الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحسنه الآن»
(1)
(2)
.
ويقول أيضًا في بيان حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة»
(3)
: "فالكلام جملة واحدة وقوله: «من أحصاها دخل الجنة» صفة لا خبر مستقبل، والمعنى: له أسماء متعددة من شأنها أنَّ من أحصاها دخل الجنَّة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها، وهذا كما تقول: لفلانٍ مائة مملوك وقد أعدَّهم للجهاد، فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدّون لغير الجهاد، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه"
(4)
.
وأمَّا زعمه أنَّ الذي ورد بها التوقيف تسعة وتسعون فهذا لا يوافق عليه؛ لأنها مدرجة في الحديث في عدِّ الأسماء الحسنى، والصحيح أنَّ ذكر التسعة والتسعين اسمًا اجتهادٌ من العلماء لم يرد في تعيينها نصٌّ صحيحٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
.
وقال الصنعاني: "اتفق الحفَّاظ من أئمة الحديث أنَّ سردها إدراج من بعض الرواة"
(6)
.
ب: شرح ابن عجيبة أسماء الله الحسنى بما يوافق معتقده الأشعري
وذلك أنِّه يفسِّر الاسم بلازم معناه، وهو بهذه الطريقة يوافق الأشاعرة في موقفهم من الأسماء التي لا يثبتون ما تدلُّ عليه من المعاني، ومن أمثلة ذلك لدى ابن
(1)
أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} 6/ 84، برقم 4712.
(2)
بدائع الفوائد 1/ 166.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب (إنَّ لله مئة اسم إلا واحدًا)، 8/ 108، رقم 6410.
(4)
بدائع الفوائد 1/ 167.
(5)
ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 22/ 482، تفسير ابن كثير 2/ 296.
(6)
سبل السلام 4/ 108.
عجيبة -عفا الله عنَّا وعنه- ما يلي:
1 -
اسم الله (العلي)، "فسَّره بعلو الشرف والمكانة، ونفى دلالته على علو الله عز وجل " الذاتي
(1)
.
2 -
اسم الله (النور)، "فسَّره بمنوِّر السموات والأرض"
(2)
.
3 -
اسم الله (الحليم): أول المعنى بقوله: "الذي لا يعاجل بالعقوبة لمن يستحقها"
(3)
.
وأهل السُّنَّة والجماعة لا يخالفون في تفسير الاسم بلازم معناه مع إثبات ما يدلُّ عليه من الصفة؛ ولكن المحذور لديهم أن يفسَّر الاسم بلازمه مع نفي ما يدلُّ عليه من الصفات؛ لذا كان من المقرَّر لديهم أنَّ الإيمان بأسماء الله تعالى لا يتم إلا بثلاثة أركان، كما مرَّ معنا في تقرير عقيدة أهل السُّنَّة الجماعة، وهي: الإيمان بالاسم، وبما دلَّ عليه من معنى، وبما تعلَّق به من أثر، فأهل السُّنَّة يثبتون الاسم حقيقة لله عز وجل، ويعتقدون أنَّ كل اسمٍ من أسماء الله عز وجل يدلُّ على معنى، وهو الذي يُسمَّى بالصفة، فعندما يثبتون اسم (الله) عز وجل، يثبتونه حقيقة، قال ابن تيمية:"وقد اتفق جميع أهل الإثبات على أنَّ الله حيٌّ حقيقة عليمٌ حقيقة قديرٌ حقيقة سميعٌ حقيقة بصيرٌ حقيقة"
(4)
.
وينزهون الله عز وجل عن مشابهة المخلوقين؛ لأنه عُلم من طريق المشاهدة أنَّ بعض المخلوقات تتفق في الأسماء وتختلف في الحقيقة والكيفية، فأنت تشاهد -على
(1)
تفسير سورة الفاتحة، ص 145.
(2)
المرجع نفسه، ص 182.
