الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول:
التعريف بالطريقة الدرقاوية
أ- التعريف بالطريقة الدرقاوية وسبب تسميتها
بما أن ابن عجيبة أحد أئمَّة المتصوفة المنتسبين إلى الطريقة الدرقاوية فقد اقتضى البحث أن نقف على تعريف لهذه الطريقة، فقد سُمِّيت هذه الطريقة بهذا الاسم نسبةً لمؤسِّسها أبي عبد الله محمد العربي بن أحمد الدرقاوي الزروالي، ينتمي لجدِّه محمد بن يوسف الملقب بأبي درقة
(1)
من ذرية إدريس أبي العباس
(2)
.
ولد في أوائل النصف الثاني عشر بقرية بني عبد الله من قبيلة بني زروال سنة 1150 هـ، وتوفي عام 1239 هـ، عُرف بكثرة زيارته لأضرحة الأولياء
(3)
طوافًا عليهم
(4)
، وهذه العقيدة راسخة عند العربي الدرقاوي فلقد لبث طويلًا يبحث عن شيخ مربي ليسلك على يديه طريق الصوفية، وأخبر عن نفسه أنه ختم القرآن ستين مرة عند ضريح المولى إدريس بفاس، وتضرع بالدعاء حتى أجاب الله عز وجل دعاءه
(1)
حيث كانت له درقة كبيرة يحتمي بها في الحروب أيام الموحدين وصار هذا اللقب يطلق على ذريته وأتباعه، ينظر: المطرب بمشاهير أولياء المغرب، ص 205، والدَرَق: ضَربٌ مِن التِّرسة، الواحدة دَرَقة، وتُجمَع على الأدراق تُتَّخذ من جلود دوابّ تكون في بلاد الحبش، الواحدة دَرَقَة والجمع دَرَق وأدراق ودِراق. ينظر: تهذيب اللغة 9/ 45، وجمهرة اللغة، لابن دريد 1/ 335.
(2)
هو أحمد بن إدريس الإدريسي، صاحب الطريقة الإدريسية، ولد بنواحي فاس سنة 1172 هـ، التحق بمعهد القويين، أخذ الطريقة الشاذلية عن عبد الوهاب التازي، ينظر: المطرب بمشاهير أولياء المغرب، ص 227.
(3)
ضريح عبد السلام بن مشيش، في جبل العلم، وموقعه شرق جنوب طنجة وغرب جنوب تطوان، يبعد عن تطوان ستين كلم. ينظر: المطرب بمشاهير أولياء المغرب، ص 91.
(4)
ينظر المرجع نفسه، ص 206.
والتقى بعلي العمراني الملقب بالجمل
(1)
بمدينة فاس سنة 1182 هـ، هو ابن ثلاث أو أربع وعشرين سنة تقريبًا
(2)
، فهو يعتبر الشيخ ضرورة للمريد فيقول:"من لا شيخ له فالشيطان شيخه، ومن لا شيخ له لا قبلة له، ومن لا شيخ له فهو بطَّال"
(3)
.
ولا شك أنَّ من الباطل تخصيص مكان للعبادة بطريقة غير مشروعة بالكتاب والسُّنَّة وفق منهج السَّلف الصالح الذين عبدوا الله حق عبادته ولم ينقل عن أحد منهم أنه خصَّ مكانًا دون آخر كما يفعل ذلك بعض الصوفية في الزوايا
(4)
والأربطة
(5)
؛ ليُجعل بعد ذلك سُنَّة يقتفيها كل أتباع الطرق الصوفية.
قال ابن الجوزي مبيِّنًا ما عليه الصوفية من إحيائهم الزوايا بالعبادة: "أمَّا بناء الأربطة فإنَّ قومًا من المتعبِّدين الماضين اتخذوها للانفراد بالتعبُّد وهؤلاء إذا صحَّ قصدهم فهم على الخطأ من ستة أوجه:
أحدها: أنهم ابتدعوا هذا البناء وإنما بنيان أهل الإسلام المساجد.
والثاني: أنهم جعلوا للمساجد نظيرًا يُقلِّل جمعها.
