الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "ولقد كنتُ في حال الرياضة والمجاهدة إذا أردت أن أتكلم في التفسير، أو غيره أشرع في الكلام، ثم أغيب، فكنت أحس بالكلام يخرج مني من غير اختيار كأنه السحاب، فتصدر مني علوم وحكم فإذا سكتُ لم يبق إلا القليل"
(1)
، ولهذا تجد اضطرابات الصوفية في بحثهم عن المعنى الباطن، بل الصوفي يعزل نفسه عن وسائل فهم آيات الكتاب فيغفل عن الظاهر ويعرض عن أقوال المفسرين المحققين، وينصرف عن أحكام اللغة العربية، بل يجعل وسائل الفهم حُجب تحجب المفسِّر عن المعنى الباطن
(2)
.
خامسًا: استدلاله بالكتاب، وذلك عندما فسَّر الرواسي بالأبدال في قوله تعالى:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
(3)
يقول: "في الظاهر: الجبال، وفي الحقيقة: الأبدال، الذين هم أوتاد، بهم يقيهم، وبهم يصرف عن قريبهم وقاصيهم"
(4)
.
وتفسيره الرواسي بالأبدال في الحقيقة لا يُوافق عليه؛ لعدة أمور:
1 -
مخالفته لما عليه المحققون من المفسرين كابن جرير الطبري، والبغوي
(5)
، وابن كثير، وغيرهم
(6)
.
(1)
إيقاظ الهمم، ص 366.
(2)
ينظر: قوت القلوب بتصرُّف يسير، لأبي طالب المكي 1/ 69.
(3)
سورة النحل: 15.
(4)
البحر المديد 5/ 550.
(5)
هو أبو محمد، الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، الإمام الحافظ، محيي السُّنَّة، البغوي الشافعي، المفسِّر، صاحب التصانيف النافعة، توفي سنة 516 هـ. ينظر: السير 19/ 439 - 443، فيات الأعيان 2/ 136 - 137، الوافي بالوفيات 13/ 26، طبقات السبكي 7/ 75 - 80، البداية والنهاية 16/ 216، شذرات الذهب 4/ 48 - 49.
(6)
ذكر الله تعالى الأرض، وما جعل فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات، لتقر الأرض ولا تميد، أي: تضطرب بما عليها من الحيوان فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات: 32]. ينظر: تفسير الطبري 1/ 435، تفسير البغوي 2/ 608، تفسير ابن كثير 4/ 562.
2 -
قضية الأبدال ووجودهم لا يدلُّ عليها كتابٌ ولا سُنَّة.
حتى إن العلماء ردوا كل حديث ورد فيها، يقول ابن القيم رحمه الله: "أحاديث الأبدال
(1)
، والأقطاب
(2)
والأغواث والنقباء
(3)
، والنجباء
(4)
والأوتاد
(5)
كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب ما فيها:«لا تسبوا أهل الشام، فإنَّ فيهم البدلاء، كلما مات رجلٌ منهم أبدل الله مكانه رجلًا آخر»
(6)
، ولا يصح أيضًا، فإنه منقطع"
(7)
.
"أما الأسماء الدائرة على ألسنة كثيرٍ من النسَّاك والعامَّة مثل (الغوث) الذي بمكة (والأوتاد الأربعة) و (الأقطاب السبعة) و (الأبدال الأربعين) و (النجباء
(1)
الأبدال: هم الذين استبدلوا المساوئ بالمحاسن واستبدلوا من صفاتهم صفات محبوبهم. ينظر: معراج التشوف إلى حقائق التصوف، ص 79.
(2)
الأقطاب: هو القائم بحقِّ الكون، ويُسمَّى بالغوث من حيث إغاثته العوالم بمادته ورتبته الخاصة، وهو على قلب إسرافيل -حسب زعمهم الباطل-. ينظر: معراج التشوف إلى حقائق التصوف، ص 80، ومعجم مصطلحات الصوفية، ص 162.
(3)
النَّقباء: هم الذين نقبوا الكون وخرجوا إلى فضاء شهود المكون. ينظر: معراج التشوف إلى حقائق التصوف، ص 80.
(4)
النَّجباء: هم السابقون إلى الله لنجابتهم وهم أهل الجدِّ والقريحة من المريدين. ينظر: معراج التشوف إلى حقائق التصوف، ص 80.
(5)
الأوتاد: هم الراسخون في معرفة الله وهم أربعة، كأنهم أوتاد لأركان الكون الأربعة. ينظر: معراج التشوف إلى حقائق التصوف، ص 80.
(6)
أخرجه أحمد في فضائل الصحابة 2/ 904، رقم 1723، والطبراني في المعجم الكبير 18/ 65، رقم 120، وابن عساكر 1/ 277، والحديث ضعَّفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 10/ 321، رقم 4779، وفي ضعيف الجامع الصغير، ص 898، رقم 6223.
(7)
المنار المنيف، ص 136، وينظر: مجموع الفتاوى 11/ 433 - 444، و 27/ 101 - 103.
الثلاثمائة): فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى؛ ولا هي أيضًا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ صحيح ولا ضعيف يحمل عليه ألفاظ الأبدال.