(3)
نفسه، ص 141.
(4)
مجموع الفتاوى 5/ 169.
سبيل المثال- أنَّ للإنسان يدًا ليست كيد الفيل، وقوةً ليست كقوَّة الجمل مع الاتفاق في الاسم.
قال ابن تيمية: "ليس للمطلق مسمَّى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرًا مشتركًا بين المسميين، وعند الاختصاص يُقيَّد ذلك بما يتميَّز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق، ولا بدَّ من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دلَّ عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق وما دلَّ عليه بالإضافة والاختصاص"
(1)
.
فالله عز وجل سمَّى نفسه بالحي في قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
(2)
.
وسمَّى بعض عباده حيًّا، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}
(3)
.
وليس هذا الحيُّ مثل هذا الحي؛ لأن قوله: {الحي} اسمٌ لله مختصٌّ به، وقوله تعالى:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} اسمٌ للحيِّ المخلوق مختصّ به، وكذلك يقال في اسم الله (العليم) فإنَّ الله تسمَّى به، قال تعالى:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
(4)
، وقال في حق المخلوق:{وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ}
(5)
،
(6)
.
وكل اسم من أسماء الله عز وجل له معنى يخصُّه غير الاسم الآخر، وليس معنى
(1)
شرح الرسالة التدمرية، ص 127.
(2)
سورة البقرة: 2.
(3)
سورة الأنعام: 95.
(4)
سورة النساء: 26.
(5)
سورة الذاريات: 28.
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 3/ 11.
الاسم هو الذات فقط، إلا أنَّ الأسماء غير معلومة الحقيقة والكيفية، فالمعاني معلومة واضحة لنا من لغة العرب، أما الكيفية فمجهولة لنا نعجز عن إدراكها.
وأسماء الله عز وجل أعلامٌ باعتبار دلالاتها على الذات، وهي أوصاف باعتبار دلالاتها على المعاني، {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
(1)
، وقال تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}
(2)
.
فالآية الأولى أثبتت اسم الله الرحيم، والثانية أثبتت صفة الرحمة التي تضمَّنها اسم الله الرحيم.
فهذه الأسماء مترادفة باعتبار دلالتها على الذات، ومتباينة باعتبار دلالتها على الصفات.
أمَّا الإيمان بما يتعلَّق به الاسم من آثار، هو: الحكم والمقتضى، وليس عامًّا في جميع الأسماء، فإنَّ أسماء الله إن دلَّت على وصفٍ متعدٍّ فإنَّه يثبت الاسم وما دلَّ عليه من معنى، مثال ذلك: اسم الله (الرحيم)، متضمِّنٌ لصفة الرحمة، ويتعلَّق به الأثر، وإن دلَّت الأسماء على وصف لازم غير متعدٍّ فإنَّ هذه الأسماء تتضمَّن أمرين هما:
ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
وثبوت الصفة التي تضمَّنها الاسم لله عز وجل، وليس لها أثرٌ أو حكم؛ لأنَّه وصفٌ لازمٌ لا يتعدَّى إلى الغير، مثل: اسم الحي، وهو متضمِّنٌ لصفة الحياة لله عز وجل
(3)
.
(1)
سورة يونس: 107.
(2)
سورة الكهف: 58.
(3)
ينظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه، ص 13.
وابن عجيبة مثله مثل غيره من الأشاعرة في إثباته لأسماء الله الحسنى، يثبتها إلا أنه يثبتها بما يوافق معتقده الأشعري، فإذا كان الاسم دالًا على صفة يؤولونها، نفوا دلالة الاسم على هذا المعنى الذي ينفونه، وإن كان موافقًا لمذهب السلف، وسأذكر أمثلة على ذلك منها:
اسم الله (العلي الأعلى): أول المعنى؛ لكي ينفي صفة العلو الذاتي لله عز وجل.
