الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرقاوية، وأنكر على من سجن ابن عجيبة فقال: "وما ذنبه الذي استحق به السجن، والقهر على الرجوع عن حاله، والإشهاد عليه بذلك، واللَّوم والتوبيخ في مجلس أولئك العُلماء مع أنهم لو أنصفوا لجثوا على الرُّكب بين يديه طُول عمرهم
…
فإن قالوا: إنهم رأوا منه ما يخالف الشريعة المطهَّرة، وأثبتوا ارتكابه لأمور من البدع المحرَّمة، فأقول: هو أعرف منهم بالشَّريعة، وأشدهم عملًا بالطريقة والحقيقة"
(1)
.
وهذا يدلُّ على تأثر المكودي بابن عجيبة مثله مثل المعسكري مؤرخ الدرقاوية وطبقاتهم الذي قال عن ابن عجيبة: "كان حُجَّة الطائفة الدرقاوية، مبيِّنًا لأحكامها، وناشرًا لأعلامها، سبر عن علومها حتى صار ينبوعًا لشموسها وأقمارها ونجومها
…
وقد ألَّف نيِّفًا وثلاثين تأليفًا بيَّن فيها الشريعة والطريقة والحقيقة
…
والحاصل هو أشهر من نار على علم، يبعد مثلي أن يُعرِّف به وبأمثاله"
(2)
.
ب أثره على أسرته
لقَّن أحمد بن عجيبة علم الحقيقة أخاه محمد بن محمد بن عجيبة ويكنَّى بأبي عبد الله، وأصبح له نشاطٌ صوفيٌّ في مدينة سلا
(3)
وغيرها، وتاب على يديه كثير من
(1)
سلوك الطريقة الدَّرقاويَّة والرد على منكريها، ص 37.
(2)
مخطوط كنز الأسرار، مخطوط، ل/97.
(3)
سلا: مدينة في المغرب، بينها وبين مراكش على ساحل البحر تسع مراحل، وهي مدينة قديمة أزلية، فيها آثار للأول معروفة بضفة الوادي، متصلة بالعمارة التي أحدثها هناك أحد ملوك بني عبد المؤمن، وكان قد اتخذ أرباب البلد مدينة بالعدوة الشرقية، وهي المعروفة الآن بسلا الحديثة، وهي على ضفة البحر، وسلا القديمة خراب الآن. وأما سلا الحديثة فهي منيعة من جهة البحر، لا يقدر أحد من أهل المراكب على الوصول إليها من جهته، وهي حسنة في أرض رمل، ولها أسواق نافقة وتجارات ودخل وخرج، ولأهلها سعة أموال، والطعام بها كثير رخيص جدًّا. ينظر: الروض المعطار في خبر الأقطار 1/ 319.
العصاة وسلكوا الطريقة الدرقاوية
(1)
، ولقد أُدخل السجن إثر واقعة حدثت له ذكرها أحمد بن عجيبة بقوله: ولما ظهر الطريق وانتشر ذكر الله في البلاد نقم علينا بعضٌ من العوام ادعى على أخي أنه دخل داره، ولقَّن امرأته الورد في غيبته وهو بريءٌ من ذلك، إنما لقَّنها مع بعض النساء في دار غيره، وهو لا يعرفها، فقُبض عليه وأُمِر بسجنه، فقلتُ
(2)
: لا أفارق أخي فسُجِنت معه
(3)
.
أثره على أولاده:
ذكر ابن عجيبة
(4)
أنه في حدود عام 1224 هـ كان متزوجًا بأربع نسوة إضافة إلى اثنتين قد تزوجهما من قبل، واحدة كان قد طلقها والأخرى ماتت بعد سبعة أشهر من البناء، وكان أول زواجه عام 1193 هـ، ومجموع ما ولد له من الأولاد واحد وثلاثون، توفي معظمهم في سنوات الوباء عام 1214 هـ
(5)
، أمَّا الذين ولدوا بعد ذلك وبقوا على الحياة فتسعة: ثلاث إناث وستة ذكور:
أما الذكور فهم:
- محمد الصديق، ولد في العشر الأواخر من رمضان عام 1220 هـ،
(1)
ينظر: كنز الأسرار، مخطوط ل/131، 132.
(2)
القائل: أحمد ابن عجيبة.
(3)
ينظر: الفهرسة، ص 57.
(4)
الفهرسة، ص 86.
(5)
تاريخ تطوان 1/ 135، وينظر: الطاعون الأسود بين الواقع والتأويل في المغرب العربي (أحمد بن عجيبة وحمدان خواجة نموذجًا) رسالة ضمن كتاب خصوصية التجربة الصوفية في المغرب، ص 167.
