الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا كله وأمثاله مما رأيته وسمعته منهم، فضلالهم عظيم، وإفكهم كبير، وتلبيسهم شديد، والله تعالى يظهر ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، والله أعلم"
(1)
.
وهذا التوحيد الذي يشير إليه هؤلاء الملاحدة -هو وحدة الوجود- أمر ممتنع في نفسه لا يتصور تحققه في الخارج؛ فإن الوحدة العينية الشخصية تمتنع في الشيئين المتعددين، ولكن الوجود واحد في نوع الوجود بمعنى أن اسم الموجود اسم عام يتناول كل أحد كما أن اسم الجسم والإنسان ونحوهما يتناول كل جسم وكل إنسان وهذا الجسم ليس هو ذاك وهذا الإنسان ليس هو ذاك وكذلك هذا الوجود ليس هو ذاك
(2)
.
رابعًا: شبهات ابن عجيبة للدلالة على وحدة الوجود
قال ابن عجيبة: "وفي القرآن تلويحات وإشارات إلى هذه المعاني اللطيفة، والأنوار الربانية، كقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}
(3)
، ولا يفهم هذه الأسرار إلا من خاض مقام الفناء والبقاء"
(4)
.
وهذا من الباطل، قال ابن تيمية رحمه الله: "لم يرد به إنك أنت الله، وإنما أراد: أنك أنت رسول الله ومبلِّغ أمره ونهيه، فمن بايعك فقد بايع الله عز وجل كما أنَّ من أطاعك فقد أطاع الله، ولم يرد بذلك أنَّ الرسول هو الله؛ ولكن الرسول أمر بما أمر الله به، فمن أطاعه فقد أطاع الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله،
(1)
مجموع الفتاوى 2/ 387 - 380.
(2)
ينظر: المرجع نفسه 2/ 351.
(3)
سورة الفتح: 10.
(4)
شرح قصيدة يامن تعاظم، ص 13.
ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني»
(1)
ومعلومٌ أنَّ أميره ليس هو إيَّاه.
ومن ظنَّ في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}
(2)
أنَّ المراد به أنَّ فعلك هو فعل الله، أو المراد أنَّ الله حالٌّ فيك ونحو ذلك فهو -مع جهله وضلاله بل كفره وإلحاده- قد سلب الرسول خاصيته وجعله مثل غيره.
وذلك أنه لو كان المراد به كون الله فاعلًا لفعلك لكان هذا قدرًا مشتركًا بينه وبين سائر الخلق، وكان من بايع أبا جهل فقد بايع الله، ومن بايع مسيلمة الكذَّاب فقد بايع الله، ومن بايع قادة الأحزاب فقد بايع الله، وعلى هذا التقدير فالمبايع هو الله أيضًا، فيكون الله قد بايع الله؛ إذ الله خالق لهذا ولهذا، وكذلك إذا قيل بمذهب أهل الحلول والوحدة والاتحاد فإنه عام عندهم في هذا وهذا، فيكون الله قد بايع الله، وهذا يقوله كثير من شيوخ هؤلاء الحلولية الاتحادية، حتى إنَّ أحدهم إذا أمر بقتال العدو يقول: أقاتل الله؟ ما أقدر أن أقاتل الله ونحو هذا الكلام الذي سمعناه من شيوخهم، وبينَّا فساده لهم وضلالهم فيه غير مرة"
(3)
.
ويستدل ابن عجيبة أيضًا بقوله الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
(4)
(5)
.
وهذا الاستدلال باطل، قال ابن تيمية رحمه الله: "لم يرد به أن فعل العبد هو فعل
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب يقاتل وراء الإمام ويُتقى به، 2/ 347، رقم 2956.
(2)
سورة الفتح: 10.
(3)
مجموع الفتاوى 2/ 333.
(4)
سورة الأنفال: 17.
(5)
ينظر: إيقاظ الهمم، ص 69.
الله تعالى -كما تظنُّه طائفة من الغالطين- فإن ذلك لو كان صحيحًا لكان ينبغي أن يقال لكلِّ أحد حتى يقال للماشي: ما مشيت إذ مشيت ولكن الله مشى، ويقال للراكب: وما ركبت إذ ركبت ولكن الله ركب، ويقال للمتكلِّم: ما تكلمت إذ تكلَّمت ولكن الله تكلم، ويقال مثل ذلك للآكل والشارب والصائم والمصلِّي ونحو ذلك، وطرد ذلك: يستلزم أن يقال للكافر: ما كفرت إذ كفرت ولكن الله كفر ويقال: للكاذب ما كذبت إذ كذبت ولكن الله كذب، ومن قال مثل هذا فهو كافرٌ ملحدٌ خارجٌ عن العقل والدين.
ولكن معنى الآية أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر رماهم ولم يكن في قدرته أن يوصل الرمي إلى جميعهم فإنه إذ رماهم بالتراب وقال: «شاهت الوجوه»
(1)
لم يكن في قدرته أن يوصل ذلك إليهم كلهم فالله تعالى أوصل ذلك الرمي إليهم كلهم بقدرته، يقول: وما أوصلت إذ حذفت ولكن الله أوصل، فالرمي الذي أثبته له ليس هو الرمي الذي نفاه عنه؛ فإنَّ هذا مستلزم للجمع بين النقيضين بل نفى عنه الإيصال والتبليغ وأثبت له الحذف والإلقاء، وكذلك إذا رمى سهمًا فأوصله الله إلى العدو إيصالًا خارقًا للعادة كان الله هو الذي أوصله بقدرته
…
فالقول بأنَّ الله خالق أفعال العباد حقٌّ والقول بأنَّ الخلق حالٌّ في المخلوق أو وجوده وجود المخلوق باطل، وهؤلاء ينتقلون من القول بتوحيد الربوبية إلى القول بالحلول والاتحاد وهذا عين الضلال والإلحاد"
(2)
.
وكذلك استدل بما يذكرونه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان الله ولا شيء معه،
(1)
أخرجه مسلم، كتاب الجهاد، باب غزوة حنين، 3/ 1402، رقم 1777.
(2)
مجموع الفتاوى 2/ 331.