الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول:
الولاية ومراتب الأولياء
أولًا: تعريف الولاية
عرفها ابن عجيبة بقوله: "الولاية: هي حصول الأنس بعد المكابدة، واعتناق الروح بعد المجاهدة، وحاصلها: تحقيق الفناء في الذات بعد ذهاب حس الكائنات، فيبقى مالم يكن ويبقى مالم يزل، فأولها التمكن من الفناء، ونهايتها تحقيق البقاء وبقاء البقاء، ويبقى الترقي والاتساع فيها أبدًا سرمدًا"
(1)
.
وقال القاشاني: "هي قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه، وذلك بتولي الحق إياه حتى يبلغه غاية مقام القرب والتمكن"
(2)
.
وعرَّفها الجيلي بقوله: "عبارة عن تولي الحق سبحانه وتعالى عبده بظهور أسمائه وصفاته عليه علمًا وعينًا وحالًا وأثر لذة وتصرُّفًا"
(3)
.
ثانيًا: تعريف الولي
قال ابن عجيبة في تعريفه: "الوليُّ: هو من ارتفع عنه الحجاب حتى دخل مقام الشهود والعيان، وفتحت له ميادين الغيوب، فلم يحجبه عن الله شيء"
(4)
.
وقال أيضًا: "والأولياء هم من كشف عنهم الحجاب، وأفضوا إلى الشهود والعيان"
(5)
.
(1)
معراج التشوف، ص 32.
(2)
معجم اصطلاحات الصوفية، ص 54.
(3)
الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر 2/ 85.
(4)
الفهرسة، ص 41.
(5)
البحر المديد 4/ 144.
أمَّا التعريفات الموافقة للكتاب والسُّنَّة فهي التي بيَّنها العلماء المحققون.
قال ابن تيمية رحمه الله: "والولايةُ: ضدُّ العداوة، وأصل الولاية: المحبَّة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد"
(1)
.
وقال الشوكاني: "والولايةُ: ضدُّ العداوة، وأصل الولاية: المحبَّة والتقرُّب كما ذكره أهل اللغة، وأصل العداوة: البغض والبعد"
(2)
.
وعرَّف ابن تيمية الولي بقوله: "من الوَلْيِ وهو القرب، كما أنَّ العَدُوَّ من العدو وهو البعد، فولي من والاه بالموافقة له في محبوباته، ومرضياته، وتقرب إليه بما أمر به من طاعاته"
(3)
.
وقال أيضًا: "أولياء الله تعالى هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبُّوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض"
(4)
.
وأما تعريفات ابن عجيبة وغيره فقد جعلت أعداء الإسلام يعتقدون أن هذا هو الولي عند المسلمين
(5)
، ومفادها الفناء والبقاء، والوصول إلى الحلول والاتحاد.
قال ابن عجيبة: "الفناء أن تبدو لك العظمة فتنسيك كلَّ شيءٍ وتغيبك عن كلِّ شيءٍ سوى الواحد الذي ليس كمثله شيء وليس معه شيء، أو تقول: هو شهود حق بلا خلق كما أنَّ البقاء هو شهود خلق بحق"
(6)
.
(1)
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 9.
(2)
قطر الولي على حديث الولي، ص 223.
(3)
الرسائل والمسائل 1/ 150.
(4)
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 16.
(5)
قال المستشرق نيكولسن: "يطلق المسلمون اسم الولي على الرجل الذي وصل إلى مقام الفناء في ذاته وإرادته وبقي بالإرادة الإلهية"، وهذا المعنى عند المتصوفة، ولا يعتقده أهل السُّنَّة والجماعة. ينظر: في التصوف الإسلامي وتاريخه، ص 157.
(6)
إيقاظ الهمم، ص 299، 125 - 126.
ففي حال الفناء يغيب عن كل شيء ولا يرى إلا الله فهذا ما يعبر عنه بوحدة الشهود.
وحال البقاء فلا يغيب عنه شيء؛ لأنه يرى الله في كل شيء عز وجل عمَّا يقول عُلُوًّا كبيرًا.
وهذه التعريفات لا تمتُّ الإسلام بشيء، بل تدلُّ على تأثُّر الصوفية بفلسفة أفلوطين.
ولقد بين ابن تيمية رحمه الله أقسام الفناء بقوله: "إنَّ الفناء ثلاثة أنواع:
نوع للكاملين من الأنبياء والأولياء، ونوع للقاصدين من الأولياء والصالحين، ونوع للمنافقين الملحدين المشبهين.
