الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاسقًا فاجرًا صاحب معاصي، ضالًّا وهو على السُّنَّة، فاصحبه، واجلس معه، فإنه ليس يضرك معصيته، وإذا رأيت الرَّجل مجتهدًا في العبادة متقشِّفًا محترقًا بالعبادة صاحب هوى، فلا تجالسه، ولا تقعد معه، ولا تسمع كلامه، ولا تمش معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته؛ فتهلك معه"
(1)
.
ثانيًا: طريقة تأسيس العلاقة بين المريد والشيخ
"يعتبر أخذ العهد وتلقين الورد أولى علامات قبول المريد وتأسيس العلاقة بينه وبين شيخه"
(2)
.
لهذا يقول ابن عجيبة: "فلما قبضت الورد من شيخنا البوزيدي، لبست جلابة غليظة،
…
واستأذنت الشيخ في لبس المرقَّعة
(3)
"
(4)
.
هكذا تأثر الصوفية بالرهبنة المسيحية التي كان فيها الرهبان يلبسون الصوف وهم في أديرتهم كثرة كثيرة من المنقطعين لهذه الممارسة على امتداد الأرض التي حررها الإسلام بالتوحيد أعطى هو الآخر دورًا في التأثير الذي بدا على سلوك الأوائل
(5)
.
يقول المستشرق جولد تسيهر
(6)
: "ومما يدلُّ أيضًا على أثر العقائد الهندية أنَّ
(1)
شرح السُّنَّة 1/ 120.
(2)
التصوف كوعي وممارسة، ص 131.
(3)
وأمر بعض الصوفية مثل محمد الحبيب الدرقاوي أتباعه ومريديه بارتداء أفضل الملابس التي يسمح بها وضعهم الاجتماعي. ينظر: الأثر الصوفي المغربي في بريطانيا، الزاوية الدرقاوية نموذجًا، ص 109.
(4)
الفهرسة، ص 54.
(5)
ينظر: الصوفية معتقدًا وسلوكًا، ص 17.
(6)
هو: مستشرق مجرِّي من أصل يهودي، ولد سنة 1850 م في المجر، ودرس في بودابست، وأكمل دراسته في برلين، زار مصر والشام وفلسطين في رحلة علمية، وأصبح أستاذًا للغات السامية سنة 1894 م في بودابست، توفي سنة 1921 م. ينظر: موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، ص 119.
المريد عندما يتم قبوله في الجماعة الصوفية يمنح خرقة تعتبر رمزًا إلى الفقر واعتزال الدنيا،
…
ولكن لا نستطيع أن نتجاهل أن الخرقة كرمز للاندماج في الجماعة الصوفية تشبه طريق الاندماج في جماعة (البيكشو) الهندية الذي يتم تسليم الثوب ومعرفة القواعد والآداب التي يتحتم على المريد اتباعها"
(1)
.
ولبس الخرقة من البدع التي اقترفها الصوفية، واهتمُّوا بتأليف الكتب فيها
(2)
، ولقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ليس لها أصل من الدين، فقال: وأما لباس الخرقة فليس لها أصل يدلُّ عليها الدلالة المعتبرة من جهة الكتاب والسُّنَّة ولا كان المشايخ المتقدمون وأكثر المتأخرين يلبسونها.
وأمَّا ما يستدلون به على قولهم بأنَّ امرأة نسجت
(3)
بردة وأعطتها النبي صلى الله عليه وسلم ثم سألها منه أحد الصحابة رضي الله عنهم ليس فيه دليل على الوجه الذي يفعلونه، فإن إعطاء الرجل لغيره ما يلبسه كإعطائه إياه ما ينفعه وأخذ ثوب من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على وجه البركة ليس هذا كلباس الخرقة بقصد المتابعة والاقتداء، أو اتخاذ ذلك سُنَّة وطريق إلى الله
(4)
.
وما زعموا بأنَّ لهم أصلًا في إسنادها إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فهذا كذب مختلق باتفاق أهل المعرفة بسُنَّته صلى الله عليه وسلم
(5)
.
(1)
العقيدة والشريعة في الإسلام، ص 145 - 146.
(2)
لبس الخرقة في السلوك الصوفي، ص 1 - 99.
(3)
من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "جاءت امرأة ببردة، قال سهل: هل تدري ما البردة؟ قال: نعم هي الشَّملة منسوج في حاشيتها، قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها فخرج إلينا وإنها لإزاره فجسَّها رجلٌ من القوم فقال يا رسول الله: اكسنيها قال: «نعم» . أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب البرود والحبر والشملة، 4/ 58، رقم 5810.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 11/ 510.
(5)
ينظر: المصدر السابق 11/ 88.
أما لبس المرقعات فليس من لبس السَّلف، بل كان السَّلف يرقعون ضرورة، وما يشتهر به المتصوفة من هذا اللباس فليس من الزهد في شيء، بل أمرنا الله عز وجل بإظهار النعمة، فقال في محكم التنزيل:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
(1)
،
(2)
.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «البذاذة من الإيمان»
(3)
، وبيَّن معناه الطحاوي بقوله:"أي: أنها من سيما أهل الإيمان، إذ معهم الزُّهد، والتواضع، وترك التكبُّر، كما كان الأنبياء صلوات الله عليهم قبلهم في مثل ذلك"
(4)
.
وكان أحب الثياب إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها: الحِبَرَة
(5)
.
قال ابن بطال رحمه الله: "حِبَرَة. البرود هي: برود اليمن تصنع من قطن، وهى الحبرات يشتمل بها، وهى كانت أشرف الثياب عندهم، ألا ترى أنه عليه السلام سُجِّي بها حين تُوفِّي، ولو كان عندهم أفضل من البرود شيءٌ لسُجِّي به، وفيه جواز لباس رفيع الثياب للصالحين وذلك داخل في معنى قوله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}
(6)
،
(7)
.
قال ابن الجوزي رحمه الله: "ومن الصوفية من يلبس الصوف ويحتج بأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف وبما روي في فضيلة لبس الصوف، فأمَّا لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف
(1)
سورة الضحى: 11.
(2)
ينظر: تلبيس إبليس، ص 234.
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب الترجل، 4/ 393، رقم 4161، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب من لا يؤبه له، 5/ 562، رقم 4118، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 395، وفي الصحيحة، رقم 341.
(4)
شرح مشكل الآثار 4/ 193.
(5)
أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك، كتاب اللباس، باب البرود والحبر والشملة، 4/ 59، رقم 5812.
(6)
سورة الأعراف: 32.
(7)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري 9/ 99.