الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الناس في ذلك، وجهلوا الصواب فيه، فالاسم يراد به المسمَّى تارة، ويراد به اللَّفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك -فهذا المراد به المسمَّى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحمن من أسماء الله ونحو ذلك- فالاسم هاهنا هو المراد لا المسمَّى، ولا يقال غيره؛ لما في لفظ الغير من الإجمال: فإن أريد بالمغايرة أنَّ اللَّفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أنَّ الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سمَّاه خلقه بأسماء من صنعهم- فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى"
(1)
.
وهذا القول هو الموافق لصريح الكتاب والسُّنَّة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
(2)
، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا مئة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة»
(3)
.
ثانيا: آراؤه في صفات الله تعالى
أ- تقسيم الصفات وطريقته في إثباتها
أولًا: صفات نفسيَّة: وهي: "كل صفة إثبات للنفس لازمة ما بقيت النفس وغير معللة بعللٍ قائمة بالموصوف"
(4)
.
ومثال ذلك: قال ابن عجيبة: "الحليم من الصفة النفسية"
(5)
.
(1)
شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، ص 82.
(2)
سورة الأعراف: 180.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثُّنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم 2/ 285، رقم 2736.
(4)
الشامل، ص 308.
(5)
تفسير الفاتحة الكبير، ص 141.
ثانيًا: الصفات السلبيَّة هي: "ما يكون السَّلب معتبرًا في مفهومها"
(1)
.
مثال ذلك: قال عن اسم الله عز وجل السلام: معناه راجعٌ إلى تنزُّه الحقِّ عن الآفات المقدَّسة "وهو صفة سلب"
(2)
.
ثالثًا: صفات المعاني أو الصفات الثبوتيَّة، وهي:"كلُّ صفةٍ دلَّ الوصف بها على معنى زائد على الذات"
(3)
.
والضابط في اصطلاحهم: هي ما دلَّ على معنى وجوديٍّ قائمٍ بالذات، ولم يقر هؤلاء إلا بسبعٍ منها: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، ونفوا ما عداها من صفات المعاني، كالرأفة، والرحمة، والحلم
(4)
.
رابعًا: الصفات المعنويَّة، وهي:"الأحكام الثابتة للموصوف بها معلَّلة بعللٍ قائمةٍ بالموصوف"
(5)
.
وهي (كونه قادرًا، ومريدًا، وحيًّا، وعالِمًا، ومتكلِّمًا، وسميعًا، وبصيرًا).
وهذه الصِّفات التي يزعم ابن عجيبة أنه أثبتها، اشتملت على عشرين صفة على حدِّ زعمه وهي:"الوجود، والقدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، والقيام بالنفس، والوحدانية، والقدرة، والإرادة، والعلم، والسمع، والبصر، والكلام، وكونه تعالى قادرًا، ومريدًا، وعالِمًا، وحيًّا، وسميعًا، وبصيرًا، ومتكلِّمًا"
(6)
.
(1)
الشامل، ص 308.
(2)
تفسير الفاتحة الكبير، ص 122، 147.
(3)
الشامل، ص 308.
(4)
ينظر: منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات، ص 5، الصفات الإلهية تعريفها وأقسامها، ص 80.
(5)
الإرشاد، ص 51.
(6)
مخطوط رسائل في العقائد، ل/4.
والصفات التي أخبر بها الله عز وجل عن نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم آمن بها الصحابة رضي الله عنهم، وتلقَّوها بالقبول والتسليم، وسار على نهجهم من وفَّقه الله عز وجل لفهمها وفق منهج السلف الصالح.
وكذلك لم يتكلَّفوا تقسيم الصفات أو الخوض في ذلك إلا عندما اضطروا إليه؛ لأنهم لم يتجاوزوا الكتاب والسُّنَّة، ولم يؤثر عن الصحابة رضي الله عنهم أن تنازعوا في مسألة من مسائل الصفات، بل آمنوا بها وأمرُّوها كما جاءت، قال المقريزي رحمه الله
(1)
: "ومن أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي ووقف على الآثار السلفيَّة، علم أن لم يرد قطُّ من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى شيءٍ مما وصف الرَّب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، بل كلُّهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات
…
ولا فرَّق أحدٌ منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل"
(2)
.
ولكن لما نبتت نابتة من أهل البدع ونفوا الصفات أو أوَّلوها، أو ردُّوا بعضها، كان لا بدَّ لأهل السُّنَّة من ردِّ باطلهم.