- أحمد الحاضر، وقد ولد يوم رابع جمادى الآخرة من عام 1222 هـ
- عبد القادر، ولد في صفر من عام 1224 هـ.
وأُمُّهم منانة بنت محمد الرحموني العلمي، وهي آخر من تزوَّج من النساء.
- المهدي، ولد في ذي الحجة عام 1215 هـ.
- عبد السلام، ولد ليلة الثلاثاء آخر رمضان عام 1222 هـ. ـ
وأُمُّهما رحمة بنت المقدم الزراد.
- أمَّا السادس فهو عبد الباقي، وقد ولد في رمضان عام 1221 هـ وأُمُّه فاطمة بنت سيد الهاشمي.
أمَّا محمَّد الصديق
(1)
أو الصادق فكان من العلماء، قضى معظم سنين حياته في تدريس العلم وبثّه بين الناس في البادية، وقد خلف من الذرية أربع بنات، توفي عام 1290 هـ، وله من العمر سبعون سنة، وقد دفن قريبًا من ضريح والده.
وأمَّا أحمد بن أحمد بن عجيبة فقد نزل بطنجة بعدما درَّس العلم بفاس وباشر تدريس العلم بها مع تلقين الطريقة التي كان قد أخذها عن الشيخ أحمد بن عبد المؤمن
(2)
، ولما تبيَّن للناس ما يتصف به نزيل طنجة من حسن الخلق وشرف النسب ومهابة العلم أكرموه وزوجوه من زوجته بالبيت الذي كان يسكنه من دارها، ثم فصلت البيت عن الدار وتركته مزارًا يتبرك به.
(1)
هو: عبد الله محمد بن الصديق الإدريسي الغماري صاحب الطريقة الصديقية ومؤسسها، ولد سنة 1295 هـ، وتوفي سنة 1350 هـ، ينظر: المطرب في مشاهير أولياء المغرب، ص 242، 251.
(2)
هو: أحمد بن عبد المؤمن، ابن الصديق الغماري الحسني، متصوف (درقاوي) تنقل بين الطرق الصوفية بدأ بالطريقة الناصرية، ثم الخلوتية، ثم الطريقة الدرقاوية، نزل بمدينة طنجة وكثر أتباع طريقته، ولد سنة 1200 هـ وتوفي سنة 1262 هـ بها، ينظر: المطرب في مشاهير أولياء المغرب، ص 238، الأعلام 6/ 22.
وقد خلَّف تآليف كثيرة ضاع معظمها، ويذكر أحد أحفاد ابن عجيبة المعاصرين أنَّ له كتابًا في البدع تعرَّض فيه إلى لعب "الكرطة" والشطرنج وغيرهما، كما أنَّ له كتابًا آخر في النيات ضمَّنه آداب زيارة القبور وتحريم ما يرافق ذلك من ممارسات بدعية، وهم يرجعون إليه الفضل في بناء الزاوية الدرقاوية بالأنجرة، ويبدو أن أنجال ابن عجيبة وأحفاده كانوا على قدر من الجاه والمكانة في الوسط الطنجي بعد نزوح أحمد بن أحمد بن عجيبة إليها، فقد أورد جورج سالمون
(1)
نصًّا صدر عام 1905 م يصف حالة الدرقاويين بطنجة قبل تأسيس الشيخ محمد بن الصديق لزاويته بها وفيه: "ويوجد بالفحص الكثير من الدرقاويين التابعين كإخوانهم بطنجة للشيخ ابن عجيبة أي أحمد بن أحمد بزاوية الأنجرة، إذ لا شيخ لدرقاويي طنجة الآن ولكن يوجد بها أولاد ابن عجيبة أنجال الشيخ الكبير بأنجرة وهم محترمون بطنجة كباقي الشرفاء بها".
وقد خلف أحمد بن أحمد بن عجيبة عدة أولاد من بينهم:
- محمد الساعد، وكان إمامًا بقرية الزميج وغيرها من القرى، توفي عام 1346 هـ.
- فاطمة بنت أحمد، أخذت الطريقة الدرقاوية عن عَمِّها سيدي عبد القادر بن عجيبة الآتي ذكره، تأدَّبت بأدب التصوف واشتهرت بالخير والصلاح مما جعلها عظيمة الجاه، مقبولة الشفاعة، وهي والدة محمد بن الصديق مؤسس الزاوية الدرقاوية بطنجة، وزوجها هو الصديق بن أحمد بن عبد المومن أحد تلامذة العربي الدرقاوي.
(1)
جورج سالمون ولد في فرنسا عام 1867 م، ودرس في مدرسة اللغات الشرقية، ثم تابع تعليمه في السوربون بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا في باريس التي تأسست سنة 1868 م، والتي درس فيها العديد من مفكري فرنسا، له مؤلفات منها: أضرحة طنجة، الطرق والزوايا في طنجة. ينظر:
http: //www. aranthropos. com.
