الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
منزلة الإيمان بالكتب من الإيمان
الإيمان بالكتب هو الركن الثالث من أركان الإيمان، ولا يتمُّ إيمانُ العبد الَّا به، قال تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}
(1)
.
وحكم الله عز وجل بالكفر على من كفر بها، قال تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}
(2)
.
قال ابن كثير: "أي: فقد خرج عن طريق الهدى، وبَعُد عن القصد كلَّ البعد"
(3)
.
وسمى الله عز وجل من آمن بهذه الجملة مؤمنين، وحكم بالكفر لمن كفر بهذه الجملة
(4)
.
ويتضمَّن الإيمان بالكتب أمرين هما: التصديق بها، ووجوب طاعتها فيما أمرت.
(1)
سورة البقرة: 177.
(2)
سورة النساء: 136 - 137.
(3)
تفسير القرآن العظيم 2/ 434.
(4)
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص 297.
قال ابن تيمية رحمه الله: "فإنَّ الكتب تضمَّنت أصلين: الإخبار، والأمر، والإيمان بها لا يتم إلا بتصديقها فيما أخبرت، وإيجاب طاعتها فيما أوجبت"
(1)
.
فيجب الإيمان بجميع الكتب من غير تفريقٍ ولا تبعيض.
وقال رحمه الله: "التفريق والتبعيض قد يكون في القدر تارة، وقد يكون في الوصف"
(2)
.
وتوضيح ذلك يكون: إمَّا في الكمّ، وإمَّا في الكيف كما قد يكون في التنزيل تارة وفي التأويل أخرى؛ فإن الموجود له حقيقة موصوفة وله مقدار محدود فما أنزل الله على رسله قد يقع التفريق والتبعيض في قدره، وقد يقع في وصفه.
وهذا مثل اليهود يقولون: نؤمن بما أنزل على موسى عليه السلام دون ما أنزل على عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا النصارى في إيمانهم بالمسيح دون محمَّد.
فمن آمن ببعض الرُّسل والكتب دون بعض فقد دخل في هذا؛ فإنه لم يؤمن بجميع المنزل، وكذلك من كان من المنتسبين إلى هذه الأُمَّة يؤمن ببعض نصوص الكتاب والسُّنَّة دون بعض
(3)
.
(4)
.
(1)
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/ 411.
(2)
مجموع الفتاوى 12/ 13.
(3)
المرجع السابق 12/ 13.
(4)
سورة النساء: 150 - 151.
يقول ابن جرير في تفسيره لهذه الآية: "فقال جلَّ ثناؤه لعباده، مُنبِّهًا لهم على ضلالتهم وكفرهم {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} ، يقول: أيها النَّاس، هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم، هم أهل الكفر بي، المستحقون عذابي والخلود في ناري حقًّا، فاستيقنوا ذلك، ولا يشككنَّكم في أمرهم انتحالهم الكذب، ودعواهم أنهم يقرُّون بما زعموا أنهم به مقرُّون من الكتب والرُّسل، فإنهم في دعواهم ما ادعوا من ذلك كَذَبَةٌ.
وذلك أن المؤمن بالكتب والرسل، هو المصدّق بجميع ما في الكتاب الذي يزعم أنه به مصدق، وبما جاء به الرسول الذي يزعم أنه به مؤمن.
فأمَّا من صدَّق ببعض ذلك وكذَّب ببعض، فهو لنبوة من كذَّب ببعض ما جاء به جاحد، ومن جحد نبوة نبي فهو به مُكذِّب.
وهؤلاء الذين جحدوا نبوة بعض الأنبياء، وزعموا أنهم مصدقون ببعض، مُكذِّبون من زعموا أنهم به مؤمنون، لتكذيبهم ببعض ما جاءهم به من عند ربهم، فهم بالله وبرسله الذين يزعمون أنهم بهم مصدقون، والذين يزعمون أنهم بهم مكذِّبون كافرون"
(1)
.
وهكذا قرَّر ابن القيم رحمه الله حيث قال: "وهكذا الحكم في كلِّ من فرق الحق فآمن ببعضه وكفر ببعضه، كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وكمن آمن ببعض الأنبياء وكفر ببعض، لم ينفعه إيمانه بما كفر به حتى يؤمن بالجميع.
ونظير هذا التفريق من يردّ آيات الصفات وأخبارها ويقبل آيات الأوامر والنواهي، فإن ذلك لا ينفعه لأنه آمن ببعض الرسالة وكفر ببعض، فإن كانت الشبهة التي عرضت لمن كفر ببعض الأنبياء غير نافعة له، فالشبهة التي عرضت لمن
(1)
جامع البيان في تأويل القرآن 9/ 353.