الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الوجد
أولًا: معنى الوجد في اللغة
له معان عدة في اللغة وهي: الحصول على الشيء، والحزن، والغضب، والحب، والسعة في الرزق، يقول الخليل بن أحمد
(1)
: "الوجد، من الحزن، والموجدة من الغضب، والوجدان، والجِدة من قولك: وجدت الشَّيء، أي: أصبته"
(2)
.
وقال ابن فارس
(3)
: "الواو والجيم والدال، يدلُّ على أصلٍ واحد، وهو الشي يُلفيه، ووَجَدْتُ الضَّالَّة وِجْدانًا، وحكى بعضُهم: وجَدتُ في الغضَب وِجدانًا"
(4)
.
ثانيًا: معنى الوجد عند الصوفية
هو ما يصادف القلب من فزعٍ، أو همٍّ، أو غمٍّ، أو رؤيةِ معنى من أحوال الآخرة، أو كشفِ حالةٍ بين العبد وبين الله عز وجل، أو هو ما يرد على القلب بلا تعمُّد، وتكلُّف
(5)
.
وعرَّفه ابن عجيبة بقوله: "هو واردٌ يحرِّك القلب ويزعجه، إمَّا شوقٌ مقلق، فيثير بسطًا وسرورًا، وإمَّا خوفٌ مزعجٌ فيثير قبضًا وحزنًا"
(6)
.
(1)
أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدي، أول من اخترع العروض والقوافي، ولد سنة مائة، له مؤلفات كثيرة منها: العين، معاني الحروف، جملة آلات العرب، مات سنة 170 هـ، أو 175 هـ. ينظر: المنتظم 7/ 279، البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة 1/ 21.
(2)
العين 6/ 169.
(3)
أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب القزويني، المعروف بالرازي، المالكي، لغوي، محدِّث، نزيل همذان، له مؤلفات منها: مجمل اللغة، جامع التأويل، ذم الخطأ في الشعر، مات سنة 393 هـ. ينظر: الوافي بالوفيات 9/ 69، سير أعلام النبلاء 17/ 80، 82.
(4)
مقاييس اللغة 6/ 86.
(5)
ينظر: التعرف لمذهب أهل التصوف، ص 112، الرسالة القشيرية 1/ 162.
(6)
شرح خمرية ابن الفارض، ص 20 - 21.
أما الوجدان فهو: دوام حلاوة الشهود، واتصالها للواجد مع غلبة السُّكر والدَّهش فإن استمر مع ذلك حتى زالت الدَّهشة والحيرة وصفيت الفكرة والنظرة فهو الوجود، والسماع هو مَثَار الوُجد، أي سماع خطاب المحبوب، ومَثَار الوُجدان، هو شهود جمال المحبوب،
…
ومثال ذلك الطفل في المهد، فإنه يسكن إذا تحرَّك به المهد، ويبكي إذا سكن، كذلك القلب يرتاح إذا تحرَّك القلب، وإلا بقي يضطرب فربما يخرج عن طوره.
وأمَّا صاحب الوُجد فهو ساكنٌ متمكِّن قد استأنس بالحضرة، فربما يخرج عن طوره، وأمَّا صاحِبُ الوجدان فهو ساكنٌ متمكِّن قد استأنس بالحضرة، وزالت عنه الدهشة والحيرة فهو كالجبل الرَّاسي، قيل للجنيد: ما لك؛ كنت تتواجد عند السماع ثم صرت لا يتحرَّك منك شيء؟ فتلا قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}
(1)
.
وشاهد ذلك صواحِب يوُسُف عليه السلام، فإنه لما فاجأهنَّ بباهر جماله: غبن عن إحساسهن {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}
(2)
.
وكذلك أرباب الوجدان لما استشرفوا على نُور الحضرة، دهشُوا وغابوا عن إحساسهم، فإذا تمكَّنوا من شهودها وأنسوا بها لم يحركهم شيءٌ من أنوارها، وقد يغلب على العارف شهود الجمال فيرقص ويطرب لكنه نادر"
(3)
.
ثم إنَّ الوارد الذي يحرك القلب ويزعجه عند ابن عجيبة يأتي عن طريق السماع
(1)
سورة النمل: 88.
(2)
سورة يوسف: 31.
(3)
ينظر: شرح خمرية ابن الفارض، ص 20 - 21.
