الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسًا: القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
.
بيَّن ابن عجيبة أنَّ القرآن معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم باستدلاله بقول النَّبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكثرهم تابعًا يوم القيامة»
(1)
، قال ابن عجيبة عن هذا الحديث:"هو صريحٌ في أنَّه لا بدَّ من الآية لكلِّ رسول"
(2)
.
قال ابن كثير رحمه الله: "وفي هذا الحديث فضيلةٌ عظيمةٌ للقرآن المجيد على كلِّ معجزةٍ أعطيها نبيٌّ من الأنبياء، وعلى كلِّ كتابٍ أنزله، وذلك أنَّ معنى الحديث: ما من نبيٍّ إلا أُعطي من المعجزات ما آمن عليه البشر، أي: ما كان دليلًا على تصديقه فيما جاءهم به واتبعه من اتبعه من البشر، ثم لما مات الأنبياء لم يبق لهم معجزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عمَّا شاهده في زمانه، فأمَّا الرَّسول الخاتم للرسالة محمَّد صلى الله عليه وسلم فإنما كان معظم ما آتاه الله وحيًا منه إليه منقولًا إلى الناس بالتواتر، ففي كلِّ حينٍ هو كما أنزل، فلهذا قال:«فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا» ، وكذلك وقع، فإن أتباعه أكثر من أتباع الأنبياء لعموم رسالته ودوامها إلى قيام الساعة، واستمرار معجزته؛ ولهذا قال الله:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}
(3)
"،
(4)
.
ويقرر ابن عجيبة أنَّ القرآنَ مهيمنٌ على الكتب السَّابقة شاهدٌ على صحَّتها
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري، باب كيف نزول الوحي 6/ 182، رقم 4981.
(2)
البحر المديد 2/ 238.
(3)
سورة الفرقان: 1.
(4)
تفسير القرآن العظيم 1/ 20.
(5)
البحر المديد 2/ 46.
وهذه فضيلةٌ عظيمةٌ للقرآن العظيم فهو مهيمنٌ على جميع الكتب السابقة، وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب
(1)
"يُقَالُ هَيْمَن يُهَيْمِنُ هَيْمنَةً: إِذَا كَانَ رَقِيبًا عَلَى الشَّيْء"
(2)
.
ولقد دلَّ على ذلك قول الله تعالى: " {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}
(3)
.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "هذا خطابٌ من الله تعالى ذكره لنبيِّه محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يقول تعالى ذكره: أنزلنا إليك، يا محمَّد {الْكِتَابَ} وهو القرآن الذى أنزله عليه، ويعني بقوله: {بِالْحَقِّ}، بالصدق ولا كذب فيه، ولا شك أنه من عند الله {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} يقول: أنزلناه بتصديق ما قبله من كتب الله التي أنزلها إلى أنبيائه، {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}، يقول: أنزلنا الكتاب الذي أنزلناه إليك، يا محمَّد، مصدِّقًا للكتب قبله، وشهيدًا عليها أنها حقٌّ من عند الله، أمينًا عليها، حافظًا لها"
(4)
.
وهذا متفقٌ عليه بين سلف الأُمَّة، قال ابن تيمية رحمه الله:"فالسَّلف كُلُّهم متفقون على أنَّ القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب، ومعلومٌ أنَّ المهيمن على الشَّيءِ أعلى منه مرتبة، ومن أسماء الله (المهيمن) ويُسمَّى الحاكم على الناس القائم بأمورهم (المهيمن) "
(5)
.
(1)
ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري 10/ 377.
(2)
لسان العرب 13/ 437، وينظر: تهذيب اللغة 6/ 177.
(3)
سورة المائدة: 48.
(4)
جامع البيان في تأويل القرآن 10/ 337.
(5)
مجموع الفتاوى 17/ 43.