وهذا التأويل قال به عددٌ من الأشاعرة
(1)
، وسيأتي إثبات هذه الصفة وفق معتقد أهل السُّنَّة والجماعة.
اسم الله (الحليم): أوَّل المعنى بقوله: "الذي لا يعاجل بالعقوبة لمن يستحقها"
(2)
.
وهذا التفسير الذي أراد به التنزيه -بزعمه- قد عطَّل صفة الله عز وجل، فقد أوَّل الاسم لنفي الصفة، بل قال:"فيكون من الصفة النفسيَّة"
(3)
.
اسم الله (النور): أوَّل معناه بـ (منوِّر السموات).
ففسَّره بلازمه مع عدم إثبات ما تضمَّنه من الصفة.
يقول ابن القيم رحمه الله: "والقرآن والحديث وأقوال الصحابة صريحٌ بأنه سبحانه وتعالى نور السماوات والأرض، ولكن عادة السلف أن يذكر أحدهم في تفسير
(1)
قال عبد القاهر البغدادي: "في إحالة كون الإله في مكان دون مكان"، ينظر: أصول الدين للبغدادي، ص 113، ويقول أيضًا: "لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان
…
قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان". ينظر: الفرق بين الفرق، ص 333.
(2)
تفسير سورة الفاتحة، ص 141.
(3)
المرجع نفسه، ص 141، وسيأتي بيان تقسيم الصفات عند الأشاعرة.
اللفظة بعض معانيها ولازمًا من لوازمها أو الغاية المقصودة منها أو مثالًا ينبه السامع على نظيره، وهذا كثيرٌ في كلامهم لمن تأمَّله، فكونه سبحانه هاديًا لا ينافي كونه نورًا، وما ذكر
…
أنه بمعنى منوِّر
…
لا ينافي كونه في نفسه نورًا وأن يكون النور من أسمائه وصفاته بل يؤكّد ذلك، فإنَّ الموجودات النورانية نوعان (منها) ما هو في نفسه مستنير ولا ينير غيره كالجمرة مثلًا، فهذا لا يقال له نور، ومنها ما هو مستنيرٌ في نفسه وهو منيرٌ لغيره كالشَّمس والقمر والنار، وليس في الموجودات ما هو منوِّرٌ لغيره وهو في نفسه ليس بنور بل إنارته لغيره فرع كونه نورًا في نفسه"
(1)
.
وما تأوله ابن عجيبة باطل، فأئمة السَّلف رحمهم الله أثبتوا هذا الاسم حقيقة لله عز وجل.
قال ابن القيم: "ومن أسمائه النور"
(2)
.
ويقول أيضًا: "الله عز وجل سمَّى نفسه نورًا، وجعل كتابه نورًا، ورسوله نورًا، ودينه نورًا، واحتجب عن خلقه بالنور، وجعل دار أوليائه نورًا يتلألأ، قال الله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
(3)
(4)
.
وما فسَّره ابن عجيبة بكونه مُنوِّر السماوات والأرض، فهو يفسر الأسماء بلوازم معناها مع نفي الصفة، وإلا فالنُّور الذي هو من أوصافه قائمٌ به، ومنه اشتق له
(1)
مختصر الصواعق 2/ 199.
(2)
المرجع نفسه 1/ 16.
(3)
سورة النور: 35.
(4)
مختصر الصواعق المرسلة 2/ 405.
(اسم النُّور) الذي هو أحد الأسماء الحسنى
(1)
.
والنُّور صفة الكمال، وضدُّه صفة نقص، ولهذا سمَّى الله نفسه نورًا، وسمَّى كتابه نورًا، وجعل لأوليائه النور ولأعدائه الظلمة
(2)
.
اسم الله (السلام): جعله من الصفات السلبية فقال: "السلام صفة سلب"
(3)
.
ومعرفة الله عز وجل ليست بمعرفة صفات السَّلب، بل الأصل فيها صفات الإثبات، والسَّلب تابعٌ ومقصوده تكميل الإثبات
(4)
.