الصوفي المقيَّد بالنغم، قال ابن عجيبة:"إذا كان الغناء يهيج لذكر الله، ويحرك إلى حضرة الله كان حقًّا، وإذا كان يحرك إلى الهوى النفساني كان باطلًا، والحاصل أنَّ السماع عند الصوفية ركن من أركان الطريقة"
(1)
، وقال أيضًا: "وقد حضرت سماعًا مع شيخنا البوزيدي، فكان يتمايل يمينًا وشمالًا
…
ولا ينكر السماع إلا جامدًا جاهل خال من أسرار الحقيقة"
(2)
.
بل إنَّ ابن عجيبة يردُّ على من اعترض على السماع، بقوله:"اعلم أنَّ اعتراض أهل الظاهر على الصوفية لا ينقطع أبدًا، هذه سُنَّة ماضية، وخصوصًا في السَّماع والرَّقص، وهم معذورون؛ لأنهم لا يشاهدون إلَاّ ذواتًا ترقص وتشطح، ولا يدرون ما في باطنها من المواجيد والأفراح، فيحملون ذلك على خِفَّة العقل والطيش، فيقعون فيهم إلَاّ من عصمه الله بالتسليم، ولذلك كان التصديق بطريقة القوم والاعتراض جناية"
(3)
.
فهو أساس الوُجد وعبر عنه بالبسط والقبض للقلب، وعرّفهما ابن عجيبة بقوله:"البسط فرحٌ يعتري القلوب أو الأرواح، إما بسبب قرب شهود الحبيب أو شهود جماله، أو بكشف الحجاب عن أوصاف كماله، وتجلِّي ذاته، أو بغير سبب، والقبض: "حزنٌ وضيقٌ يعتري القلب، إمَّا بسبب فوات مرغوب، أو عدم حصول مطلوب، أو بغير سبب"
(4)
، وتلحظ من التعريف أنَّ ثمرة البسط والقبض في الوُجد، الكشف عن الحجاب -أي- معرفة الغيب، وثمرة الكشف وحلاوة الشهود التي
(1)
البحر المديد 4/ 326.
(2)
معراج التشوف، ص 61.
(3)
إيقاظ الهمم، ص 300.
(4)
إيقاظ الهمم، ص 172، ومعراج التشوف، ص 45.
ذكرها هي القول بالحلول والاتحاد، وإليك نصًّا من أقوال ابن عجيبة بقضية الحلول والاتحاد قال:"يفتح لك الباب، ويرفع بينك وبينه الحجاب، فتتنزَّه في كمال الذات، وشهود الصفات، فتغيب عن أثر الجلال والجمال بشهود الكبير المتعال، فلا جلاله يحجبك عن جماله، ولا ذاته تحبسك عن صفاته، ولا صفاته تحبسك عن ذاته، تشهد جماله في جلاله، وجلاله في جماله، وتشهد ذاته في صفاته، وصفاته في ذاته"
(1)
، أين هو من قول الله عز وجل:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
(2)
،
قال الشيخ السعدي: "لعظمته، وجلاله وكماله، أي: لا تحيط به الأبصار، وإن كانت تراه، وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم، فنفي الإدراك لا ينفي الرؤية، بل يثبتها بالمفهوم، فإنه إذا نفى الإدراك الذي هو أخص أوصاف الرؤية، دلَّ على أنَّ الرؤية ثابتة، فإنه لو أراد نفي الرؤية لقال: "لا تراه الأبصار" ونحو ذلك، فعلم أنه ليس في الآية حجة لمذهب المعطلة، الذين ينفون رؤية ربهم في الآخرة، بل فيها ما يدلُّ على نقيض قولهم، أي: هو الذي أحاط علمه، بالظواهر والبواطن، وسمعه بجميع الأصوات الظاهرة، والخفيَّة، وبصره بجميع المبصرات، صغارها، وكبارها، ولهذا قال: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الذي لطف علمه وخبرته، ودقَّ حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن"
(3)
.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية:
…
وهذا الذي يهيجه السماع المبتدع، ليس هو الذي يحبه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم بل اشتماله على ما لا يحبه الله عز وجل وعلى
(1)
إيقاظ الهمم، ص 173.
(2)
سورة الأنعام: 103 ..
(3)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان 1/ 268.