- عبد الحفيظ، كان صوفيًّا عالمًا، استقر بمدينة طنجة، وكان ذا وجاهة لدى الخاصة والعامة من الناس، وكثيرًا ما كان يرفع صوته بالهيللة في الطريق، اشتغل بالإمامة والتدريس طوال حياته إلى أن توفي عام 1353 هـ/ 1934 م، وقد زوج ابنته الزهراء لابن أخته فاطمة الشيخ محمد بن الصديق الذي علا صيته وقدره بفضل هذه المصاهرة.
أمَّا عبد القادر بن أحمد بن عجيبة، فقد ولد قبل وفاة أبيه بستة أشهر، ولهذا كان بحاجة إلى من يرعاه رعاية تامة وتربية صالحة، وهو ما تحمَّله الشيخ أبو الحسن علي اللغميش القائم بوظيفة الطريقة بعد وفاة أحمد بن عجيبة، وهكذا سهر على تربية عبد القادر إلى أن بلغ سنًّا يؤهِّله للإمساك بزمام الطريقة، فأصبح عالمًا مربيًا نَهَجَ نهْجَ أبيه في العض على مبادئ الدرقاوية والالتزام بها بشدة، وقد كان له عدد لا يُحصى من الأتباع والمريدين سواء في قبيلة أنجرا أو في قبيلتي غمارة وبني سعيد، وكان محترمًا من طرف الحُكَّام والسُّلطان، حتى إنَّ الملك الحسن الأول عندما زار مدينة تطوان في موكب رسمي سأل عنه فَقُدِّم إليه ومعه اثنان من فقراء الطريقة، يحملان تفسير والده "البحر المديد في تفسير القران المجيد"، فلما مثل بين يديه سلم إليه التفسير هدية وسلم إليه السُّلطان كيسين من النُّقود الحسنيَّة، فأخذهما الشيخ عبد القادر منه وسلمهما لوليِّ العهد آنذاك مولاي عبد العزيز الذي كان حاضرًا مع أبيه، فقال له الملك الحسن الأول:"والله لم أر زاهدًا وصالحًا مثل هذا"، وقد تزوَّج عبد القادر بن عجيبة عدة مرات وخلَّف حوالي أربعين من الأبناء، من بينهم خمسة ذكور كانوا علماء منهم:
- تاج الدين، وكان مقيمًا بتازة ونواحيها مدرِّسًا، وقد قضى بها أكثر من أربعين
سنة عاد بعدها إلى قرية الزميج بعد وفاة والده، وقد اشتغل في القضاء بقبيلة أنجرة وخلَّف كتابًا في علم الوثائق، توفي عام 1342 عن سنٍّ يناهز الخامسة والثمانين ودُفن داخل ضريح والده.
- أحمد بن عبد القادر بن عجيبة، قضى حياته كلها في التدريس، سكن في الزميج ثم ارتحل إلى قبيلة غمارة حيث أخذ يعظ الناس ويرشدهم إلى معالم الطريق الصوفي، ثم ارتحل بعد ذلك إلى قبيلة بني سعيد حيث بنى زاوية هناك بقرية (أخليفاتن) عرفت بالزاوية الدرقاوية العجيبة، توفي عام 1354 هـ عن سنٍّ يناهز التسعين سنة.
ومن أبناء عبد القادر بن عجيبة أيضًا المأمون والأمين وعبد السلام.
ويظهر أنَّ أحمد بن عجيبة كان في سعةٍ من الرزق ولديه ما يكفيه لكي يعول أسرته بكامل أفرادها، فقد كان يملك دارين عامرتين إحداهما ببني سعيد وأخرى بالزميج، كما بُنيت له ثالثة بالفحص إلا أنه لم يسكنها، يقول في فهرسته في معرض تحدُّثه عمَّا منَّ به الله عليه في هذا الشأن: "وعندي داران وهما قائمتان بالله في كلِّ ما نحتاج إليه من مطعم ومشرب وملبس، وأهلي والحمد لله أغنياء، كل زوجة لها كسوة بنات الأغنياء وفراش الأغنياء، كل ذلك من عند الله، إذ ليس عندي خراجٌ معلوم ولا راتبٌ مرتَّب إلا ما يفتح الله به من الغيب، ومع كلِّ دار زاوية معمورة بالفقراء ويخرج إليها الطعام في الصباح والغداء والعشاء، وفي كل زاوية فقيهٌ ومؤذِّنٌ مرتبان، فلله الحمد وله الشكر
…
"
(1)
.
(1)
ينظر: ابن عجيبة ومنهجه في التفسير 1/ 98 - 102.