الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصدقة عن الميّت عن غير وصيّة مِن مال الميّت، وتكفير ذنوب الميّت بها
(1)
عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أبي مات، وترَك مالاً، ولم يوص، فهل يُكفّر عنه إِن تصدّقتُ عنه؟ فقال: نعم"(2).
هل يتصدّق بكلّ ماله
؟
قال الله تعالى: {ويُؤثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (3)} (4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصابني الجَهْد (5)، فأرسَل إِلى نسائه فلم يجد عندهنّ شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يُضيِّفه الليلة يرحَمُه الله؟
فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إِلى أهله فقال لامرأته: ضَيْفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدَّخريه شيئاً. فقالت: والله ما عندي إِلا قوت الصبية.
قال: فإِذا أراد الصبية العشاء فنوّميهم، وتعالَيْ فأطفئي السراج، ونطوي
(1) هذا العنوان من "صحيح ابن خزيمة"(4/ 123).
(2)
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(2498)، وقال شيخنا رحمه الله إسناده صحيح على شرط مسلم.
(3)
الخصاصة: الفاقة.
(4)
الحشر: 9.
(5)
أي: المشقة.
بطوننا الليلة ففعَلت.
ثمّ غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عجب الله عز وجل -أو ضحك- من فلان وفلانة، فأنزل الله عز وجل:{ويُؤثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} " (1).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدّق، فوافَق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر -إِنْ سبقته يوماً- فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيتَ لأهلك؟ قلت: مِثله.
قال: وأتى أبو بكر بكلّ ما عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيتَ لأهلك؟
قال: أبقيت لهم الله ورسوله.
قلت: لا أسابِقُك إِلى شيء أبداً" (2).
فمن كان في قوةٍ منيعة من التوكلّ على الله بحيث لا يندم؛ فليفعل وليتصدّق بكلّ ماله.
وسألت شيخنا رحمه الله عن حديث أبي بكر رضي الله عنه فقال: "هذه مسألة دقيقة؛ تُشبه الحالة الآتية:
وهي أن يأمر الوالد ولده أن يُطلّق زوجه، فهل يفعل تأسّياً بقصّة عمر مع
(1) أخرجه البخاري: 4889، ومسلم:2054.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1472)، وغيره، وانظر "المشكاة"(6021)، و"مختصر البخاري"(1/ 336).
ولده رضي الله عنهما.
فأقول: نعم؛ إِذا كان الوالد كعمر؛ يطلّق، وإلَاّ فلا، ومن كان كأبي بكر في قوّة الإِيمان، وكان كذلك أهله بقوة إِيمان أهل أبي بكر رضي الله عنهم جاز التصدّق بكل المال، فهل يمكن تحقُّقه؟ فهذا خاصٌ بالصدّيق رضي الله عنه فقط".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "إِنّك إِنْ تذَرَ ورثتك أغنياء؛ خيرٌ من أن تذَرهم عالةً؛ يتكفّفون الناس، وإِنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله؛ إِلا أُجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك"(1).
وقال الإِمام البخاري رحمه الله في "صحيحه"(2): "لا صدقة إِلا عن ظهر غنى (3)، ومن تَصدَّق وهو محتاج، أو أهله محتاج، أو عليه دين؛ فالدين أحقُّ أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، وهو رَدٌّ عليه، ليس له أن يُتلف أموال الناس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أخَذ أموال الناس يريد إِتلافها أتلَفه الله (4).
(1) أخرجه البخاري: 2742، ومسلم:1628.
(2)
انظر (24 - كتاب الزكاة- 18 - باب).
(3)
لقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" أخرجه البخاري: 1426 من حديث أبي هريرة، وفي مسلم:(1034) من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه: "أفضل الصدقة -أو خير الصدقة- عن ظهر غنى
…
وابدأ بمن تعول".
(4)
وصله البخاري رحمه الله برقم (2387) بلفظ: "مَن أخذ أموال الناس يريد أداءَها أدى الله عنه، ومن أخَذ يريد إِتلافها أتلَفه الله".
إِلا أن يكون معروفاً بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، كفِعل أبي بكر رضي الله عنه حين تصدّق بماله (1).
وكذلِك آثر الأنصار المهاجرين، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إِضاعة المال، فليس له أن يضيّع أموال الناس بعلّة الصدقة. وقال كعب رضي الله عنه: "قلت: يا رسول الله، إِنّ من توبتي أن أنخلع من مالي (2) صدقة إِلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال: أمسِك عليك بعض مالك، فهو خير لك، قلت: فإِنّي أُمسك سهمي الذي بخيبر" (3).
وقال ابن خزيمة رحمه الله في "صحيحه"(4/ 99): (باب صدقةالمُقلّ إِذا أبقى لنفسه قدْر حاجته).
ثمّ ذكَر حديث أبي هريرة رضي الله عنه "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سبقَ درهم مائة ألف درهم، فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟
قال: رجل له مال كثير أخذ من عُرضه (4) مائة ألف درهم، تصدَّق بها؛ ورجل ليس له إِلا درهمان فأخَذ أحدهما فتصدّق به" (5).
(1) وهو الذي ذكرْته في هذا الباب.
(2)
أي: أخرج من جميع مالي. "فتح".
(3)
وقد وصله البخاري رحمه الله برقم (4418)، وأخرجه مسلم:2769.
(4)
العُرض: الجانب والناصية من كل شيء.
(5)
أخرجه النسائي وابن خزيمة في "صحيحه"(2443) وابن حبان وغيرهم، وحسّنه شيخنا رحمه الله في تخريج أحاديث مشكلة الفقر برقم (119).