الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن تيمية رحمه الله: "
…
وفي حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنَّة بغير حساب كفاية فإنه من أعظم الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأنَّه وصفهم بقوة الإيمان وزيادته في تلك الخصال التي تدلُّ على قوة إيمانهم، وتوكُّلهم على الله عز وجل في أمورهم كلِّها"
(1)
.
ثالثًا: رأي ابن عجيبة في زيادة الإيمان ونقصانه
يقول ابن عجيبة في تفسيره لقول الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}
(2)
"وهذا يدلُّ على أنَّ الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بحسب التوجه إلى الله والتفرُّغ مما سواه، وينقص بحسب التوجُّه إلى الدنيا وشغبها، ويزيد أيضًا بالطاعة والنظر والاعتبار، وينقص بالمعصية والغفلة والاغترار"
(3)
.
ولكن هذا النص سرعان ما ينقضه بتنزيله على المريدين، أمَّا الزيادة والنقص فهي لعوام المسلمين، أمَّا المريدين فهم الذين يزدادون يقينًا وإيمانًا عندما يؤذون فيتحققون أنهم على المنهج السليم لينقلبوا لمرحلة الشهود والمعاينة فيتحقق مقام الإحسان الذي هو مقام الشهود والعيان
(4)
، ولا تحقق الزيادة إلا بصحبة أهل العرفان -أي أهل المعرفة-
(5)
وهم أهل وحدة الوجود فمن لم يصحبهم بقي إيمانه ناقصًا
(6)
.
(1)
مجموع الفتاوى 7/ 226.
(2)
سورة آل عمران: 173.
(3)
البحر المديد 1/ 437.
(4)
المشاهدة: "هي رؤية الذات اللطيفة في مظاهر تجلياتها الكثيفة فترجع إلى تكثيف اللطيف، فإذا ترقق الوداد، ورجعت الأنوار الكثيفة لطيفة فهي المعاينة، فترجع إلى تلطيف الكثيف، فالمعاينة أرق من المشاهدة وأتم". معراج التشوف، ص 25.
(5)
المعرفة: هي التمكين من المشاهدة واتصالها، فهي شهود دائم بقلب هائم فلا يشهد إلا مولاه. ينظر: معراج التشوف، ص 25.
(6)
ينظر: البحر المديد 1/ 433، 2/ 133.
ونقل عن زروق في تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
(1)
قوله: "اعلم أنَّ الإيمان على ثلاثة أقسام: إيمان لا يزيد ولا ينقص، وهو إيمان الملائكة، وإيمان يزيد وينقص، وهو إيمان عامَّة المسلمين، وإيمان يزيد ولا ينقص وهو إيمان الأنبياء والرُّسُل، ومن كان على قدمهم من العارفين الروحانيين الراسخين في علم اليقين، ومن تعلَّق بهم من المريدين السائرين، فهؤلاء إيمانهم دائمًا في الزيادة، وأرواحهم دائمًا في الترقِّي في المعرفة، يزيدون بالطاعة والمعصية لتيقُّظهم وكمال توحيدهم"
(2)
.
وقد احتوى هذا النص على مخالفات عقديَّة منها:
1 -
الخوض في مالم يرد دليلٌ عليه في إيمان الملائكة.
2 -
التسوية بين إيمان الأنبياء عليهم السلام وإيمان العارفين الروحانيين الذين وصلوا -كما يزعم- لدرجة الاتصال بالله عز وجل عن طريق المجاهدة والجوع وتحريم الطيبات من الرزق، وهذا لا شكَّ في بطلانه، ويتضح ذلك عند بيان مذهب أصحاب الروحانيات الذين يزعمون "أنَّ للعالم صانعًا، فاطرًا، حكيمًا، مقدَّسًا عن سمات الحدثان، والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله، وإنما يُتقرَّب إليه بالمتوسطات المقربين لديه، وهم الروحانيون، المطهرون، المقدسون جوهرًا، وفعلًا، وحالةً
…
فالواجب علينا أن نطهِّر نفوسنا عن دنس الشهوات الطبيعيَّة، ونهذِّب أخلاقنا عن علائق القوى الشهوانية والغضبية، حتى تحصل مناسبة ما بيننا وبين الروحانيات، فحينئذ نسأل حاجاتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبو في جميع
(1)
سورة الأنفال: 2.
(2)
البحر المديد 2/ 305.
أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم، ورازقنا ورازقهم، وهذا التطهير والتهذيب ليس يحصل إلا باكتسابنا ورياضتنا وفطامنا أنفسنا عن دنيَّات الشهوات، باستمداد من جهة الروحانيات، والاستمداد هو التضرُّع والابتهال بالدعوات، وإقامة الصلوات، وبذل الزكوات، والصيام عن المطعومات والمشروبات، وتقريب القرابين والذبائح، وتبخير البخورات، وتعزيم العزائم، فيحصل لنفوسنا استعداد واستمداد من غير واسطة، بل يكون حكمنا وحكم من يدعي الوحي على وتيرة واحدة"
(1)
.
3 -
عدم النَّظر لحقيقة الإيمان من حيث إنه يزيد وينقص بل نظر لمتعلقه من الأشخاص، والأولى أن يقرر ما قرَّره أئمَّة أهل السُّنَّة والجماعة في زيادة الإيمان ونقصانه.
4 -
لا يُسلَّم له قوله: (لتيقُّظهم وكمال توحيدهم)؛ لأنهم ليسوا معصومين بل تقع منهم المعصية ولا يكونون مع هذا في كمال توحيدهم، وإن كانوا من أولياء الله الصالحين، فلا عصمة مكفولة لهم من ربِّ العالمين، فالخطأ والميل إلى الهوى عليهم وارد.
ثم إنه جعل الأولياء أفضل من الأنبياء، والمقرَّر عند سلف الأُمَّة وخَلَفِها من أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ الأنبياء أفضل من الأولياء، وأنه لا يجوز تفضيل أحدٌ من الأولياء على أحدٍ من الأنبياء
(2)
.
قال الطحاوي رحمه الله: "ولا نُفضِّل أحدًا من الأولياء على أَحَدٍ من الأنبياء عليهم السلام ونقول: نبيٌّ واحدٌ أفضلُ من جميع الأولياء"
(3)
.
(1)
الملل والنحل 2/ 64.
(2)
ينظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 186.
(3)
العقيدة الطحاوية 2/ 741.