ما يبغضه أكثر من اشتماله على ما يحبه ولا يبغضه وحده عما يحبه الله ونهيه عن ذلك أعظم، من تحريكه لما يحبه الله عز وجل وإن كان يثير حبًّا وحركةً ويظن أنَّ ذلك يحبه الله عز وجل وأنه مما يحبه الله فإنما ذلك من باب اتباع الظن، ومما يبيِّن ذلك أنَّ الله عز وجل بيَّن في كتابه محبته وذكر موجباتهما وعلاماتها وهذا السماع يوجب مضادًّا لذلك منافيًا له وذلك أن الله عز وجل بيَّن في كتابه الكريم كيف تكون محبته؟ قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}
(1)
.
(2)
فكلُّ من اتبع ذوقًا أو وجدًا بغير هدى من الله عز وجل سواءً كان ذلك عن حبٍّ أو بغضٍّ فليس لأحدٍ أن يتبع ما يحبه فيأمره به، ويتخذه دينًا وينهى عمَّا يبغضه ويذمُّه ويتخذ ذلك دينًا إلا بهدى من الله عز وجل وهو شريعة الله عز وجل التي جعل عليها رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن اتبع ما يهواه حبًّا وبغضًا بغير الشريعة فقد اتبع هواه بغير هدى من الله عز وجل، ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شيءٍ من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء ويذمونهم بذلك، ويأمرون بألا يغتر بهم ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج أو العبادة والأحوال مثل المكاشفات وخرق العادات
(3)
.
ولا ريب أنَّ قول ابن عجيبة في السماع بأنه قربة إلى الله عز وجل ورمي من ينكره بالجهل فهو من مصادمة النصوص الشرعية التي أبطلته وبيَّنت عواره، وزيغ من جعله قربةً وديانة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(1)
سورة البقرة: 165.
(2)
سورة آل عمران: 31.
(3)
الاستقامة، ص 192.
الأدلة من الكتاب والسُّنَّة على بطلانه:
(1)
.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لهو الحديثِ هو الِغناء» ، ذكر ذلك البغوي وقال معنى قوله:{يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} أي: يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن
(2)
.
وقال ابن كثير: إنَّ لهو الحديث هو الغناء
(3)
.
وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ}
(4)
ـ قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هو الغِناء»
(5)
.
(6)
.
قال مجاهد
(7)
: بصوتك بالغناء والمزامير
(8)
.
(1)
سورة لقمان: 6.
(2)
تفسير البغوي 6/ 286.
(3)
تفسير القرآن العظيم 3/ 450 - 451.
(4)
سورة النجم: 61.
(5)
تفسير البغوي 7/ 421.
(6)
سورة الإسراء: 64.
(7)
أبو الحجاج، مجاهد بن جبر المخزومي مولاهم المكي المقري، تابعيٌّ، مُفسِّر، سمع سعدًا، وعائشة وأبا هريرة وأم هانئ وعبد الله بن عمر وابن عباس ولزمه مدَّة، وقرأ عليه القرآن، وكان أحد أوعية العلم روى عنه قتادة، والحكم بن عتيبة وعمرو بن دينار ومنصور، قال مجاهد: عرضتُ القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كلِّ آيةٍ أسأله فيما نزلت، وكيف كانت، توفي سنة 103 هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ 1/ 92، طبقات المفسرين 1/ 11، سير أعلام النبلاء 8/ 10.
(8)
تفسير البغوي 5/ 105.
ومن السُّنَّة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ
…
»
(1)
.
وجاء في شرح هذا الحديث بأنَّ المقصودَ من استحلال (الحِر) استحلالُ الحرام من الفروج، فهذا بالحاء والراء المهملتين، واستحلال (الحرير): استحلالُ النهي عنه، وقد ورد النهي في كتاب الله تعالى عن هذا بقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
(2)
، والمعازف بالزاي المعجمة: آلات اللهو
(3)
.
وقال ابن تيمية: "وبالجملة فعلى المؤمن أن يعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئًا يقرِّب إلى الجنَّة إلَّا وقد حدَّث به ولا شيئًا يبعد عن النار إلا وقد حدَّث به، وإنَّ هذا السماع لو كان مصلحة لشرعه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنَّ الله يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(4)
، وإذا وجد فيه منفعة لقلبه ولم يجد شاهد ذلك لا من الكتاب ولا من السُّنَّة لم يلتفت إليه"
(5)
.
وقال ابن القيم: "ومن مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قلَّ نصيبه من العلم والعقل والدين وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحلُّ الخمر ويسميه بغير اسمه 6/ 243، رقم 5590.
