الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يستلزم دخولها، وأنَّ النَّجاة من الشرِّ لا تستلزم حصوله، بل يستلزم انعقاد سببه، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكَّنوا منه، يقال: نجَّاه الله منهم
…
كذلك حال الوارد في النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجِّي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيَّا، فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور: أنَّ الورود هو الورود على الصِّراط
(1)
.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "وفسَّر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الورود بهذا، وهذا عامٌّ لجميع الخلق"
(2)
.
ثامنًا: حقيقة الروح وعلاقتها بوحدة الوجود عند ابن عجيبة:
قال ابن عجيبة: "وحقيقة الإنسان هي: روحانية، وهي لطيفة نورانية جبروتية، ثم احتجبت ببشرية كثيفة ناسوتيه"
(3)
، وقال في موضعٍ آخر: " وكون الأرواح حادثة يجري على مذهب أهل الفرق، وأمَّا أهل الجمع فلا حادث عندهم لفناء الكائنات عن نظرهم
…
وسألتُ بعض إخواننا العارفين: هل الأرواح حادثة أو قديمة؟ فقال: الرجال الأشباح عندهم قديمة، ويشير إلى مقام الفناء كما تقدَّم لكنه سرٌّ مكتوم"
(4)
.
ويقول أيضًا: "وسمو الأرواح أسرارًا؛ لأنَّها لما اتصفت رجعت لأصلها وهي قطعة من السِّر الجبروتي القديم، فإذا استولت على الأشباح رجع الجميع قديمًا"
(5)
.
وهذه الأقوال فاسدةٌ باتفاق أهل السُّنَّة والجماعة؛ لأنَّ الكلام على الروح قد قُيِّد بقيود ثقال من الوحيين "ولا يجوز لأحدٍ أن يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول
(1)
شرح العقيدة الطحاوية 2/ 606.
(2)
درء تعارض العقل والنقل 5/ 330.
(3)
الفتوحات الإلهية، ص 39.
(4)
معراج التشوف، ص 48.
(5)
المرجع نفسه، ص 72، وينظر: البحر المديد 6/ 400، وإيقاظ الهمم، ص 202.
على الله ما لا يعلم، قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
(1)
(2)
، وليس في الكتاب والسُّنَّة أنَّ المسلمين نهوا أن يتكلَّموا في الروح بما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة لا في ذاتها ولا في صفاتها، وأمَّا الكلام بغير علم فذلك محرَّمٌ في كلِّ شيء"
(3)
.
قال ابن تيمية رحمه الله: "ومذهب الصَّحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان وسائر سلف الأُمَّة وأئمة السُّنَّة أنَّ الروح عينٌ قائمةٌ بنفسها تفارق البدن وتُنعَّم وتُعذَّب ليست هي البدن، ولا جزءًا من أجزائه كالنَّفس المذكور، ولما كان الإمام أحمد رحمه الله ممَّن نصَّ على ذلك كما نص عليه غيره من الأئمة لم يختلف أصحابه في ذلك
…
"
(4)
.
وقال في موضعٍ آخر: "والصَّواب أنها ليست مركَّبة من الجواهر المفردة، ولا من المادة والصورة، وليست من جنس الأجسام المتحيِّزات المشهودة المعهودة، وأمَّا الإشارة إليها فإنه يُشار إليها، وتصعد، وتنزل، وتخرج من البدن، وتُسَلُّ منه، كما جاءت بذلك النصوص ودَلَّت عليه الشواهد العقلية، وأمَّا قول القائل أين مسكنها من الجسد؟ فلا اختصاص للروح بشيءٍ من الجسد بل هي سارية في الجسد كما تسري الحياة التي هي عرض في جميع الجسد، فإنَّ الحياة مشروطة بالروح فإذا كانت الروح في الجسد كان فيه حياة وإذا فارقته الروح فارقته الحياة"
(5)
.
(1)
سورة الإسراء: 36.
(2)
سورة الأعراف: 33.
(3)
من كلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 4/ 230.
(4)
مجموع الفتاوى 13/ 341.
(5)
المرجع نفسه 9/ 302.
وبيَّن ابن القيم حقيقة الروح فقال: "إنَّه جسمٌ مخالفٌ بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسمٌ نورانيٌّ، علويٌّ، خفيفٌ، حيٌّ، متحرِّك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدُّهن في الزيتون، والنَّار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحةً لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللَّطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكًا لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحسِّ والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح، وهذا القول هو الصواب في المسألة هو الذي لا يصح غيره وكل الأقوال سواه باطلة وعليه دلَّ الكتاب والسُّنَّة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة"
(1)
.