(1)
هو: علي بن عبد الرحمن العمراني الملقب بالجمل، من مشاهير التصوف في القرن الثاني عشر، وهو من مريدي الطيب الوزاني، توفي سنة 1193 هـ. ينظر: المطرب بمشاهير أولياء المغرب ص 200، مجلة أمل في تاريخ الزوايا والطرقية بالمغرب، ص 20.
(2)
ينظر: رسائل العربي الدرقاوي، ص 5، 6، المطرب بمشاهير أولياء المغرب، ص 207.
(3)
المطرب بمشاهير أولياء المغرب، ص 6.
(4)
تقسم الزوايا إلى ثلاثة أقسام: زوايا بسيطة وهي التي لم تبن على ضريح ولي، ولا نسبت إلى ولي أو إلى طريقة صوفية، والقسم الثاني: الزاوية ذات الولي وهي ما أنشئت حول ضريح، وتكتسب سمعة من أجل ذلك، وسرعان ما تتحول إلى مركز عمراني كبير، والقسم الثالث وهي التي تنتسب إلى طريقة من الطرق الصوفية، مثل الزاوية العجيبية في شفشاون. ينظر: الشعر الدلائي، ص 6.
(5)
الأربطة: جمع رباط، وأصله من مرابط الخيل، وهو ارتباطها بإزاء العدو في بعض الثغور، ثم أُطلقت على ما أحدثه الصوفية من أبنية للخلوة والعزلة، وهذا مما يخالف الشرع إذ بها تترك المساجد، ينظر: المعجم الصوفي، ص 201.
والثالث: أنهم أفاتوا أنفسهم نقل الخطى إلى المساجد.
والرابع: أنهم تشبَّهوا بالنَّصارى بانفرادهم بالأديرة.
والخامس: أنهم تعزَّبوا
(1)
وهم شباب وأكثرهم محتاجٌ إلى النكاح.
والسادس: أنهم جعلوا لأنفسهم علمًا ينطق بأنهم زُهَّاد فيوجب ذلك زيارتهم والتبرك بهم
…
وقد رأينا جمهور المتأخرين منهم مستريحين في الأربطة من كدِّ المعاش متشاغلين بالأكل والشُّرب والغناء والرقص يطلبون الدنيا من كلِّ ظالم ولا يتورَّعون من عطاء ماكس، وأكثر أربطتهم قد بناها الظلمة ووقفوا عليها الأموال الخبيثة"
(2)
.
والأدلة مستفيضة من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس على تحريم ذلك.
أ من الكتاب:
(3)
.
ووجه الاستدلال بالآية عمومها؛ إذ الاسم الموصول بصلة عامة يعم بعمومها حتى يرد تخصيصه، فكلُّ مسجد شارك مسجد سبب النزول في التفرقة والضرر كان كهو في الحكم
…
فسبب النُّزول لا يخصص الدليل العام كما هو معلوم في الأصول، ولما كانت القباب والزوايا أعظم ضار ومفرق أخذت بذلك حكم مسجد الضرار
(4)
.
(1)
تعزَّبوا: تركوا النِّكاح، ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 1/ 189.
(2)
تلبيس إبليس 1/ 157.
(3)
سورة التوبة: 107.
(4)
ينظر: حكم السُّنَّة والكتاب في الزوايا والقباب، ص 30.
ب من السُّنَّة:
قال صلى الله عليه وسلم: «اشتد غضب الله على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»
(1)
.
وقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»
(2)
.
وقال: «لا تتخذي قبري وثنًا»
(3)
.
قال ابن عبد البر رحمه الله: "الوثن: الصنم، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة، أو غير ذلك من التمثال، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن، صنمًا كان أو غير صنم، وكانت العرب تُصلِّي إلى الأصنام وتعبدها، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُمَّته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم كانوا إذا مات لهم نبيٌّ عكفوا حول قبره كما يُصنع بالصنم، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يصلى إليه، ويُسجد نحوه، ويُعبد فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه مالك في الموطأ في قصر الصلاة، باب جامع الصلاة مرسلًا 1/ 172، رقم 414، وقال الزرقاني في شرح الموطأ: 1/ 496، قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد صحَّ موصولًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وابن سعد في الطبقات 2/ 240، وأخرجه الحميدي، باب الجنائز 2/ 445، رقم 1025، والديلمي في مسنده 1/ 493، رقم 2010، وأسنده البزار عن عمر بن محمد عن زيد عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله:«اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» محفوظ من طرق كثيرة صحاح، وعمر بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب من ثقات أشراف أهل المدينة، روى عنه مالك والثوري وسليمان بن بلال، فالحديث صحيح عند من يحتج بمراسيل الثقات، وعند من قال بالمسند لإسناد عمر بن محمد له بلفظ الموطأ سواد وهو من تقبل زيادته وله شاهد عند العقيلي من طريق سفيان عن حمزة بن المغيرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه، وصحَّحه الألباني في مشكاة المصابيح 1/ 234، رقم 750.
