الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد كان يلبسه في بعض الأوقات لم يكن لبسه شهرة عند العرب، وأمَّا ما يروى في فضل لبسه فمن الموضوعات التي لا يثبت منها شيء"
(1)
.
ثالثًا: آداب المريد مع شيخه
ذكر ابن عجيبة جملة من الآداب التي تجب على المريد مع شيخه، فقال: "وأمَّا الآداب التي تكون مع الشيخ فمرجعها إلى ثمانية أمور، أربعة ظاهرة، وأربعة باطنة، فأمَّا الظاهرة:
فأولها: امتثال أمره وإن ظهر له خلافه، واجتناب نهيه وإن كان حتفه، فخطأ الشيخ أحسن من صواب المريد.
وثانيها: السَّكينة والوقار في الجلوس بين يديه، فلا يضحك بين يديه، ولا يرفع صوته عليه، ولا يتكلَّم حتى يستدعيه للكلام أو يفهم عنه بقرائن الأحوال، كحال المذاكرة، بخفض صوت ورفق ولين، ولا يأكل معه، ولا بين يديه، ولا ينام معه أو قريبًا منه.
وثالثهما: المبادرة إلى خدمته بقدر الإمكان، بنفسه، أو بماله، أو بقوله، فخدمة الرَّجال سبب الوصال لمولى الموالي.
ورابعهما: دوام حضور مجلسه.
وأما الآداب الباطنية:
فأولها: اعتقاد كماله، وأنه أهلٌ للشيخوخة والتربية؛ لجمعه بين شريعةٍ وحقيقة، وبين جذبٍ وسلوك، وأنه على قدم النَّبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
تلبيس إبليس، ص 174.
وثانيها: تعظيمه، وحفظ حرمته غائبًا وحاضرًا، وتربية محبته في قلبه، وهو دليل صدقه، وبقدر التصديق يكون، فمن لا صدق له لا سير له ولو بقي مع الشيخ ألف سنة.
وثالثهما: انعزاله عن عقله، ورياسته، وعلمه، وعمله إلا ما يرد عليه من قبل شيخه.
ورابعهما: عدم التشوف إلى غير شيخه والانتقال عنه، وهذا عندهم من أقبح كل قبيح وأشنع كل شنيع، وهو سبب تسويس بذرة الإرادة، فتفسد شجرة الإرادة لفساد أصلها، وهذا كله مع شيوخ التربية، وأمَّا شيوخ أهل الظاهر فلا بأس أن ينتقل عنهم إلى أهل الباطن إن وجدتم، ولا يحتاج إلى إذن"
(1)
.
والمتأمِّل لقول الإمام مالك رحمه الله: "إنما أنا بشرٌ أخطئ وأصيب، فانظروا في قولي، فكل ما وافق الكتاب والسُّنَّة فخذوا به، ومالم يوافق الكتاب والسُّنَّة فاتركوه"
(2)
، يلحظ أن هناك توجيهًا بأن تُعرض آراء الرِّجال وأقوالهم على الدليل، فما وافقه منها اعتدَّ به وقُبل، وما كان مخالفًا رُدَّ ولم يعتد به.
ويبين ابن القيم رحمه الله بعد تعريفه للمريد عند القوم المنهج الحق الذي يجب أن يتبع، فقال: "المريد في اصطلاحهم: هو الذي قد شرع في السير إلى الله، وهو فوق العابد ودون الواصل، وهذا اصطلاح بحسب حال السالكين، وإلا فالعابد مريد، والسالك مريد، والواصل مريد، فالإرادة لا تفارق العبد ما دام تحت حكم العبودية.
وقد ذكر الشيخ للتمكن في هذه الدرجة ثلاثة أمور: صحة قصد، وصحة علم، وسعة طريق، فبصحة القصد يصح سيره، وبصحة العلم تنكشف له الطريق،
(1)
إيقاظ الهمم، ص 148 - 150، وينظر: الفهرسة، ص 65 - 66.
(2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 60.
وبسعة الطريق يهون عليه السير، وكل طالب أمر من الأمور فلا بدَّ له من تعين مطلوبه، وهو المقصود، ومعرفة الطريق الموصل إليه، والأخذ في السلوك، فمتى فاته واحد من هذه الثلاث لم يصح طلبه ولا سيره، فالأمر دائرٌ بين مطلوب يتعين إيثاره على غيره، وطلب يقوم بقصد من يقصده، وطريق توصل إليه.
فإذا تحقق العبد بطلب ربه وحده تعيَّن مطلوبه، فإذا بذل جهده في طلبه صحَّ له طلبه، فإذا تحقق باتباع أوامره، واجتناب نواهيه صحَّ له طريقه، وصحة القصد والطريق موقوفة على صحة المطلوب.
فحكم القصد يُتلقَّى من حكم المقصود، فمتى كان المقصود أهلًا للإيثار كان القصد المتعلِّق به كذلك، فالقصد والطريق تابعان للمقصود.
وتمام العبودية أن يوافق الرسول صلى الله عليه وسلم في مقصوده وقصده وطريقه.
فمقصوده الله وحده وقصده تنفيذ أوامره في نفسه وفي خلقه، وطريقه اتباع ما أوحي إليه، فصحبه الصحابة رضي الله عنهم على ذلك حتى لحقوا به، ثم جاء التابعون لهم بإحسان، فمضوا على آثارهم.
ثم تفرَّقت الطرق بالناس، فخيار الناس من وافقه في المقصود والطريق، وأبعدهم عن الله ورسوله من خالفه في المقصود والطريق، وهم أهل الشرك بالمعبود، والبدعة في العبادة، ومنهم من وافقه في المقصود وخالفه في الطريق، ومنهم من وافقه في الطريق وخالفه في المقصود.
فمن كان مراده الله والدار الآخرة فقد وافقه في المقصود، فإن عبد الله بما به أمر على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقد وافقه في الطريق، وإن عبده بغير ذلك فقد خالفه في الطريق.
ومن كان مقصوده من أهل العلم، والعبادة، والزهد في الدنيا الرياسة، فقد
خالفه في المقصود، وإن تقيَّد بالأمر"
(1)
.
وهذه الآداب التي وضعها ابن عجيبة وغيره
(2)
جعلت المريد يعيش "قالبًا حديدًا يحبسون فيه السُّلوك الإنساني ويقيِّدون من تلقائيته وانطلاقه"
(3)
.
(1)
مدارج السالكين 3/ 205.
(2)
ينظر: التعريف الشمولي بالجزولي، ص 71 - 72.
(3)
التصوف كوعي وممارسة، ص 151 - 152.