وذكر ابن تيمية رحمه الله أصناف القائلين بقدم الروح فقال: "واعلم أنَّ القائلين بقدم الروح صنفان:
صنفٌ من الصابئة
(2)
الفلاسفة يقولون: هي قديمة أزلية لكن ليست من ذات الرب، كما يقولون ذلك في العقول، والنفوس الفلكية، ويزعم من دخل من أهل الملل فيهم أنها هي الملائكة.
وصنفٌ من زنادقة هذه الأُمَّة وضُلَّالها -من المتصوفة والمتكلِّمة والمحدثة- يزعمون أنها من ذات الله، وهؤلاء أشرُّ قولًا من أولئك، وهؤلاء جعلوا الآدمي نصفين: نصف لاهوت، وهو روحه، ونصف ناسوت، وهو جسده نصفه رب ونصفه عبد، وقد كفَّر الله النصارى بنحو من هذا القول في المسيح فكيف بمن يعم
(1)
الروح، ص 178.
(2)
الصابئة: من صبأ، وهو الخروج من دين إلى دين، وهم قسمان: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون يعظمون الكواكب السبعة والبروج الاثني عشر، ينظر: الملل والنحل 2/ 289.
ذلك في كلِّ أحد؟ حتى في فرعون: وهامان وقارون"
(1)
.
وقال في موضعٍ آخر: "من قال إنَّ أرواح بني آدم قديمة غير مخلوقة فهو من أعظم أهل البدع الحلولية الذين يجر قولهم إلى التعطيل، بجعل العبد هو الرب، وغير ذلك من البدع الكاذبة المضلة"
(2)
.
وذكر في موضعٍ آخر أيضًا الأدلة على أنَّ الروح مخلوقة فقال: "وكل ما دلَّ على أنَّ الإنسان عبدٌ مخلوقٌ مربوب، وأنَّ الله عز وجل ربه وخالقه ومالكه وإلهه فهو يدلُّ على أنَّ روحه مخلوقة، فإنَّ الإنسان عبارة عن البدن والروح معًا بل هو بالروح أخصُّ منه بالبدن وإنما البدن مطيَّة للرُّوح"
(3)
.
وذكر تلميذه ابن القيم اثني عشر وجهًا تدلُّ على أنَّ الروح مخلوقة، فقال: "فصلٌ، والذي يدلُّ على خلقها وجوه منها:
الوجه الأول: قول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}
(4)
، فهذا اللَّفظُ عامٌّ لا تخصيص فيه بوجهٍ ما، ولا يدخل في ذلك صفاته فإنها داخلة في مُسمَّى اسمه، فالله سبحانه هو الإله الموصوف بصفات الكمال، فعلمه وقدرته وحياته وإرادته وسمعه وبصره وسائر صفاته داخل في مُسمَّى اسمه ليس داخلًا في الأشياء المخلوقة كما لم تدخل ذاته فيها، فهو سبحانه وصفاته الخالق وما سواه مخلوق، ومعلومٌ قطعًا أنَّ الروح ليست هي الله ولا صفة من صفاته وإنما هي مصنوعٌ من مصنوعاته فوقوع الخلق عليها كوقوعه على الملائكة والجنِّ والإنس.
(1)
مجموع الفتاوى 4/ 221 - 222.
(2)
المرجع نفسه 4/ 226.
(3)
نفسه 4/ 220 - 212 - 222.
(4)
سورة الأنعام: 102.
الوجه الثاني: قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}
(1)
وهذا الخطاب لروحه وبدنه ليس لبدنه فقط؛ فإنَّ البدن وحده لا يفهم ولا يخاطب ولا يعقل وإنما الذي يفهم ويعقل ويخاطب هو الروح.
الوجه الثالث: قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}
(2)
.
الوجه الرابع: قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}
(3)
، وهذا الإخبار إنما يتناول أرواحنا وأجسادنا كما يقوله الجمهور، وأمَّا أن يكون واقعًا على الأرواح قبل خلق الأجساد كما يقوله من يزعم ذلك وعلى التقدير فهو صريحٌ في خلق الأرواح.
الوجه الخامس: النصوص الدالة على أنه سبحانه ربنا ورب آبائنا الأولين ورب كل شيء، وهذه الربوبية شاملة لأرواحنا وأبداننا، فالأرواح مربوبة له مملوكة كما أنَّ الأجسام كذلك، وكل مربوب مملوك فهو مخلوق.
الوجه السادس: أول سورة في القرآن وهي الفاتحة، تدلُّ على أنَّ الأرواح مخلوقة من عدة أوجه:
أحدها: قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(4)
والأرواح من جملة العالم فهو ربها.
الثاني: قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
(5)
فالأرواح عابدة له
(1)
سورة مريم: 9.
(2)
سورة الصافات: 96.
(3)
سورة الأعراف: 11.
(4)
سورة الفاتحة: 1.
(5)
سورة الفاتحة: 5.