وابن عجيبة سلك مسلك الأشاعرة في تقسيمه للصفات وبهذا خالف ما عليه أهل السُّنَّة والجماعة.
(1)
هو أبو العباس، أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد تقي الدين المقريزي، له مصنفات منها: تجريد التوحيد المفيد، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ولد في مصر، وتوفي سنة 845 هـ. ينظر: شذرات الذهب 9/ 370، إنباء الغمر بأبناء العمر، 9/ 170.
(2)
المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار بعنوان: (ذكر الحال في عقائد أهل الإسلام منذ ابتداء الملة الإسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية) 4/ 434.
ولقد بيَّن العلماء رحمهم الله القول الحق في تقسيم الصفات.
قال ابن تيمية رحمه الله: "الصفات نوعان
(1)
:
أحدهما: صفات نقص، فهذه يجب تنزيه الله عنها مطلقًا، كالموت، والعجز، والجهل.
والثاني: صفات كمال، مثل القيُّوم، وصفة الحياة، وغيرها من صفات الكمال المثبتة في الكتاب والسُّنَّة، فهذه يمتنع أن يماثله فيها شيء
(2)
.
وتنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتيَّة وصفات منفيَّة.
والصفات الثبوتيَّة تنقسم إلى قسمين من جهة تعلقها بالله عز وجل وهي:
صفات ذاتيَّة وصفات فعليَّة
(3)
.
1 -
الصفات الذاتيَّة: هي التي لا تنفكُّ عن الذات، والتي لم يزل ولا يزال الله متصفًا بها
(4)
.
مثل: (الوجه، اليدين، العينين)
(5)
.
2 -
الصفات الفعلية: وتُسمَّى الصفات الاختياريَّة، وهي المتعلقة بالمشيئة والقدرة، أو هي التي تنفكُّ عن الذَّات
(6)
، مثل: الاستواء، والمجي، والنزول.
(1)
على وجه العموم.
(2)
الصفدية 1/ 102.
(3)
وقد تكون الصفة ذاتية وفعلية، مثل: صفة الكلام، صفة ذاتية من حيث النوع والأصل، وفعلية باعتبار آحاد الكلام، وأفراده صفة فعلية؛ لأنَّ أفراد الكلام، وآحاده تقع بمشيئة الله عز وجل، ينظر: فتح العلي الأعلى بشرح القواعد المثلى، الشيخ عبيد الجابري، ص 131.
(4)
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص 127.
(5)
مجموع الفتاوى 6/ 68.
(6)
ينظر: مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية، ص 57.
الصفات المنفية: وهي التي نفاها الله عز وجل عن نفسه في كتابه أو لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مع إثبات
(1)
كمال ضدِّها له تعالى.
وكما هو معلوم أنَّ النفي المحض ليس فيه مدحٌ ولا كمالٌ إلا إذا تضمَّن إثباتًا، وإلا فمجرَّد النفي ليس فيه مدحٌ ولا كمال؛ لأنَّ النَّفي المحض عدمٌ محض.
ولهذا كان عامة ما وصف الله عز وجل به نفسه من النَّفي متضمِّنًا لإثبات مدح كقوله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}
(2)
فنفي السِّنَة والنوم يتضمَّن كمال الحياة والقيام
(3)
.
وتنقسم الصفات من حيث الدليل إلى قسمين:
1 -
الصفات الخبرية، وهي التي دلَّ على ثبوتها الخبر عن الله عز وجل ورسوله ولا مجال للعقل في نفيها أو إثباتها
(4)
.
2 -
الصفات العقليَّة: هي التي دلَّ العقل
(5)
عليها إضافةً إلى أنها ثابتة بدلالة الكتاب والسُّنَّة، فهي شرعيَّة عقليَّة، قال ابن تيمية رحمه الله:"فهي شرعيَّة؛ لأنَّ الشرع دلَّ عليها، وأرشد إليها، وهي عقليَّة؛ لأنها تُعلم صحتها بالعقل، ولا يقال إنها لم تُعلم إلا بمجرَّد الخبر، فإذا أخبر الله بالشيء ودلَّ عليه بالدلالات العقليَّة صار مدلولًا عليه بخبره ومدلولًا عليه بدليله العقلي الذي يُعلم به، فيصير ثابتًا بالسمع والعقل، وكلاهما داخلٌ في دلالة القرآن التي تُسمَّى (الدلالة الشرعية) "
(6)
.
