الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان المجنون لا يصح منه الإيمان ولا التقوى ولا التقرُّب إلى الله بالفرائض والنوافل وامتنع أن يكون وليًّا فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه وليُّ لله؛ لا سيِّما أن تكون حجته على ذلك إمَّا مكاشفة سمعها منه أو نوع من تصرف مثل أن يراه قد أشار إلى واحد فمات أو صرع؛ فإنه قد علم أن الكفَّار والمنافقين -من المشركين وأهل الكتاب- لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية كالكهَّان والسَّحرة وعباد المشركين وأهل الكتاب فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرَّد ذلك على كون الشَّخص وليًّا لله وإن لم يعلم منه ما يناقض ولاية الله فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا، بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة، أو يعتقد أنَّ لأولياء الله طريقًا إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم السلام"
(1)
.
وطلب الخوارق بالمجاهدة وتعذيب النفس من الأمور الخطرة التي تفسد القلب والعقل والمزاج
(2)
.
فكم من صوفيٍّ سلك هذا الطريق ففسد مزاجه، ومرض بدنه، واختلط عقله
(3)
.
سادسًا: إخفاء الولاية وأن تكون سرًّا من الأسرار
.
قال: "فإن الولاية سرٌّ من أسرار الله أودعها قلوب أصفيائه، لا تظهر على جوارحهم، ولا تكون في الغالب إلا في أهل التجريد، وأهل الخمول، أخفاها الله في عابده، فمن ادعاها من غير تجريد ولا تخريب فهو مدَّعٍ"
(4)
.
(1)
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 51.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 11/ 330.
(3)
ينظر: إحياء علوم الدين 3/ 20.
(4)
البحر المديد 5/ 246.
وله طريقة في إخفاء الولاية وهي "المغالطة: وتعني إظهار الغلط، وإيقاع الغير فيه، مع إخفاء الصواب، وتُسمَّى عند الصوفية التلبيس، كإظهار الرغبة، وإخفاء الزُّهد، وإخفاء المحبَّة، وإظهار السُّلوان، يفعلون ذلك صيانةً للسر، وتخريب الظاهر، وتعمير الباطن"
(1)
.
وهذا القول باطل؛ فولاية الله عز وجل مبذولة لكلِّ من سعى إليها وسار في طريقها ووفَّقه الله سبحانه وتعالى إلى بلوغها كما قال عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
(2)
، وقال عز وجل:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
(3)
.
ولا شكَّ أنه على الرُّغم من أنَّ كلَّ مؤمنٍ هو وليُّ الله - جل وعلا - فإنَّ ولاية الله للعبد ومحبته له تتفاوت بحسب الإيمان والتقوى والعمل الصالح فكُلَّما ازداد إيمان العبد وترقَّى في درجات الكمال والصَّلاح وتحلَّى بالتقوى كان أعظم ولاية، وأقرب من ربه عز وجل.
(4)
.
فجعل سبحانه وتعالى تقواه واتخاذ الوسيلة منه هي الطريق الموصل لرحمته فيستحيل أن تكون رحمة الله التي يختص بها من يشاء كائنة دون حكمة؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى يعلم أين يجعل رسالته وأين يضع هدايته كما قال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
(1)
البحر المديد 5/ 246.
(2)
سورة الليل: 5.
(3)
سورة العنكبوت: 69.
(4)
سورة المائدة: 35.
يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
(1)
،
(2)
.
وما ادعوه في سرية الولاية جعلهم لا ينكرون المعاصي التي تظهر على الولي، بل يرونها صورية لا حقيقية، والقصد منها امتحان المشاهد لها
(3)
.
وهو الذي يراه ابن عجيبة بأنَّ الولي معصوم فهو يمد بمدد العصمة وهو الحفظ الإلهي
(4)
.
والصوفية يطلقون الحفظ بمعنى العصمة، ويعتقدون عصمة شيوخهم
(5)
، قال ابن تيمية رحمه الله:"طائفة من النُّسَّاك والعُبَّاد يزعمون في بعض المشايخ أو فيمن يقولون: "(إنه ولي الله) أنه لا يذنب، وربما عيَّنوا بعض المشايخ وزعموا أنه لم يكن لأحدهم ذنب، وربما قال بعضهم: النَّبيُّ معصوم والوليُّ محفوظ"
(6)
.
وقال أيضًا: "وكثيرٌ من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه وليُّ لله ويظنُّ أنَّ وليَّ الله يقبل منه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسُّنَّة فيوافق ذلك الشخص له ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر
…
وهؤلاء مشابهون للنصارى الذين قال الله تعالى فيهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(7)
.
(1)
سورة الأنعام: 124.
(2)
ينظر الفكر الصوفي، ص 221.
(3)
ينظر: الإبريز، ص 323.
(4)
ينظر: معراج التشوف، ص 81.
(5)
ينظر: جواهر المعاني 1/ 252، الرسالة، ص 521.
(6)
جامع الرسائل والمسائل 1/ 264.
(7)
سورة التوبة: 31.
وفي الترمذي عن عدي بن حاتم في تفسير هذه الآية لما سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ما عبدوهم؟ فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أحلُّوا لهم الحرام وحرَّموا عليهم الحلال فأطاعوهم وكانت هذه عبادتهم إياهم»
(1)
،
(2)
.
(3)
.
قال ابن كثير رحمه الله: "أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم مفصلًا وبما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا"
(4)
.
فمن جعل بعد الرَّسول صلى الله عليه وسلم معصومًا وأوجب الإيمان بكلِّ ما قاله وفعله فقد جعله مضاهيًا للأنبياء، وأعطاه معنى النبوة وإن لم يعطه لفظها
(5)
.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "فمن أوجب طاعة أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به، وأوجب تصديقه في كل ما يخبر به، وأثبت عصمته أو حفظه في كل ما يأمر به ويخبر من الدين فقد جعل فيه من المكافأة لرسول الله والمضاهاة له في خصائص الرسالة بحسب ذلك سواء جعل ذلك المضاهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة رضي الله عنهم أو بعض القرابة أو بعض الأئمة والمشايخ أو الأمراء من الملوك وغيرهم"
(6)
.
(1)
أخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب التوبة، 5/ 278، برقم 3095، والبيهقي في السنن الكبرى، باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي 10/ 116، رقم 20137، والطبراني في المعجم الكبير 17/ 92، رقم 218، وحسَّنه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام 1/ 190.
(2)
مجموع الفتاوى 11/ 220.
(3)
سورة البقرة: 136.
(4)
تفسير القرآن العظيم 1/ 448.
(5)
ينظر: منهاج السُّنَّة 6/ 187 - 188.
(6)
جامع الرسائل 1/ 237.