الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-وكان كثير الصيام- فقال: إنْ شئت فصم، وإنْ شئت فأفطرِ" (1).
وفي رواية: "أنّه قال: يا رسول الله! أجد بي قوَّة على الصِّيام في السفر، فهل عليّ جُناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي رخصة من الله، فمن أخَذ بها فحسَن، ومن أحبَّ أن يصوم فلا جُناح عليه"(2).
قال شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(3)(1/ 377): بعد كلام طويل: "والحقّ أنّ الحديث يفيد التخيير لا التفضيل".
أيّهما أفضل للمريض والمسافر؛ الفطر أم الصوم
؟
إِذا لم يجد المسافر أو المريض مشقةً في الصوم، جاز له الصوم، وإن وجدا المشقّة فعليهما أن يُفطِرا.
فعن أنس رضي الله عنه قال: كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنّا الصائم ومنّا المفطر، قال: فنزلنا مَنْزِلاً في يوم حارّ أكثرُنا ظلاًّ صاحب الكساء (4)، ومنّا من يتّقي الشمس بيده.
قال: فسقط الصُّوَّام (5)، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسَقَوُا الرِّكاب (6)،
(1) أخرجه البخاري: 1934.
(2)
أخرجه مسلم: 1121.
(3)
انظره للمزيد من الفوائد الفقهية إِن شئت.
(4)
في رواية البخاري رحمه الله: "
…
أكثرُنا ظلاًّ الذي يستظلّ بكسائه".
(5)
أي: لضعفهم.
(6)
الرّكاب: الإِبل التي يُسار عليها، الواحدة راحلة، ولا واحدة لها من لفظها. "مختار الصحاح".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهب المُفطرون اليوم بالأجر"(1).
وعن قَزَعَة قال: "أتيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه وهو مكثور عليه (2)، فلما تفرّق الناس عنه، قلت: إِني لا أسألك عمَّا يسألك هؤلاء عنه، سألته عن الصوم في السفر، فقال: سافَرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى مكّة ونحن صيام. قال: فنزَلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنكم قد دنوتم من عدوِّكم، والفطر أقوى لكم". فكانت رخصة، فمنّا من صام ومنّا من أفطر.
ثمّ نزلنا منزِلاً آخر، فقال:"إِنكم مُصَبِّحو عدوِّكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا". وكانت عَزْمَة (3)، فأفطرنا ثمّ قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر" (4).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إِلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كُرَاعَ الغميم، فصام الناس، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفَعه، حتى نظر الناس إِليه، ثمّ شرب.
فقيل له بعد ذلك: إِنَّ بعض الناس قد صام. فقال: أولئك العُصاة، أولئك العصاة" (5).
(1) أخرجه البخاري: 2890، ومسلم: 1119، واللفظ له.
(2)
قال في "النهاية": "يقال: رجل مكثور عليه، إذا كثُرت عليه الحقوق والمطالبات، أراد أنّه كان عنده جمع من الناس؛ يسألونه عن أشياء، فكأنهم كان لهم عليه حقوقٌ، فهم يطلبونها".
(3)
العَزْمة: ضدّ الرخصة.
(4)
أخرجه مسلم: 1120.
(5)
أخرجه مسلم: 1114.
قال ابن خزيمة رحمه الله في "صحيحه"(3/ 256): وفي خَبَر أبي سعيد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتى على نهر من ماء السماء من هذا الجنس أيضاً.
قال في الخبر: "إِنّي لست مثلكم، إِني راكب وأنتم مشاة، إِني أيسركم"(1).
قال ابن خزيمة رحمه الله: "فهذا الخبر دلّ على أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صام وأمرَهم بالفطر في الابتداء، إِذ كان الصوم لا يَشُقّ عليه إِذ كان راكباً، له ظهْر لا يحتاج إِلى المشي، وأمَرهم بالفطر إِذ كانوا مشاة يشتدُّ عليهم الصوم مع الرجَّالة (2).
فسمّاهم صلى الله عليه وسلم عصاة إِذ امتنعوا من الفطر بعد أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِياهم، بعد عِلمه أن يشتد الصوم عليهم، إِذ لا ظهر لهم، وهم يحتاجون إِلى المشي".
وعن جابر قال: "مرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم برجل يقلب ظهره لبطنه، فسأل عنه، فقالوا: صائم يا نبي الله!
فدعاه، فأمَره أن يفطر فقال: أَمَا يكفيك في سبيل الله، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تصوم؟! " (3).
قال شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(6/ 186): "وله طرق أخرى عن جابر بنحوه في "الصحيحين" وغيرهما، وهي مخرجة في "الإِرواء" (925). وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه لا يجوز الصوم في السفر إِذا كان
(1) أخرجه الإِمام أحمد وابن خزيمة في "صحيحه"(2022)، وقال شيخنا: إِسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبّان.
(2)
جمع راجل، وهو الماشي على رجليه.
(3)
أخرجه أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم.
يضرّ بالصائم، وعليه يُحمَل قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس من البر الصِّيام في السفر".
يوضّح ما قاله شيخنا رحمه الله مناسبة الحديث؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: ليس من البرّ الصوم في السفر"(1).
قال ابن خزيمة رحمه الله في "صحيحه"(3/ 255): "أي: ليس البر الصوم في السفر؛ حتى يُغشى على الصائم ويحتاج إِلى أن يُظلل ويُنضح عليه، إِذ الله عز وجل رخّص للمسافر في الفطر، وجعل له أن يصوم في أيّام أخر، وأعلم في حُكم تنزيله؛ أنه أراد بهم اليسر لا العسر في ذلك، فمن لم يَقبل يُسر الله، جاز أن يقال له: ليس الحسر أخذك بالعسر عليك من البّر.
وقد يجوز أن يكون في هذا الخبر: "ليس البر أن تصوموا في السفر"، أي: ليس كل البرّ هذا، قد يكون البر أيضاً [أن] تصوموا في السفر [و] قبول رخصة الله والإِفطار في السفر".
وقوله: "أولئك هم العصاة"، وفيما سوى ذلك فهو مخير إِن شاء الله صام، وإِن شاء أفطر، وهذا خلاصة ما تدل عليه أحاديث الباب، فلا تعارض بينها والحمد لله".
وقال رحمه الله (ص 260): (باب استحباب الصوم في السفر لمن قوي عليه، والفِطر لمن ضعُف عنه).
ثمّ ذكَر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتقدّم
…
"فلم
(1) أخرجه البخاري: 1946، ومسلم:1115.