(2)
أخرجه البخاري، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، 2/ 88، رقم 1330، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، 1/ 376، رقم 19.
(3)
أخرجه أحمد في المسند 2/ 246، رقم 7352، وأبو يعلى في مسنده 12/ 33، والحميدي في مسنده 2/ 445، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند 13/ 88: إسناده صحيح، وذكره الدارقطني في علله 2/ 221، رقم 233، وقال:"والمحفوظ هو الموقوف"، وقال الألباني في تحذير الساجد ص 113: سنده صحيح.
يُحذِّر أصحابه وسائر أُمَّته من سوء صنيع الأمم قبله، الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلة ومسجدًا، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم من امتثال طرقهم"
(1)
.
ج- من الإجماع: "لا يتردد مؤمنٌ يعلم هذا في تحريم ذلك، ولا يعتبر من الخلاف
…
وما خالف فيما نُقل عن العلماء إلا يحيى الزيدي
(2)
حيث قال: " يجوز بناء القباب والمساجد على قبور أهل الفضل لاستعمال المسلمين ذلك، ولم ينكروه"
(3)
، ولكن لا يلتفت لقوله، ولا يقدح في الإجماع بل الإجماع قادح فيه.
ويُرَدُّ على هذا المخالف من سبعة أوجه:
أولًا: مخالفته لما جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم كما تقدَّم في حديث اللَّعن واشتداد الغضب وغيرهما من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدمها وتسويتها.
ثانيًا: مخالفته لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
(4)
.
والآية دالَّةٌ على عدم جواز مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقض الإجماع.
قال ابن كثير رحمه الله: "ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم،
(1)
التمهيد 5/ 45.
(2)
هو: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن محمد بن إدريس الزيدي، ولد بصنعاء في 27 صفر سنة 669 هـ، له مؤلفات منها: الحاوي في الفقه، المحصل في شرح أسرار المفصل، مات سنة 705 هـ بمدينة ذمار ودفن بها. ينظر: البدر الطالع 2/ 331.
(3)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار 2/ 132.
(4)
سورة النساء: 115.
فصار في شقٍّ والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبيَّن له واتضح له، وقوله:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ} هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما أجمعت عليه الأُمَّة المحمدية، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقًا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، تشريفًا لهم وتعظيمًا لنبيِّهم"
(1)
.
ثالثًا: مخالفته للصحابة رضي الله عنهم حيث لم يفعلوا.
رابعًا: مناقضة فهمه لما فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به من أنَّ ذلك النهي في قبور الأنبياء والصلحاء الذي قيّد به هو النهي.
خامسًا: مخالفته لما عليه سلف الأُمَّة وعلمائها.
سادسًا: فتحه بفتواه باب عبادة الأوثان كما يُرى موجودًا أو حاضرًا بكلِّ ذي بصر وبصيرة.
سابعًا: مخالفته لما خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُمَّته من التشبه باليهود والنصارى وغيرهم بفتواه التي تدلُّ على أنه لا خوف عليهم من ذلك
(2)
.
د- من بالقياس:
أنَّ ضرر مسجد لآخر يُنقص جماعته وعمارته، وكذلك هذه الأبنية التي حالت بين السواد الأعظم من المسلمين وبين مساجدهم وبيوت ربهم وجرَّتهم إلى الويلات وعبادة الأوثان فيها والسجود والركوع إلى العظام النخرة بها، وسؤال الحوائج التي لا يقدر عليها إلا الله من رممهم البالية وتعظيمهم كتعظيم الله عز وجل والتقرُّب
(1)
تفسير القرآن العظيم 2/ 412.
(2)
ينظر: حكم السُّنَّة والكتاب في الزوايا والقباب، ص 29 - 30، 53 - 56.