(1)
ينظر: بدائع الفوائد 1/ 166.
(2)
سورة البقرة: 255.
(3)
ينظر: التدمرية، ص 57 - 58.
(4)
ينظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 75 - 87، الصفات الإلهية، لمحمد أمان الجامي، ص 207، والتبصير في معالم الدين، ص 132.
(5)
العقل الموافق للشرع.
(6)
مجموع الفتاوى 6/ 71 - 72.
وقال أيضًا: "والمقصود هنا أنَّ من صفات الله تعالى ما قد يُعلم بالعقل، كما يُعلم أنه عالم، وأنه قادرٌ، وأنه حيٌّ، كما أرشد إلى ذلك قول الله تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
(1)
.
وقد اتفق النُّظَّار من مثبتة الصفات على أنه يُعلم بالعقل -عند المحققين- أنَّه حيٌّ، عليمٌّ قدير، مريدٌّ، وكذلك السَّمع والبصر والكلام يثبت بالعقل عند المحققين منهم، بل وكذلك الحبُّ والرِّضا، والغضب يمكن إثباته بالعقل، وكذلك علوه على المخلوقات ومباينته لها مما يُعلم بالعقل، كما أثبتته الأئمة مثل: أحمد بن حنبل وغيره"
(2)
.
وقسَّم العلماء الصفات الفعلية من جهة تعلُّقها بمتعلقها إلى قسمين
(3)
:
1 -
متعدية: وهي ما تعدَّت لمفعولها بلا حرف جرَّ مثل: خلق، ورزق، وهدى، وأضلَّ، ونحوها.
2 -
لازمة: وهي ما تتعدَّى لمفعولها بحرف جر كالاستواء والمجيء والإتيان والنزول ونحوها.
والقولُ السابقُ أصلُه عند ابن تيمية رحمه الله فقد قسَّمها هذا التقسيم بقوله: "القول الثابت: إثبات الفعلين اللازم والمتعدي كما دلَّ عليه القرآن فنقول: إنه كما أخبر عن نفسه: أنَّه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وهو قول السلف، وأئمة السُّنَّة"
(4)
.
(1)
سورة الملك: 14.
(2)
التدمرية، ص 149 - 150.
(3)
الصفات الإلهية تعريفها وأقسامها، ص 66.
(4)
مجموع الفتاوى 8/ 14.
وأيضًا تبعه على هذا التقسيم تلميذه ابن القيم بقوله: "فأفعاله نوعان: لازمة، ومتعدية، كما دلَّت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على النوعين"
(1)
.
وابن عجيبة كما يظهر أنه سلك مسلك الأشاعرة المتأخرين بتقسيم الصفات إلى أربعة أقسام، كما مرَّ معنا، وليس عندهم من الإثبات -بزعمهم- إلا صفات المعاني التي خالفوا فيها منهج أهل السُّنَّة والجماعة في إثباتها، بقولهم إنها أزليَّة، ولزومها لذات الرَّب أزلًا وأبدًا، وهم خشوا بذلك إن أثبتوها -بحسب زعمهم- حلول الحوادث بالله تعالى
(2)
.
وردّ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله على ما زعموه في هذه الصفات السبع بقوله: "والتحقيق أنَّ عد الصفات السبع المعنوية
…
لا وجه له؛ لأنها في الحقيقة إنما هي كيفية الاتصاف بالمعاني السبع التي ذكرنا، ومن عدَّها من المتكلِّمين عدّوها بناءً على ثبوت ما يسمونه الحال المعنوية التي يزعمون أنها واسطة ثبوتية، لا معدومة ولا موجودة، والتحقيق أنَّ هذه خرافة وخيال، وأنَّ العقل الصحيح لا يجعل بين الشيء ونقيضه واسطةً البتَّة، فكلُّ ما ليس بموجود فهو معدومٌ قطعًا، وكلُّ ما ليس بمعدوم فهو موجود قطعًا، ولا واسطة البتَّة كما هو معروفٌ عند العقلاء"
(3)
.
(1)
مختصر الصواعق المرسلة 2/ 229.
(2)
ينظر الإرشاد إلى قواطع الأدلة، ص 102 - 105، والمواقف، للإيجي، ص 281، و 294، وينظر أيضًا: مجموع الفتاوى 16/ 301.
(3)
منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات، ص 19 - 20.