليلة القدر

- ‌كثرة الملائكة في الأرض ليلة القدر

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌تعريفه

- ‌مشروعيّته

- ‌حكمه:

- ‌مقصود الاعتكاف

- ‌زمانه:

- ‌شروطه

- ‌متى يدخل المعتكَف

- ‌ما يستحبّ للمعتكِف

- ‌ما يجوز للمعتكف

- ‌منْع الرجل أهله من الاعتكاف

- ‌ما يُبطل الاعتكاف

- ‌فوائد متنوّعة

الفصل: ‌هل يصوم أو يفطر من رأى الهلال وحده

‌إِذا أُغْمِيَ هلال شوال وأصبح النَّاس صياماً

عن أبي عُمير بن أنس بن مالك قال: "حدَّثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أُغْمِي علينا هلال شوّال، فأصبحنا صياماً، فجاء رَكْب من آخر النَّهار، فشَهِدوا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم رأوا الهلال بالأمس.

فأمَرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وأن يخرجوا إِلى عيدهم من الغد" (1).

‌هل يصوم أو يُفطر مَنْ رأى الهلال وحده

؟

اختلف العلماء في هذا، فمنهم من رأى إِيجاب الصوم والفطر لمن انفرد برؤية الهلال؛ استناداً إِلى الحديث المتقدّم:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".

ومنهم من رأى أنه لا يصوم ولا يُفطر إلَاّ مع الناس؛ استناداً لقوله صلى الله عليه وسلم: "الصوم يومَ تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون"(2).

وعن مسروق قال: "دخلت على عائشة يوم عرفة، فقالت: اسقوا مسروقاً سويقاً، وأكثروا حلواه.

قال: فقلت: إِنِّي لم يمنعني أن أصوم اليوم إلَاّ أنّي خفْتُ أن يكون يوم النحر، فقالت عائشة: النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس" (3).

(1) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1340) وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(634).

(2)

أخرجه الترمذي وغيره، وانظر "الصحيحة"(224).

(3)

وحسنه شيخنا رحمه الله لغيره في "الصحيحة" تحت الحديث (224).

ص: 209

قال شيخنا رحمه الله عقب حديث: "الصوم يوم تصومون

" في "الصحيحة" (1/ 443): "

قال الترمذي عقب الحديث: "وفسّر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إِنّما معنى هذا؛ الصوم والفطر مع الجماعة وعِظَم الناس".

وقال الصنعاني في "سبل السلام"(2/ 72): "فيه دليل على أن يُعتَبر في ثبوت العيد الموافقة للناس، وأنّ المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حُكمهم في الصلاة والإِفطار والأضحية.

وذكَر معنى هذا ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن"(3/ 214)، وقال: "وقيل: فيه الردُّ على من يقول: إِنَّ مَنْ عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل، جاز له أن يصوم ويفطر؛ دون مَنْ لم يعلم.

وقيل: إِنَّ الشاهد الواحد إِذا رأى الهلال، ولم يحكم القاضي بشهادته أنّه لا يكون هذا له صوماً، كما لم يكن للناس.

وقال أبو الحسن السندي في "حاشيته على ابن ماجه" -بعد أن ذكَر حديث أبي هريرة عند الترمذي-: "والظاهر أنه معناه أنَّ هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرُّد فيها؛ بل الأمر فيها إِلى الإمام والجماعة، ويجب على الآحاد اتباعهم للإِمام والجماعة.

وعلى هذا؛ فإِذا رأى أحد الهلال، وردَّ الإِمام شهادته؛ ينبغي أن لا يثبت في حقّه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتَّبع الجماعة في ذلك".

قلت: -أي شيخنا رحمه الله: وهذا المعنى هو المتبادر من

ص: 210

الحديث، ويؤيده احتجاج عائشة به على مسروق؛ حين امتنع من صيام يوم عرفة، خشية أن يكون يوم النحر، فبيّنت له أنه لا عبرة برأيه، وأنّ عليه اتباع الجماعة؟ فقالت:"النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس".

قلت: -أي شيخنا رحمه الله: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة؛ التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرّق جمْعهم من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد -ولو كان صواباً من وِجهة نظره- في عبادة جماعية؛ كالصوم والتَّعييد وصلاة الجماعة.

