الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: أعلى درجات التوحيد عند ابن عجيبة
يزعم ابن عجيبة أنَّ توحيد الخاصَّة أعلى درجات التوحيد إذ يقول: "الطريق المستقيم الذي أمرنا الحق بطلبها هي: طريق الوصول إلى الحضرة، التي هي العلم بالله على نعت الشُّهود والعيان، وهو مقام التوحيد الخاص الذي هو أعلى درجات أهل التوحيد"
(1)
.
وهذا التوحيد الذي ذكره وزعم أنه توحيد الخاصَّة هو الذي بيَّنه الهروي في منازل السائرين بقوله: "وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه، واستحقه بقدره وألاح منه لائحًا إلى أسرار طائفة من صفوته، وأخرسهم عن نعته، وأعجزهم عن بثِّه، والذي يشار به على ألسُن المشيرين، أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم، على أنَّ هذا الرَّمز في ذلك التوحيد علة لا يصح ذلك التوحيد إلا بإسقاطها
…
هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء هذا الطريق، وإن زخرفوا له نعوتًا، وفصَّلوه تفصيلًا، فإنَّ ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاءً والصفة نورًا والبسط صعوبةً، وإلى هذا التوحيد شخص أهل الرياضة وأرباب الأحوال، وإليه قصد أهل التعظيم، وإياه عني المتكلمون في عين الجمع
(2)
، وعليه تصطلم
(3)
الإشارات، ثم لم ينطق عنه لسان ولم تشر إليه عبارة؛ فإنَّ التوحيد وراء ما يشير إليه سكونٌ أو يتعاطاه حينٌ أو يقله سبب"
(4)
.
(1)
البحر المديد 1/ 66.
(2)
عين الجمع: شهود الأشياء بالله والتبري من الحول والقوة إلا بالله، وجمع الجمع الاستهلاك بالكلية والفناء عمَّا سوى الله وهو المرتبة الأحدية. ينظر: التعريفات ص 102.
(3)
الاصطلام: هو الوله الغالب على القلب، وهو غلبات الحق الذي يجعل كلية العبد مغلوبة له بامتحان اللطف في نفي إرادته. ينظر: المعجم الصوفي، ص 24.
(4)
ص 47.
وردَّ عليه شيخ الإسلام فقال: "وأمَّا التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره
…
إلى آخر كلامه
(1)
وقد تقدَّم حكايته فهؤلاء هم الذين أنكر عليهم أئمة الطريق كالجنيد وغيره، حيث لم يفرِّقوا بين القديم والمحدث، وحقيقة قول هؤلاء: الاتحاد والحلول الخاص من جنس قول النصارى في المسيح، وهو أن يكون الموحِّد هو الموحَّد ولا يوحِّد الله إلا الله، وكل من جعل غير الله عز وجل يوحِّد فهو جاحد عندهم
…
وحقيقة الأمر: أنَّ كلَّ من تكلَّم بالتوحيد أو تصوره وهو يشهد غير الله فليس بموحِّد عندهم، وإذا غاب وفني عن نفسه بالكلية فتمَّ له مقام توحيد الفناء الذي يجذبه إلى توحيد أرباب الجمع، صار الحق هو الناطق المتكلِّم بالتوحيد، وكان هو الموحِّد، وهو الموحَّد، لا موحَّد غيره.
وحقيقة هذا القول لا يكون إلا بأن يصير الرَّبُّ والعبد شيئًا واحدًا، وهو الاتحاد فيتحد اللاهوت والناسوت، كما يقول النصارى: إنَّ المتكلِّم بما كان يسمع من المسيح هو الله، وعندهم أنَّ الذين سمعوا منه هم رُسل الله، وهم عندهم أفضل من إبراهيم وموسى عليهما السلام.
ولهذا تكلَّم بلفظ اللاهوت والناسوت طائفة من الشيوخ الذين وقعوا في الاتحاد والحلول مطلقًا ومعيَّنًا، فكانوا ينشدون قصيدة ابن الفارض، ويتحلَّون بما فيها من تحقيق الاتحاد العام، ويرون كلَّ ما في الوجود هو مجلي ومظهر ظهر فيه عين الحق، وإذا رأى أحدهم منظرًا حسنًا أنشد:
يتجلَّى في كلِّ طرفةِ عينٍ
…
بلباسٍ من الجَمَالِ جديدِ"
(2)
(1)
يقصد الهروي.
(2)
منهاج السُّنَّة النبوية 5/ 370، 372.