الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو زرعة وأبو حاتم رحمهما الله: "أدركنا العلماء في جميع الأمصار: حجازًا، وعراقًا، وشامًا، ويمنًا، فكان من مذهبهم: الإيمان قولٌ وعملٌ يزيدُ وينقص"
(1)
.
وقال ابن تيمية رحمه الله في بيان الأصول التي اتفق عليها أهل السُّنَّة والجماعة: "ومن أصول أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ الدين والإيمان قولٌ وعمل، قولُ القلبِ واللِّسان، وعملُ القلب واللِّسان والجوارح، وأنَّ الإيمان يزيد بالطاعة، وينقصُ بالمعصية"
(2)
.
ثالثًا: تعريف ابن عجيبة للإيمان، وحقيقة العمل فيه
قال: "فالإيمان هو التصديقُ بالقلب"
(3)
.
وقال في موضعٍ آخر: "والإيمان في اللُّغة: التصديقُ بالقلب بوجود الرَّب"
(4)
.
أمَّا حقيقة العمل فيرى أنَّ العمل ليس من الإيمان، بل يخرجه عن مُسمَّى الإيمان، يقول في تفسيره لقول الله تعالى:{وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ}
(5)
: "وفيه دليلٌ على أنَّ العمل ليس من الإيمان"
(6)
.
(1)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة 1/ 176.
(2)
العقيدة الواسطية، ص 111.
(3)
البحر المديد 7/ 320، وهذا القول أيضًا يقول به بعض الماتريدية، قال أبو المعين النسفي:"الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق"، التمهيد في أصول الدين، ص 99 - 100، ولا شك أن هناك تقاربًا بين الأشاعرة والماتريدية؛ لأنهما انبثقتا من الكُلابية. ينظر: شرح العقائد النسفية، ص 55 - 56، والملل والنحل، ص 39 - 40.
(4)
البحر المديد 5/ 3.
(5)
سورة يونس: 26.
(6)
البحر المديد 7/ 157.
وقوله: (إنَّ الإيمان هو التصديق بالقلب) هو قول أكثر الأشاعرة
(1)
، الذين وافقوا الجهمية في مسألة الإيمان وحقيقة العمل فيه، قال ابن تيمية رحمه الله: "وأمَّا الأشعريُّ: فالمعروف عنه وعن أصحابه أنَّهم يُوافقون جهمًا في قوله في الإيمان، وأنَّه مجرَّد تصديق القلب، أو معرفة القلب
…
"
(2)
.
وقال في موضعٍ آخر: "وأمَّا جهمٌ فكان يقول: إنَّ الإيمان مجرَّد تصديق القلب، وإن لم يتكلَّم به"
(3)
.
وأمَّا إطلاق لفظ التصديق في اللُّغة على مسمَّى الإيمان فمردودٌ من عدة أمور:
1 -
"ينبغي أن يُعلم أنَّ الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عُرف تفسيرها وما أُريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللُّغة ولا غيرهم؛ ولهذا قال الفقهاء: الأسماء ثلاثة أنواع: نوعٌ يُعرف حَدُّه بالشَّرع، كالصَّلاة والزكاة، ونوعٌ يُعرف حَدُّه باللُّغة، كالشَّمس، والقمر، ونوعٌ يُعرف حَدُّه بالعُرف، كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(4)
…
فاسم الصَّلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك
(5)
قد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يُراد بها في كلام اللَّه ورسوله، وكذلك لفظ الخمر وغيرها، ومن هناك يُعرف معناها، فلو أراد أحَدٌ أن يفسِّرها بغير ما بيَّنه النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُقبل منه، وأمَّا الكلام في اشتقاقها ووجه
(1)
ينظر: الإنصاف للباقلاني، ص 22، اللمع، ص 78، المواقف، ص 384، تحفة المريد، ص 84. الإرشاد، ص 333 - 334.
(2)
النبوات 1/ 580.
(3)
مجموع الفتاوى 13/ 47.
(4)
سورة النساء: 19.
(5)
"كاسم البيع والنكاح والقبض والدرهم والدينار، ونحو ذلك من الأسماء التي لم يحدها الشارع بحد، ولا لها حد واحد يشترك فيه جميع أهل اللغة بل يختلف قدره وصفته باختلاف عادات الناس" مجموع الفتاوى 19/ 235.