فقد روي فيهم حديثٌ شاميٌّ منقطع الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ فيهم -يعني أهل الشام- الأبدال الأربعين رجلًا كلما مات رجلٌ أبدل الله تعالى مكانه رجلًا» "ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف كما هي على هذا الترتيب؛ ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشايخ المقبولين عند الأمة قبولًا عامًّا؛ وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشايخ؛ وقد قالها إما آثرًا لها عن غيره أو ذاكرًا، وهذا الجنس ونحوه من علم الدين قد التبس عند أكثر المتأخرين حقه بباطله فصار فيه من الحق ما يوجب قبوله ومن الباطل ما يوجب رده وصار كثير من الناس على طرفي نقيض، قوم كذبوا به كله لما وجدوا فيه من الباطل، وقوم صدقوا به كله لما وجدوا فيه من الحق وإنما الصواب التصديق بالحق والتكذيب بالباطل، وهذا تحقيق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ركوب هذه الأُمَّة سنن من قبلها حذو القُذَّة بالقُذَّة، فإنَّ أهل الكتابين لبَّسوا الحق بالباطل وهذا هو التبديل والتحريف الذي وقع في دينهم؛ ولهذا يتغير الدين .... وهؤلاء الذين يدعون هذه المراتب فيهم مضاهاة للرافضة من بعض الوجوه، بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية
(1)
ونحوهم
(1)
النصيرية: واحدة من فرق الباطنية، عُرفت عبر التاريخ بمسميات منها: النصيرية وهو الاسم الذي غلب على هذه الطائفة نسبةً إلى مؤسسها وزعيمها (محمد بن نصير)، وسُمُّوا بالنميرية نسبةً لمؤسِّس فرقتهم محمد بن نصير النميري، ومن معتقداتهم: السِّرُّ والكتمان على معتقدهم ولا يُسمح لأحدٍ بإذاعته، ومن أفشى سرهم لاحقوه حتى يقتلوه، يؤلِّه النصيرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويزعمون أنه هو الواحد الأحد، وأنه الإله الحقيقي، وكلمة السر عندهم هي: ع. م .. س، وهي أهم قسم عندهم، وكل حرف من هذه الأحرف يشير إلى اسم الشخص الذي غلو فيه: ع هو علي، والميم محمد، والسين سلمان الفارسي، وهم يلغون المعاد وما يتصل به من ثواب وعقاب، وجنة ونار، ويقولون بالتناسخ. ينظر: مقالات الإسلاميين، لأبي الحسن الأشعري 1/ 86، الفرق بين الفرق، ص 252، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، للرازي، ص 91، الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية العلوية، لسليمان أفندي الأذني النصيري، ص 15 - 17، 25، الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، للخطيب، ص 345، 347، 360.
في السابق والتالي والناطق والأساس والجسد
(1)
وغير ذلك من الترتيب الذي ما نزَّل الله به من سلطان
(2)
.
وهذا الحديث ضعَّفه جمع من أهل العلم
(3)
، وأما إن قال قائل لفظ الأبدال ورد في كلام السلف
(4)
، فالمقصود أنهم قوم صالحون كلما مات رجل منهم أبدل الله بآخر يحُيى بهم السُّنَّة، خلاف ما اعتقده الصوفية بأنَّ الله يحفظ بهم الأقاليم السبعة، وهم سبعة لا يزيدون ولا ينقصون لكل بلد إقليم فيه ولايته، فهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سُنَّة.
قال الصنعاني
(5)
: "وإن سلَّمنا صحة الأحاديث في ذلك فإنه لم يجعل الله لهم علامة يعرفون بها بأعيانهم اتفاقًا فلا يعرف أن الشخص من الأبدال حتى يعتقد أنه ولي الله عز وجل الولاية الخاصة التي يزعمون وإلا فالمؤمنون المتقون أولياء الله عز وجل "
(6)
.
(1)
هذه مراتب الصنعة الإلهية عند الإسماعيلية: السَّابق: هو الله، وأفضى السابق إلى تاليه، والناطق: هو الرَّسُول، والأساس: هو الإمام القائم. ينظر: الحركات الباطنية في الإسلام د. مصطفى غالب، ص 116.
(2)
مجموع الفتاوى 11/ 433 - 434.
(3)
ابن القيم، في كتابه المنار المنيف، ص 136، والألباني في ضعيف الجامع 2266، وقال:"واعلم أنَّ أحاديث الأبدال لا يصحُّ منها شيءٌ وكلُّها معلولة وبعضها أشدُّ ضعفًا من بعض" سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 339.
(4)
ينظر: لمن ذكرهم في كتاب، العلل للدارقطني 6/ 29، وتهذيب التهذيب 3/ 12.
(5)
محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الصنعاني، ولد سنة 1099 هـ، من شيوخه: زيد بن محمد الحسن، عبد الله بن علي الوزير، ومن تلاميذه: عبد الله بن أحمد بن إسحاق، وله مصنفات منها: إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة، تطهير الاعتقاد، مات سنة 1182 هـ، ينظر: البدر الطالع، ص 649.
(6)
الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف، ص 59.