(2)
سورة النور: 63.
(3)
ينظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح 27/ 126.
(4)
سورة المائدة: 3.
(5)
مجموع الفتاوى 11/ 587، 595.
والغناء بالآلات المحرَّمة الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفةً على الفسوق والعصيان فهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة وحسَّنه لها مكرًا منه وغرورا، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورا
…
ويا شماتة أعداء الإسلام بالدين يزعمون أنهم خواص الإسلام قضوا حياتهم لذة وطربًا واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، مزامير الشيطان أحبُّ إليهم من استماع سور القرآن.
لو سمع أحدهم القرآن من فاتحته إلى خاتمته لما حرَّك له ساكنًا ولا أزعج له قاطنًا ولا أثار فيه وجدًا ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى النار زندًا، حتى إذا تُلي عليه قرآن الشيطان وولج مزموره سمعه تفجَّرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت، وعلى يديه فصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزَّت وطربت، وعلى أنفاسه فتصاعدت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى نيران أشواقه فاشتعلت، فيا أيها الفاتن المفتون
…
هلا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن!، وهذه الأذواق والمواجيد عند قراءة القرآن المجيد!، وهذه الأحوال السنيات عند تلاوة السور والآيات!، ولكن كل امرئٍ يصبو إلى ما يناسبه، ويميل إلى ما يشاكله، والجنسية
(1)
علة الضمِّ قدرًا وشرعًا، والمشاكلة سبب الميل عقلًا وطبعًا، فمن أين هذا الإخاء والنسب؟ لولا التعلُّق من الشيطان بأقوى سببٍ ومن أين هذه المصالحة التي أوقعت في عقد الإيمان وعهد الرحمن خللًا؟ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}
(2)
"
(3)
.
(1)
فإنَّ الجنسية علَّة الضَّمّ، فإن اتفقت هذه الحالة في النفس الخيِّرة سُمِّي ذلك المعيَّن ملكًا، وإن اتفقت في النفس الشريرة سُمِّي ذلك المعيَّن شيطانًا وتلك الإعانة وسوسة. ينظر: كشف اصطلاحات الفنون والعلوم 1/ 989.
(2)
سورة الكهف: 50.
(3)
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 1/ 234.
أمَّا الآثار الفاسدة من أقوال ابن عجيبة السابقة فمنها:
أولًا: الحلول والاتحاد.
ثانيًا: وحدة الشهود التي عبَّر عنها بحلاوة الشهود مع دوام السكرة تحصل الدهشة.
ثالثًا: وحدة الوجود.
رابعًا: تلبسهم بأحوال شيطانية، قال ابن الجوزي:"هذا التواجد، الذي يتضمَّن حركات المتواجدين، وقوة صياحهم، وتخبطهم، فظاهره أنه متُعَمَّل، والشياطين معينون عليه، فإن قيل: فهل في حق المخلص نقص بهذه الحالة الطارئة عليه؟ قيل: نعم من وجهين: أحدهما: أنه لو قوي العلم؛ أمسك، والثاني: أنه قد خولف به طريق الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ويكفي هذا نقصًا"
(1)
.
خامسا: الوجود المقرون بدعوة المشاهدة -مشاهدة الحق-، ويعنون به رؤية الله عز وجل، وهي: رؤية الله في الدنيا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "
…
وهذا الموضع مما يقع الغلط فيه لكثير من السالكين، يشهدون أشياء بقلوبهم فيظنون أنها موجودة في الخارج هكذا، حتى إنَّ فيهم خلقًا منهم من المتقدِّمين والمتأخرين يظنون أنهم يرون اللّه بعيونهم؛ لما يغلب على قلوبهم من المعرفة والذكر والمحبة، يغيب بشهوده فيما حصل لقلوبهم، ويحصل لهم فناء واصطلام
(2)
، فيظنون أن هذا هو أمر مشهود بعيونهم، ولا يكون ذلك إلا في القلب؛ ولهذا ظنَّ كثيرٌ منهم أنه يرى اللّه بعينه في الدنيا، وهذا مما وقع لجماعة
(1)
تلبيس إبليس، ص 299.
(2)
الاصطلام: هو الوله الغالب على القلب، وهو قريبٌ من الهيمان، وقيل: هو غلبات الحق الذي يجعل كلية العبد مغلوبة له بامتحان اللُّطف في نفي إرادته. ينظر: معجم اصطلاحات الصوفية، ص 17.