دلالتها، فذاك من جنس علم البيان، وتعليل الأحكام، هو زيادة في العلم، وبيان حكمة ألفاظ القرآن، لكن معرفة المراد بها لا يتوقّف على هذا.
واسم الإيمان والإسلام والنفاق والكفر، هي أعظم من هذا كله، فالنَّبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن المراد بهذه الألفاظ بيانًا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق؛ فلهذا يجب الرجوع في مُسمَّيات هذه الأسماء إلى بيان اللَّه ورسوله، فإنه شافٍ كافٍ، بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة للخاصَّة والعامَّة، بل كلُّ من تأمَّل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف للرُّسول ويعلم بالاضطرار أنَّ طاعة اللَّه ورسوله من تمام الإيمان"
(1)
.
2 -
"أنَّ لفظ الإيمان في اللُّغة لم يقابل بالتكذيب كلفظ التصديق، فإنه من المعلوم في اللُّغة أنَّ كلَّ مخبر يُقال له: صدقت أو كذبت، ويقال: صدَّقناه أو كذَّبناه، ولا يُقال لكلِّ مخبر: آمنَّا له أو كذَّبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له أو مكذِّب له، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختصُّ بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك، لكان كفره أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط"
(2)
.
3 -
"وإن كان هو التصديق، فالتصديق التام القائم مستلزمٌ لما وجب من أعمال القلب والجوارح، فإنَّ هذه لوازم الإيمان التام، وانتفاء اللازم دليلٌ على انتفاء الملزوم، ونقول: إنَّ هذه اللوازم تدخل في مسمَّى اللَّفظ تارة، وتخرج عنه أخرى"
(3)
.
(1)
كتاب الإيمان، ص 240.
(2)
المرجع نفسه، ص 229.
(3)
نفسه، ص 117.
4 -
أنَّ الأفعال تُسمَّى تصديقًا كما ورد في الحديث الثابت عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ الله عز وجل كتب على ابن آدم حظَّه من الزِّنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النَّظر، وزنا اللِّسان المنطق، والنَّفس تمنَّى وتشتهي، والفرج يصدِّق ذلك أو يكذّبه»
(1)
.
5 -
يلزم من فساد هذا القول أنَّ من صدَّق بقلبه فهو مؤمن، ولو لم يركع أو يسجد لله عز وجل سجدةً واحدة
(2)
.
6 -
أنَّ هذا القول مخالف للأدلة الشرعية التي تثبت أنَّ العملَ داخلٌ في الإيمان، ومنها:
أولًا: من القرآن
(3)
، قال ابن تيمية رحمه الله: "فيقال: من أحوال القلب وأعماله ما يكون من لوازم الإيمان الثابتة فيه، بحيث إذا كان الإنسان مؤمنًا، لزم ذلك بغير قصد منه ولا تَعمُّد له، وإذا لم يوجد دلَّ على أنَّ الإيمان الواجب لم يحصل في القلب، وهذا كقوله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}
(4)
، فأخبر أنك لا تجد مؤمنًا يواد المحادين لله ورسوله، فإنَّ نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدَّين الآخر، فإذا وجد
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج، 4/ 139، رقم 6243.
(2)
شرح العقيدة الطحاوية 2/ 416.
(3)
سورة الأنفال: 2.
(4)
سورة المجادلة: 22.
الإيمان انتفى ضده، وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه، كان ذلك دليلًا على أنَّ قلبه ليس فيه الإيمان الواجب"
(1)
.
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}
(2)
.
قال ابن قتيبة رحمه الله: "فإيمان العبد بالله: تصديقه قولًا وعملًا وعقدًا، وقد سمى الله الصلاة -في كتابه- إيمانًا، فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي: صلاتكم إلى بيت المقدس"
(3)
.
ثانيًا: من السُّنَّة
1 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضعٌ وستون شعبة، فأفضلُها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان»
(4)
.
2 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: «آمركم بالإيمان وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:«شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم»
(5)
.
3 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آيةُ الإيمان حُبُّ الأنصار، وآيةُ النفاق بغضُ الأنصار»
(6)
.
(1)
الإيمان، ص 17.
(2)
سورة البقرة: 143.
(3)
غريب القرآن، ص 16.
(4)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب عدد شعب الإيمان وفضلها، 1/ 63، رقم 35.
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد قيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من ورائهم، 1/ 48، رقم 25.
(6)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار، 1/ 22، رقم 17.