الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن قال
…
تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحدٍ عنه غنىً، أو يكون خالقٌ لشيءٍ إلا هو، ربُّ العباد وربُّ أعمالهم، والمقدِّر لحركاتهم وآجالهم، الباعث الرُّسل إليهم لإقامة الحجَّة عليهم"
(1)
.
سابعًا: الشرك في الربوبية
1 -
زعم ابن عجيبة أنه أُعطيَ التصرُّف في الكون، قال:"رأيتُ في المنام قائلًا يقول لي: الليلة أُعطي سيدي أحمد بن عجيبة يتصرَّف في الكون"
(2)
.
2 -
قال ابن عجيبة عن القطب الفرد: "هو المتصرِّف في الكون بهمَّته العالية، وبالأسرار الربَّانية، يقول للشيء كن فيكون، والكل خادمٌ له، القطب يعرف ما كان وما يكون، وهو القائم بحقِّ الكون، والمكوّن، وهو واحد"
(3)
، وقال أيضًا:"وأما تسميته بالغوث فمن حيث إغاثته للعوالم بهمَّته ومادته، ورتبته الخاصَّة"
(4)
.
3 -
يزعم ابن عجيبة أنَّ شيخيه البوزيدي والدرقاوي
(5)
يجعلان الفقير غنيًّا بمجرد النظر والملاحظة
(6)
.
(1)
رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ومعها إيضاح المعاني على رسالة القيرواني، ص 17.
(2)
الفهرسة، ص 69.
(3)
رسائل النور الهادي، ص 119، وينظر: سلسلة الفتوحات القدسية في شرح المقدمة الآجرومية، ص 102.
(4)
سلسلة الفتوحات القدسية في شرح المقدمة الآجرومية، ص 102، وينظر: معراج التشوف، ص 80.
(5)
هو: العربي بن أحمد بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف الإدريسي الشهير بالدرقاوي؛ نسبةً إلى أحد أجداده أبي درقة، ولد سنة 1150 هـ بقبيلة بني زروال، وكانت وفاته سنة 1239 هـ. ينظر: سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس 1/ 242 - 243.
(6)
ينظر: البحر المديد 6/ 368.
وقال في موضع آخر: "فمن أراد أن يمدَّه الله في باطنه بكمالات الربوبية من قوَّةٍ، وعلمٍ، وغنىً، وعزٍّ، ونصرٍ، وملك، فليتحقق في ظاهره بنقائص العبودية، من ذلٍّ، وفقرٍ، وضعفٍ وعجزٍ، وجهل"
(1)
.
4 -
ليس هناك خالق ولا مخلوق، ومن قال غير هذا فهو مشرك في الربوبية -بزعم- ابن عجيبة، يظهر ذلك من خلال شرحه لقول ابن مشيش
(2)
: "وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها"، وقال:"وأهل التحقيق لم يثبتوا مع الحقِّ سواه، ورأوا الكلَّ منه وإليه فالكلُّ دون الله، إنَّ حقيقته عدم على التفصيل والإجمال"
(3)
.
وقال أيضًا: "ومن أوحال التوحيد فانشلني إنها
…
عقائد أهل الزيغ والجهل والبعد، وفي عين بحر الذات أغرقني إنه
…
محل شهود الحق في كل مشهد"
(4)
.
وقال أيضًا: "من كحَّل عينيه بإثمد توحيد الذات لا يستبعد أن يكون الحق جل جلاله يتجلَّى بتجلٍّ خاصٍّ من أسرار ذاته وأنوار صفاته
…
إذ تجلِّياته لا تنحصر، بل كل ما ظهر في عالم الشهادة فإنما هو نورٌ من تجلِّي ذاته"
(5)
.
وهذه الأقوال السابقة تُعدُّ من الانحراف العظيم في باب الاعتقاد؛ لما فيها من التعدي على خصائص ربوبية الله عز وجل والتي خالف فيها النصوص الشرعية التي
(1)
البحر المديد 3/ 151.
