الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رمضان، فذكر الحديث، وقال في آخره:"فصم يوماً، واستغفر الله"(1).
هل الاستمناء بمباشرة الرجل زوجه أو باليد يفسد الصوم
؟
قال السيد سابق رحمه الله في "فقه السنّهَ"(1/ 466) في (ما يبطل الصيام): "الاستمناء سواء أكان سببه تقبيل الرجل لزوجته أو ضمّها إِليه، أو كان باليد، فهذا يبطل الصوم ويوجب القضاء".
قال شيخنا رحمه الله في "تمام المِنّة"(ص 418): "لا دليل على الإِبطال بذلك، وإلحاقه بالجماع غير ظاهر، ولذلك قال الصنعاني: "الأظهر أنه لا قضاء ولا كفّارة إلَاّ على من جامع، وإلحاق غير المجامع به بعيد".
وإليه مال الشوكاني، وهو مذهب ابن حزم، فانظر "المُحلّى"(6/ 175 - 177 و205).
وممّا يرشدك إِلى أنّ قياس الاستمناء على الجماع قياس مع الفارق؛ أنّ بعض الذين قالوا به في الإِفطار لم يقولوا به في الكفّارة، قالوا:"لأنّ الجماع أغلظ، والأصل عدم الكفّارة". انظر "المهذب" مع "شرحه" للنووي (6/ 368).
فكذلك نقول نحن: الأصل عدم الإِفطار، والجماع أغلظ من الاستمناء، فلا يقاس عليه فتأمّل.
وقال الرافعي (6/ 396): "المني إِنْ خرَج بالاستمناء أفطر؛ لأنّ الإِيلاج من غير إِنزال مبطل، فالإِنزال بنوع شهوة أولى أن يكون مفطّراً".
(1) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1954) وأخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1357): بلفظ: "وصم يوماً مكانه". وانظر "الإِرواء"(4/ 91)، وتقدّم.
قلت [أي: شيخنا رحمه الله]: "لو كان هذا صحيحاً؛ لكان إِيجاب الكفّارة في الاستمناء أولى من إِيجابها على الإِيلاج بدون إِنزال، وهم لا يقولون أيضاً بذلك، فتأمّل تناقض القياسين!
أضِف إِلى ذلك مخالفتهم لبعض الآثار الثابتة عن السلف في أنّ المباشرة بغير جماع لا تفطّر ولو أنزل، وقد ذكرْتُ بعضها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" تحت الأحاديث (219 - 221)(1)، ومنها قول عائشة رضي الله عنها لمن سألها: ما يحلّ للرجل من امرأته صائماً؟ قالت: "كلّ شيء إِلا الجماع".
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4/ 190/8439) بسند صحيح، كما قال الحافظ في "الفتح"، واحتج به ابن حزم. وراجع سائرها هناك.
وترجم ابن خزيمة رحمه الله لبعض الأحاديث المشار إِليها بقوله في "صحيحه"(3/ 242): "باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم، والدليل على أنّ اسم الواحد قد يقع على فعلين: أحدهما مباح، والآخر محظور، إِذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نصّ كتابه على الجماع، ودلّ الكتاب على أنّ الجماع في الصوم محظور، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: أنّ الجماع يفطّر الصائم، والنّبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم قد دلّ بفعله على أنّ المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم، غير مكروهة".
وإنّ ممّا ينبغي التنبيه عليه هنا أمرين:
(1) وذكرْت ما قاله رحمه الله فيها تحت (القبلة والمباشرة
…
من كتابنا هذا).
الأول: أنّ كون الإِنزال بغير جماع لا يفطّر؛ شيء، ومباشرة الصائم، شيء آخر، ذلك أنّنا لا ننصح الصائم وبخاصّة إِذا كان قوي الشهوة؛ أنْ يباشر وهو صائم، خشية أن يقع في المحظور؛ الجماع، وهذا سداً للذريعة المستفادة من عديد من أدلّة الشريعة، منها قوله صلى الله عليه وسلم:"ومَن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه".
وكأنّ السيدة عائشة رضي الله عنها أشارت إِلى ذلك بقولها حين روت مباشرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو صائم: "وأيّكم يملك إِربه؟ ".
والأمر الآخر: أنّ المؤلف لمّا ذكر الاستمناء باليد، فلا يجوز لأحد أن ينسب إِليه أنّه مباح عنده، لأنّه إِنّما ذكَره لبيان أنَّه مبطل للصوم عنده.