ألا ترى أنّ الصحابة رضي الله عنهم كان يصلّي بعضهم وراء بعض، وفيهم من يرى أنّ مسّ المرأة والعضو وخروج الدم من نواقض الوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يُتمّ في السفر، ومنهم من يقصر؟!

فلم يكن اختلافهم هذا وغيره؛ ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإِمام الواحد، والاعتداد بها، وذلك لعلمهم بأن التفرُّق في الدين شرٌّ من الاختلاف في بعض الآراء.

ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الاعتداد بالرأي المخالف لرأي الإِمام الأعظم في المجتمع الأكبر كـ (منى)، إِلى حدّ ترْك العمل برأيه إِطلاقاً في ذلك المجتمع؛ فراراً ممّا قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه.

فروى أبو داود (1/ 307) أنَّ عثمان رضي الله عنه صلّى بمنى أربعاً، فقال عبد الله بن مسعود مُنكِراً عليه: صلّيتُ مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدراً من إِمارته ثمّ

ص: 211

أتمَّها، ثمَّ تفرَّقت بكم الطرق، فلوددتُ أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبَّلتين.

ثمّ إِنّ ابن مسعود صلّى أربعاً! فقيل له: عبت على عثمان ثمّ صلّيت أربعاً؟! قال: الخلاف شرٌّ. وسنده صحيح.

وروى أحمد (5/ 155) نحو هذا عن أبي ذرّ -رضى الله عنهم أجمعين-.

فليتأمّل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور؛ أولئك الذين لا يزالون يتفرَّقون في صلواتهم، ولا يقتدون ببعض أئمّة المساجد، وخاصّة في صلاة الوتر في رمضان؛ بحُجّة كونهم على خلاف مذهبهم!

وبعض أولئك الذين يدّعون العلم بالفلك ممّن يصوم وحده ويفطر وحده؛ متقدّماً أو متأخِّراً على جماعة المسلمين؛ معتدّاً برأيه وعلمه؛ غير مبال بالخروج عنهم

" انتهى.

وقال شيخ الإِسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(25/ 204): "فالمنفرد برؤية هلال شوال، لا يفطر علانية؛ باتفاق العلماء، إِلا أن يكون له عذر يبيح الفطر كمرض وسفر، وهل يفطر سراًّ؟ على قولين للعلماء أصحّهما لا يفطر سرّاً، وهو مذهب مالك وأحمد في المشهور في مذهبهما".

وقال شيخنا في الردّ على السيد سابق -رحمهما الله تعالى- في "تمام المِنّة"(ص 399): "ومِن (مَنْ رأى الهلال وحده) وتحت هذا العنوان الجانبي قال: "واتفقَت أئمّة الفقه على أنّ مَن أبصَر هلال الصوم وحده أن

ص: 212

يصوم".

فأقول: هذا ليس على إِطلاقه، بل فيه تفصيل ذكَره شيخ الإِسلام ابن تيمية في فتوى له، فقال (25/ 114):"إِذا رأى هلال الصوم وحده، أو هلال الفطر وحده، فهل عليه أن يصوم برؤية نفسه، أو يفطر برؤية نفسه؟ أم لا يصوم ولا يفطر إِلا مع النّاس؟ على ثلاثة أقوال؛ هي ثلاث روايات عن أحمد".

ثمّ ذكَرها، والذي يهمّنا ذِكره منها ما وافق الحديث، وهو قوله:"والثالث: يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "صومكم يوم تصومون، وفِطركم يوم تُفطرون، وأضحاكم يوم تُضْحون". رواه الترمذي وقال: حسن غريب.

قال: وفسّر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إِنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعِظَم الناس".

وهذا الحديث مخرج في "الصحيحة"(224)، و"الإِرواء"(905) من طرق عن أبي هريرة، فمن شاء رجَع إِليها.

ثمّ قال ابن تيمية (117) -رحمه الله تعالى-: "لكن من كان في مكان ليس فيه غيره، إِذا رآه صام، فإِنه ليس هناك غيره"". انتهى.

قلت: وهذا الذي ينبغي أن يصار إِليه، إِذ قوله صلى الله عليه وسلم: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون

". يُفهِم أنّ هذا جاء لإِلغاء الصوم أو الفطر الفردي، سواءٌ أصحّت الرُّؤية أم لم تصحّ، وإلا فلا قيمة للحديث ألبتة عياذاً بالله. والله أعلم.

ص: 213