(2)
عبد السلام بن مشيش بن أبي بكر منصور بن علي، ولد في جبل العلم القريب من تطوان، وتوفي به سنة 625 هـ، اشتهر بالصلاة المشيشية، وهي ورد لأهل الوحدة والاتحاد. ينظر: الروض العطر الأنفاس، ص 312، طبقات الشاذلية، ص 85.
(3)
شرح صلاة القطب ابن مشيش، ص 31.
(4)
الفهرسة، ص 108.
(5)
البحر المديد 2/ 225.
دلَّت على تصرف الله عز وجل المطلق في الكون، ومن ادَّعى غير ذلك فقد أشرك في الربوبية، قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}
(1)
.
قال الشيخ السعدي في تفسيره: يقول تعالى مبيِّنًا لربوبيته وإلهيته وعظمته خلقه لها في ستة أيام مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة، ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنَّه رفيقٌ في أفعاله.
ومن جملة حكمته فيها أنَّه خلقها بالحقِّ وللحق، ليعرف بأسمائه وصفاته ويفرد بالعبادة.
ثم بعد خلق السماوات والأرض استوى على عرشه استواءً يليق بعظمته.
ويُدَبِّرُ الأمْرَ في العالم العلوي والسُّفلي من الإماتة والإحياء، وإنزال الأرزاق، ومداولة الأيام بين الناس، وكشف الضرِّ عن المضرورين، وإجابة سؤال السائلين.
فأنواع التدابير نازلة منه وصاعدة إليه، وجميع الخلق مذعنون لعزِّه خاضعون لعظمته وسلطانه
(2)
.
قال ابن تيمية: "فما من مخلوق إلا له شريك وند، والرَّبُّ سبحانه وحده هو الذي لا شريك له ولا ندَّ بل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولهذا لا يستحق غيره أن يُسمَّى خالقًا ولا ربًّا مطلقًا ونحو ذلك"
(3)
.
(1)
سورة يونس: 3.
(2)
ينظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان 1/ 357.
(3)
مجموع الفتاوى 2/ 35.
وقال أيضًا: "والقرآن ملآن من توحيد الله تعالى وأنَّه ليس كمثله شيء، فلا يمثل به شيءٌ من المخلوقات في شيءٍ من الأشياء إذ ليس كمثله شيءٌ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا فيما يستحقه من العبادة والمحبة والتوكل والطاعة والدعاء وسائر حقوقه، قال تعالى:{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
(1)
فلا أحد يساميه، ولا يستحق أن يُسمَّى بما يختصُّ به من الأسماء ولا يساويه في معنى شيءٍ من الأسماء لا في معنى الحي ولا العليم ولا القدير ولا غير ذلك من الأسماء ولا في معنى الذات والموجود ونحو ذلك من الأسماء العامَّة ولا يكون إلهًا ولا ربًّا ولا خالقًا، فقال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
(2)
.
فلم يكن أحدٌ يكافئه في شيءٍ من الأشياء: فلا يساويه شيءٌ ولا يماثله شيءٌ ولا يعادله شيء"
(3)
.
ويبيِّن ابن القيم حقيقة الشرك عند المتصوفة الذي أشركوا مع الله عز وجل إذ يقول: "ومذهب القوم أنَّ عُبَّاد الأوثان وعُبَّاد الصُّلبان وعُبَّاد النيران وعُبَّاد الكواكب كلّهم موحِّدون، .... ومن عبد النار والصليب فهو موحِّدٌ عابدٌ لله، والشرك عندهم إثبات وجود قديمٍ وحادثٍ وخالقٍ ومخلوقٍ وربٍّ وعبد، ولهذا قال بعض عارفيهم وقد قيل له: القرآنُ كلُّه يبطل قولكم، فقال: القرآنُ كلُّه شركٌ والتوحيد هو ما نقوله"
(4)
.
(1)
سورة مريم: 65.
(2)
سورة الإخلاص: 1 - 4.
(3)
مجموع الفتاوى 27/ 366.
(4)
مدارج السالكين 3/ 542.