الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس:
دعوى التلقي عن الخضر عليه السلام
-
للخضر عليه السلام مكانة كبيرة عند الصوفية، ويسعى بعضهم أن يلتقي به ويأخذ عنه العلوم الباطنة، إذ هي المقدمة عندهم، بل اعتقدوا أن تلقي العلم عن الخضر لا يقبل الشك ولا الخطأ، ولم يسلم ابن عجيبة من التأثر بمعتقدات الصوفية في الخضر ومما يوضح ذلك آراؤه فيه.
أولًا: رأي ابن عجيبة في الخضر عليه السلام أنبيٌّ هو أم ولي
قال في تفسير قول الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}
(1)
هي الوحي والنبوة، كما يُشعر به تنكير الرحمة، وإضافتها إلى جناب الكبرياء، وقيل: هي سرُّ الخصوصية، وهي الولاية، فالخضر عليه السلام قيل: إنه نبيٌّ بدليل قوله في قول الله عز وجل: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}
(2)
وقيل: وَلِيٌّ
(3)
.
وعند تأمُّل ما ذكره ابن عجيبة نجد أنه لم يجزم في حال الخضر عليه السلام أنبيٌّ هو أم ولي، وجمهور العلماء على أنه نبيٌّ مرسلٌ من الله عز وجل.
قال الثعلبي
(4)
: "هو نبيٌّ في جميع الأقوال"
(5)
.
(1)
سورة الكهف: 65.
(2)
سورة الكهف: 82.
(3)
البحر المديد 3/ 288.
(4)
أبو إسحاق، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، مفسِّر، له تفسير (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) مشهورٌ بتفسير الثعلبي، وهو من أهل نيسابور، توفي سنة 427 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 1/ 79 - 80، البداية والنهاية 15/ 659 هـ.
(5)
الزهر النضر في حال الخضر 1/ 28.
وقال القرطبي
(1)
: "والخضر نبيٌّ عند الجمهور"
(2)
.
وقال أبو حيان
(3)
: "والجمهور على أنه نبيٌّ"
(4)
.
وقال ابن حجر: " غالب أخباره مع موسى عليه السلام هي الدالة على تصحيح قول من قال: إنه كان نبيًّا"
(5)
.
والقول بعدم نبوته بنى عليه المتبعون له أمورًا مخالفة لما عليه أهل العلم المحققين، وهي:
1 -
أفضلية الوليِّ من النبي
(6)
.
2 -
استطاعة الولي الاستغناء عن محمَّد صلى الله عليه وسلم كما استغنى الخضر عليه السلام عن موسى عليه السلام.
3 -
لخاتم الأولياء طريق إلى الله عز وجل يستغني به عن خاتم الأنبياء
(7)
.
قال ابن القيم: "فمن ادَّعى أنَّه مع محمد صلى الله عليه وسلم كالخضر مع موسى، أو جوَّز ذلك لأحدٍ من الأُمَّة فليجدد إسلامه، وليتشهد شهادة الحق؛ فإنَّه بذلك مفارق
(1)
أبو العباس، أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري القرطبي، ولد سنة 578 هـ، من مصنفاته: المفهم لما أشكل من كتاب مسلم، الجامع لمقاصد الأصول، توفي سنة 656 هـ. ينظر: البداية والنهاية 13/ 213، شذرات الذهب 5/ 273 - 274.
(2)
الزهر النضر في حال الخضر 1/ 28.
(3)
أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي الجياني الغرناطي، الإمام الكبير في العربية والبلاغة والتفسير، ولد سنة 654 هـ، ونشأ في غرناطة الأندلس، ورحل إلى مالقة، ثم أقام في القاهرة وتوفي فيها، سنة 745 هـ. ينظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 5/ 70، الأعلام 7/ 152.
(4)
البحر المحيط 7/ 204.
(5)
الزهر النضر في حال الخضر 1/ 68.
(6)
سيأتي بحث المسألة في موضعه إن شاء الله.
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 339.
لدين الإسلام بالكلية، فضلًا عن أن يكون من خاصَّة أولياء الله، وإنما هو من أولياء الشيطان وخلفائه ونوَّابه، وهذا الموضع مقطع ومفرق بين زنادقة القوم، وبين أهل الاستقامة منهم، فحرِّكْ تَرَه"
(1)
.
ومن أدلتهم على كونه نبيًّا:
1 -
قال تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}
(2)
.
2 -
(3)
.
قال ابن كثير رحمه الله: "فلو كان وليًّا وليس بنبيٍّ لم يخاطبه موسى عليه السلام بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى عليه السلام هذا الرد، بل موسى عليه السلام إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله عز وجل به دونه، فلو كان غير نبيٍّ لم يكن معصومًا، ولم تكن لموسى عليه السلام وهو نبيٌّ عظيمٌ ورسولٌ كريمٌ واجبُ العصمة كبيرُ رغبةٍ ولا عظيمُ طَلِبَة في علمِ وليٍّ غيرِ واجب العصمة، ثمَّ لما اجتمع به تواضع له وعظَّمه واتبعه في صورة مستفيد منه، دلَّ على أنَّه نبيٌّ مثلُهُ يُوحى إليه كما يُوحى إليه"
(4)
.
(1)
مدارج السالكين 2/ 496.
(2)
سورة الكهف: 82.
(3)
سورة الكهف: 66 - 70.
(4)
البداية والنهاية 2/ 248 - 249، وينظر: تفسير ابن كثير 5/ 170.