"فإنَّ السَّلب لا يراد لذاته، وإنما يقصد لما يتضمَّنه من إثبات الكمال، فكلُّ ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقص فإنَّه متضمِّنٌ للمدح والثناء على الله بضد ذلك من النقص من الأوصاف الحميدة والأفعال الرشيدة"
(5)
.
والسلام: اسمٌ من أسماء الله عز وجل الدالة على تنزيهه عن النقائص والعيوب على جهة العموم أيضًا، وقال العلماء في تفسيره:
السالم من جميع العيوب والنقائص، كاملٌ في ذاته، وصفاته، وأفعاله
(6)
، وهو مشتَّقٌّ من السَّلامة، أي مبرئٌ من الآفات الظاهرة والباطنة
(7)
.
(1)
ينظر اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية، ص 44 - 45.
(2)
ينظر مختصر الصواعق المرسلة 3/ 1054، 1025، 1033.
(3)
تفسير الفاتحة الكبير، ص 122.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 17/ 112.
(5)
شرح القصيدة النونية، للهراس 2/ 55، وينظر: القواعد المثلى، ص 24.
(6)
ينظر بدائع الفوائد 2/ 138، وشفاء العليل 1/ 180، والجامع لأحكام القرآن 10/ 241.
(7)
ينظر: مفردات ألفاظ القرآن، ص 421، ومختار الصحاح، ص 131.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأخطأ كلَّ الخطأ من زعم أنَّه من أسماء السُّلوب، فإنَّ السَّلب المحض لا يتضمَّن كمالًا، بل اسم السلام متضمِّنٌ للكمال السالم من كلِّ ما يضاده، وإذا لم تظلم هذا الاسم ووفَّيته معناه وجدته مستلزمًا لإرسال الرُّسُل، وإنزال الكتب وشرع الشرائع، وثبوت المعاد وحدوث العالم، وثبوت القضاء والقدر، وعلو الرَّبِّ تعالى على خلقه ورؤيته لأفعالهم وسمعه لأصواتهم واطلاعه على سرائرهم وعلى نياتهم، وتفرده بتدبيرهم وتوحده في كماله المقدَّس عن شريكٍ بوجه من الوجوه، فهو السَّلام الحقُّ من كلِّ وجه، كما هو التنزيه البريء عن نقائص البشر من كلِّ وجه، ولما كان سبحانه موصوفًا بأنَّ له يدين لم يكن فيهما شمال، بل كلتا يديه يمين مباركة، كذلك أسماؤه كلُّها حسنى، وأفعاله كلُّها خير، وصفاته كلُّها كمال"
(1)
.
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-: "
…
سلامٌ في صفاته من كلِّ عيبٍ ونقص، وسلامٌ في أفعاله من كلِّ عيبٍ ونقصٍ وشرٍّ وظلمٍ وفعلٍ واقع على غير وجه الحكمة، فهو السَّلام الحقُّ من كلِّ وجه وبكلِّ اعتبار، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزَّه به نفسه، ونزَّهه به رسوله، فهو السَّلام من الصاحبة والولد، والسَّلام من النظير والكفء، والسَّميُّ والمماثل، والسَّلام من الشريك.
ولهذا إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كلَّ صفةٍ سلامًا ممَّا يضاد كمالها
…
وهكذا جميع صفاته وأفعاله سلامٌ من كلِّ ما يتوهَّمه معطِّلٌ أو تخيَّله مشبِّه -تعالى ربُّنا السَّلام- عمَّا يضاد كماله
…
فلله تعالى ما يليق به من المعاني الكاملة السالمة من النقائص والعيوب، وللمخلوق ما يناسبه ويليق بضعفه"
(2)
.
(1)
أحكام أهل الذمة 1/ 139.
(2)
شرح كتاب التوحيد في صحيح البخاري 1/ 126 - 127.