(فأما الأول): فهو الفناء عن إرادة ما سوى الله، بحيث لا يحب إلا الله ولا يعبد الا إياه ولا يتوكل إلا عليه ولا يطلب غيره، وهو المعنى الذي يجب أن يقصد بقول أبي يزيد حيث قال: أريد أن لا أريد إلا ما يريد، أي المراد المحبوب المرضي، وهو المراد بالإرادة الدينية، وكمال العبد أن لا يريد ولا يحب ولا يرضى إلا ما أراده الله ورضيه وأحبَّه وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب، ولا يحب إلا ما يحبه الله كالملائكة والأنبياء والصالحين
…
وأما النوع الثاني: فهو الفناء عن شهود السوى، وهذا يحصل لكثير من السالكين، فإنهم لفرط انجذاب قلوبهم إلى ذكر الله وعبادته ومحبته وضعف قلوبهم عن أن تشهد غير ما تعبد وترى غير ما تقصد؛ لا يخطر بقلوبهم غير الله، بل ولا يشعرون
…
فإذا قوي على صاحب الفناء هذا فإنه يغيب بموجوده عن وجوده وبمشهوده عن شهوده وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته حتى يفنى من لم يكن
وهي المخلوقات المعبدة ممن سواه ويبقى من لم يزل وهو الرب تعالى
…
وهذا الموضع زل فيه أقوام وظنُّوا أنه اتحاد وأنَّ المحب يتحد بالمحبوب حتى لا يكون بينهما فرق في نفس وجودهما، وهذا غلط؛ فإنَّ الخالق لا يتحد به شيءٌ أصلًا بل لا يتحد شيءٌ بشيءٍ إلا إذا استحالا وفسدا وحصل من اتحادهما أمر ثالث لا هو هذا ولا هذا كما إذا اتحد الماء واللبن والماء والخمر ونحو ذلك، ولكن يتحد المراد والمحبوب والمكروه ويتفقان في نوع الإرادة والكراهة فيحب هذا ما يحب هذا، ويبغض هذا ما يبغض هذا ويرضى ما يرضى ويسخط ما يسخط ويكره ما يكره ويوالي من يوالي ويعادي من يعادي وهذا الفناء كله فيه نقص، وأكابر الأولياء كأبي بكر وعمر والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يقعوا في هذا الفناء فضلًا عمَّن هو فوقهم من الأنبياء، وإنما وقع شيءٌ من هذا بعد الصحابة رضي الله عنهم.
وأمَّا النوع الثالث: مما قد يسمى فناء فهو أن يشهد أن لا موجود إلا الله وأن وجود الخالق هو وجود المخلوق فلا فرق بين الرب والعبد، فهذا فناء أهل الضلال والإلحاد الواقعين في الحلول والاتحاد
…
وهو تحقيق آل فرعون"
(1)
.
والملاحظ من تعريف ابن عجيبة للولي أنه جعل معرفة الولي تكون عمَّن صدر عنه كشفٌ، وهذا لا شك في بطلانه.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وتجد كثيرًا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليًّا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة
…
وليس في شيءٍ من هذه الأمور ما يدلُّ على أن صاحبها ولي لله؛ بل قد اتفق أولياء الله على أنَّ الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يُغترَّ به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه.
(1)
مجموع الفتاوى 10/ 288.
وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان قد يكون صاحبها وليًّا لله عز وجل فقد يكون عدوًّا لله عز وجل؛ فإنَّ هذه الخوارق تكون لكثير من الكفَّار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين فلا يجوز أن يظن أنَّ كلَّ من كان له شيءٌ من هذه الأمور أنه ولي لله؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دلَّ عليها الكتاب والسُّنَّة ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة"
(1)
.
وقال الشيخ النجمي رحمه الله
(2)
: "إنَّ من يعتقد عقيدة الصوفية المارقة أصحاب وحدة الوجود الذين يجعلون للمخلوق صفات الخالق، فإنه يعتبر قد أشرك بالله شركًا أكبر، وخرج من الإسلام بإعطائه للمخلوق صفات الخالق جلَّ شأنه وعزَّ سلطانه وتعالت صفاته"
(3)
.
ويقول أيضًا ": إنَّ من قاس الله عز وجل بخلقه فقد تنقَّصه وشبَّهه، لذلك فهو جدير بأن يحبس ويضرب ويستتاب؛ لأنه لم يؤمن بهيمنة الله عز وجل على عباده، وعلمه الشامل وقدرته النافذة"
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى 11/ 213.
(2)
هو: الشيخ أحمد بن يحيى بن محمد بن شبير النجمي آل شبير من بني حُمّد، إحدى القبائل المشهورة بمنطقة جازان، كان مفتي منطقة جنوب السعودية، ولد بقرية النجامية في 22 شوال عام 1346 هـ، من مشايخه: الشيخ عبد الله القرعاوي، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ ابن باز، والشيخ حافظ حكمي رحمهم الله، ومن مؤلفاته: أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة، رسالة في حكم الجهر بالبسملة، توفي عام 1429 هـ. ينظر: المورد العذب الزلال، ص 4 - 5.
(3)
رد على صوفي، ص 23.
(4)
أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة، ص 279.