الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومقصود الصوفية من المقامات هي المراحل التي يسلكها السالك في العبادات.
قال ابن عجيبة: "فمقامات اليقين ينزل فيها الفقير أوَّلًا بالحال، ثم تصير مقامًا
…
فلا بدَّ أن يكون سلك مقام الزهد حالًا، ثم مقامًا، وكذلك الورع والرضا، والتسليم، والمراقبة والمشاهدة"
(1)
.
"فإن قيل ما معنى المقامات؟ يقال: معناه مقام العبد بين يدي الله عز وجل فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع إلى الله عز وجل "
(2)
.
ثانيًا: تعيين المقامات والأحوال
رغم شهرة الأحوال والمقامات عند القوم إلا أنهم لم يتفقوا على تعيينها، فظهر الاختلاف في تعيين المقامات والأحوال، قال ابن عجيبة:"وقد يطلق الحال على المقام، فيقال فلان صار عند الشهود مثلًا حالًا"
(3)
.
وعدَّ ابن عجيبة خمسة عشر مقامًا منها: "التوبة، والتقوى، والاستقامة، والزهد، والورع، والخوف، والرجاء،
…
"
(4)
.
وقيل هي تسعة: "التوبة، والزهد، والصبر، والشكر، والخوف، والرضا، والرجاء، والتوكل، والمحبة"
(5)
.
وقد بيَّن ابن القيم رحمه الله اختلاف القوم في تعيين المقامات فقال: "ولأرباب
(1)
الفتوحات الإلهية، ص 355 - 356.
(2)
اللمع، ص 65.
(3)
معراج التشوف، ص 44.
(4)
إيقاظ الهمم، ص 319، معراج التشوف، ص 17 - 25.
(5)
ينظر: التنوير في إسقاط التدبير، لابن عطاء، ص 52 - 53.
السلوك اختلاف كثير في عدد المقامات وترتيبها، كلٌّ يصف منازل سيره، وحال سلوكه، ولهم اختلاف في بعض منازل السير هل هي من قسم الأحوال؟ والفرق بينهما: أنَّ المقامات كسبية، والأحوال وهبية، ومنهم من يقول: الأحوال من نتائج المقامات، والمقامات نتائج الأعمال، فكلُّ من كان أصلح عملًا كان أعلى مقاما، وكلُّ من كان أعلى مقامًا كان أعظم حالًا
…
والصحيح في هذا أن الواردات والمنازلات لها أسماء باعتبار أحوالها، فتكون لوامع وبوارق ولوائح عند أول ظهورها وبدوها، كما يلمع البارق ويلوح عن بعد، فإذا نازلته وباشرها فهي أحوال، فإذا تمكَّنت منه وثبتت له من غير انتقال فهي مقامات، وهي لوامع ولوائح في أولها، وأحوال في أوسطها، ومقامات في نهاياتها، فالذي كان بارقًا هو بعينه الحال، والذي كان حالًا هو بعينه المقام، وهذه الأسماء له باعتبار تعلقه بالقلب، وظهوره له، وثباته فيه، وقد ينسلخ السَّالك من مقامه كما ينسلخ من الثوب، وينزل إلى ما دونه، ثم قد يعود إليه، وقد لا يعود"
(1)
.
وكذلك ردَّ عليهم ابن القيم في دعوى وجوب ترتيب المقامات فقال: "على أنَّ الترتيب الذي يشير إليه كلُّ مرتب للمنازل لا يخلو عن تحكُّم، ودعوى من غير مطابقة، فإنَّ العبد إذا التزم عقد الإسلام، ودخل فيه كله، فقد التزم لوازمه الظاهرة والباطنة، ومقاماته وأحواله، وله في كل عقد من عقوده وواجب من واجباته أحوال ومقامات، لا يكون موفيًا لذلك العقد والواجب إلا بها، وكُلَّما وفى واجبًا أشرف على واجب آخر بعده، وكلما قطع منزلة استقبل أخرى، وقد يعرض له أعلى المقامات والأحوال في أول بداية سيره، فينفتح عليه من حال المحبة والرضا والأنس
(1)
مدارج السالكين 1/ 151 - 152.
والطمأنينة ما لم يحصل بعد لسالك في نهايته، ويحتاج هذا السالك في نهايته إلى أمور من البصيرة، والتوبة، والمحاسبة أعظم من حاجة صاحب البداية إليها، فليس في ذلك ترتيب كُليٌّ لازم للسلوك"
(1)
.
وأوضح رحمه الله أنَّ المتأخرين من المتصوفة خالفوا المتقدمين في الطريقة يقول: "فالأولى الكلام في هذه المقامات على طريق المتقدمين من أئمة القوم كلامًا مطلقًا في كلِّ مقام مقام، ببيان حقيقته وموجبه، وآفته المانعة من حصوله، والقاطع عنه، وذكر عامه وخاصه، فكلام أئمة الطريق هو على هذا المنهاج
…
فإنهم تكلموا على أعمال القلوب، وعلى الأحوال كلامًا مفصلًا جامعًا مبيّنًا مطلقًا من غير ترتيب، ولا حصر للمقامات بعدد معلوم، فإنهم كانوا أجلَّ من هذا، وهمهم أعلى وأشرف، إنما هم حائمون على اقتباس الحكمة والمعرفة، وطهارة القلوب، وزكاة النفوس، وتصحيح المعاملة، ولهذا كلامهم قليل، فيه البركة، وكلام المتأخرين كثير طويل قليل البركة"
(2)
.
أما عقيدة أهل السُّنَّة فتوجب الجمع بين المقامات، ليس كما قال ابن عجيبة:"ألا يترقى مقامًا حتى يستوفي أحكامه"
(3)
.
قال ابن القيم رحمه الله: "كلُّ مقام مع الذى فوقه، كالتوكل مع الرضا، وكالخوف والرجاء مع الحب، فإِنَّ المقام لا ينعدم بالترقي إلى الآخر ولو عدم لخلفه ضده؛ وذلك رجوع إلى نقص الطبيعة وصفات النفس المذمومة، وإِنما يندرج حكمه في المقام الذى أعلى منه، فيصير الحكم له كما يندرج مقام المتوكل في مقام المحبة والرضا، وليس هذا كمنازل سير الأبدان الذى إذا قطع منها منزلًا خلَّفه وراءَ ظهره واستقبل المنزل الآخر معرضًا عن الأَول بارتحاله"
(4)
.
(1)
مدارج السالكين 1/ 158.
(2)
المرجع نفسه 1/ 158.
(3)
الفتوحات الإلهية، ص 95.
(4)
طريق الهجرتين، ص 219.