وأما حكم الاستمناء نفسه، فلبيانه مجال آخر، وهو قد فصّل القول فيه، في "كتاب النكاح"، وحكى أقوال العلماء، واختلافهم فيه
…
وأمّا نحن؛ فنرى أنّ الحق مع الّذين حرَّموه، مستدلين بقوله تعالى:{والذين هم لفروجهم حافظون إِلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أَيْمانهم فإِنّهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (1).
ولا نقول بجوازه لمن خاف الوقوع في الزنا، إِلا إِذا استعمل الطبَّ النبوي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للشباب في الحديث المعروف الآمر لهم بالزواج:
"فمن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإِنّه له وجاء".
ولذلك فإِننا نُنكر أشد الإِنكار على الذين يُفتون الشباب بجوازه؛ خشية الزنا، دون أن يأمرهم بهذا الطبّ النّبويّ الكريم". انتهى.
(1) المؤمنون: 5 - 7.
وقال أخي الشيخ مشهور حسن -حفظه الله تعالى- في مقدّمة تحقيقه على "بلوغ المنى في حُكم الاستمنى" للشوكاني رحمه الله ملخّصاً ما ذهب إِليه في مسألة الاستمناء-: "إِنْ فعَله ليكسر حدَّة شهوته، وشدّة شبقه فحسب فحرام، فإِنْ كان هذا الفعل لدفع مضرّة الزنى أو اللواط، التي باتت أو كادت [أن تكون] متحققة في حقّه، فهو مباح بعد أن يجرّب الصيام، ويجاهد نفسه، ويتقي الله ما استطاع". انتهى.
قلت: فلا تنظرنّ إِلى كلمة (فهو مباح) حتى تنظر فيما أشار إِليه من الصيام ومجاهدة النفس، والتقوى المستطاعة؛ وهذا يتضمّن التحصُّن بالصلاة الخاشعة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقراءة القرآن، والأذكار، والدعاء والابتهال إِلى الله -سبحانه- أن يصرف عنك مقته وغضبه.
فإِذا اجتمع هذا مع اجتناب الأطعمة والأشربة المثيرة للشهوة، مع غضّ البصر والابتعاد عن الاختلاط وأسباب الفتنة، فإِن النجاة بإِذن الله -تعالى- متحقّقة.
لكن؛ لا بُدّ لنا أن نُذكّر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن تصدق الله يصدقْك"(1)، وبالله التوفيق.
وجاء في "مجموع الفتاوى"(25/ 214): "
…
وأمّا من استمنى فإِنه يُفطر".
وتقدم ما جاء في "الصحيحة"(1/ 437): "وروى ابن أبي شيبة (2/ 170/1) عن عمرو بن هرم قال: سُئل جابر بن زيد عن رجل نظر إِلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها؛ هل يفطر؟ قال: لا؛ ويتمّ صومه".
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النّسائي"(1845) والطبراني وغيرهما.
قال شيخنا رحمه الله: وإسناده جيّد، وعلّقه البخاري على عمرو بصيغة الجزم، وسكت عنه الحافظ (4/ 151).
وترجم ابن خزيمة للحديث بقوله: "باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم، والدليل على أنّ اسم الواحد قد يقع على فعلين أحدهما مباح والآخر محظور".
وجاء في التعليق على "بلوغ المنى في حُكم الاستمنى"(ص54 - في التعليق): "وقرّر المرغيناني في "الهداية" أنّ الاستمناء لا يفطّر
…
".
وانظر تفصيل الشيخ مشهور -حفظه الله- (ص 54) فإِنه نافع قويّ.
قلت: ومهما يكن مِن أمر؛ فإِنّه لا ينبغي أن نختلف، أو نتفرّق، أو نُوالي، أو نعادي في هذه المسائل.
فهناك من قال من أهل العلم أنّ الاستمناء يفطّر، وهناك من قال أنّه لا يفطّر ولا شكّ أنّه حرام -أي باليد ونحوه- لما ذَكرناه وقدّمناه.
أمّا الاستمناء بضمّ الزوجة ونحو ذلك في الصيام؛ فمن رأى بعد الاطلاع على ما قال أهل العلم أنّ ذلك لا يفطّر فله ذلك، ومن رأى أنّه يفطّر؛ فإِنّ العلماء القائلين بأنّه لا يفطّر؛ لم يوجبوا عليه هذا الفعل.
لكن ليس لأحدٍ أن يُلزم الآخر برأيه، والمهم ألا يتبع المرء هواه، فما دام قد اعتمد على أقوال العلماء، مع بذل الأسباب في معرفة الحقّ والصواب، والتجرّد من الهوى والتعصّب، فقد سدّد وقارب ونجا بإِذن الله -تعالى- وبالله التوفيق.