الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شخصًا رأى الخضر أو ظنَّ الرائي أنه الخضر، أن كل ذلك لا يجوز إلا على الجهلة المخرفين الذين لا حظ لهم من علم، ولا عقل، ولا دين بل هم من الذين لا يفقهون ولا يعقلون"
(1)
.
وما زعمه ابن عجيبة بأنَّ الخضر سلَّم عليه، فهذا خطأ، قال ابن كثير رحمه الله:"وهم يذكرون الله عز وجل في حكاياتهم، وما يستندونه عن بعض مشايخهم أنَّ الخضر يأتي إليهم، ويسلِّم عليهم، ويعرف أسماءهم ومنازلهم ومحالهم، وهو مع هذا لا يعرف موسى بن عمران عليه السلام كليم الله عز وجل الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه، حتى يتعرَّف إليه بأنَّه موسى بني إسرائيل"
(2)
.
و
الأدلة النقلية والعقلية كافية برد شبهات القائلين بحياة الخضر عليه السلام
-:
أولًا: الأدلة النقلية
قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}
(3)
.
قال ابن كثير: "فالخضر إن كان بشرًا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل، والأصل عدمه حتى يثبت، ولم يذكر ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله"
(4)
.
وقال الشنقيطي
(5)
: "الذي يظهر لي رجحانه بالدليل في هذه المسألة أنَّ
(1)
مجموع الفتاوى 27/ 458.
(2)
البداية والنهاية 2/ 256.
(3)
سورة الأنبياء: 34.
(4)
البداية والنهاية 2/ 265.
(5)
هو: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر بن محمد بن أحمد نوح بن محمد بن سيدي بن أحمد المختار الجكني، يرجع نسبة إلى قبيلة حمير، ولد سنة 1325 هـ، قدم لأداء فريضة الحج عام 1367 هـ، ثم قدم المدينة فالتقى بالشيخين الشيخ عبد الله بن زاحم رحمه الله والشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله وتوطَّدت العلاقة بين الطرفين، وتجدَّدت رغبة متبادلة لإفادة المسلمين، له مصنفات عدة منها: أضواء البيان، الرِّحلة إلى الحج، شرح مراقي السعود، وكانت وفاته ضحى يوم الخميس 17/ 12/1393 هـ، بمكة المكرَّمة، ودفن في مقبرة المعلاة ليلة الأحد 20/ 12/1393 هـ. ينظر: ترجمة الشيخ بقلم تلميذه الشيخ عطيه محمد سالم في مقدمة أضواء البيان 1/ 7.
الخضر ليس بحيٍّ بل تُوفي، وذلك لعدة أدلة أمور: فقوله (لبشر) نكرة في سياق النفي فهي تعمُّ كلَّ بشر، فيلزم من ذلك نفي الخلد عن كل بشر من قبله، والخضر بشرٌ من قبله، فلو كان شرب من عين الحياة وصار حيًّا خالدًا إلى يوم القيامة لكان الله عز وجل قد جعل لذلك البشر الذي هو الخضر من قبله الخلد"
(1)
.
(2)
.
يقول ابن كثير رحمه الله: "فالخضر إن كان نبيًّا أو وليًّا فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حيًّا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله، أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عز وجل عليه، وينصره أن يصل أحدٌ من الأعداء إليه
…
وهذا عيسى ابن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة لا يخرج منها"
(3)
.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام ولو كان موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه كما أوجب الله جل جلاله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة والمدينة، ولكان يكون حضوره مع الصحابة رضي الله عنهم للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره
(1)
أضواء البيان 4/ 126.
(2)
سورة آل عمران: 81.
(3)
البداية والنهاية 2/ 266.
عند قوم كُفَّار ليرقع لهم سفينتهم، ولم يكن مختفيًا عن خير أُمَّة أخرجت للناس وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم
…
وإذا كان الخضر حيًا دائمًا فكيف لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قط ولا أخبر به أمته، ولا خلفاؤه الراشدون؟! "
(1)
.
دلالة السُّنَّة على موته:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا فاستقبل نبي الله عز وجل صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»
(2)
.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: "ومحلُّ الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تعبد في الأرض» فعل في سياق النفي فهو بمعنى: لا تقع عبادة لك في الأرض; لأن الفعل ينحلُّ عن مصدر وزمن عند النحويين، وعن مصدر ونسبة وزمن عند كثير من البلاغيين، فالمصدر كامن في مفهومه إجماعًا، فيتسلَّط عليه النفي فيؤول إلى النكرة في سياق النفي، وهي من صيغ العموم
…
ثم قال: "فإذا علمت أنَّ معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض» أي لا تقع عبادة لك في الأرض، فاعلم أن ذلك النفي يشمل بعمومه وجود الخضر حيًّا في الأرض؛ لأنه على تقدير وجوده حيًّا في الأرض فإن الله عز وجل يعبد في الأرض، ولو على فرض هلاك تلك العصابة من أهل الإسلام؛ لأن الخضر مادام حيًّا فهو يعبد الله عز وجل في الأرض"
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى 17/ 100.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسِّير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر 3/ 1383، رقم 4687.
(3)
أضواء البيان 4/ 127.