الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: الأدلة العقلية على موت الخضر عليه السلام
-
ذكر ابن القيم جملة من هذه الأدلة فقال: "أمَّا الدليل المعقول من موت الخضر عليه السلام فمن عشرة أوجه:
منها:
أحدها: أنَّ الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد لوجهين:
أحدهما: أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة
…
ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر.
والثاني: أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده كما زعموا، وأنه كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرط في الطول والعرض، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«خلق الله آدم طوله ستون ذراعًا فلم يزل الخلق ينقص بعد»
(1)
.
الوجه الثالث: أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة ولم ينقل هذا أحد.
الوجه الرابع: أنه قد اتفق العلماء أن نوحًا لما نزل من السفينة مات من كان معه ثم مات نسلهم ولم يبق غير نسل نوح، والدليل على هذا قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}
(2)
، وهذا يبطل قول من قال: إنه كان قبل نوح.
والوجه الخامس: أنَّ هذا لو كان صحيحًا أنَّ بشرًا من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر ومولده قبل نوح لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب وكان خبره في القرآن مذكورًا في غير موضع؛ لأنه من أعظم آيات الربوبية، وقد ذكر
(1)
أخرجه مسلم، كتاب الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة آدم 4/ 2178، رقم 2841.
(2)
سورة الصافات: 77.
الله سبحانه وتعالى من أحياه ألف سنة إلا خمسين عامًا وجعله آيةً فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر، ولهذا قال بعض أهل العلم: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.
الوجه السادس: أنَّ القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم وذلك حرامٌ بنصِّ القرآن، قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
(1)
.
أما المقدمة الثانية فظاهره، وأما الأولى فإنَّ حياته لو كانت ثابتة لدلَّ عليها القرآن أو السُّنَّة أو إجماع الأُمَّة فهذا كتاب الله تعالى فأين فيه حياة الخضر وهذه سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين فيها ما يدلُّ على ذلك بوجه، وهؤلاء علماء الأمة هل أجمعوا على حياته؟.
الوجه السابع: أنه لو كان حيًّا لكان جهاده الكفار ورباطه في سبيل الله عز وجل ومقامه في الصف ساعة وحضوره الجمعة والجماعة، وتعليمه العلم أفضل له بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار والفلوات، وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له"
(2)
.
الوجه الثامن: أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول: أنا الخضر، لو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كذا وكذا، لم يلتفت إلى قوله ولم يحتج به في الدين إلا أن يقال إنه لم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بايعه، أو يقول هذا الجاهل إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه.
والقول الحق الذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة وسلف الأُمَّة بأنَّ الخضر نبيٌّ مرسلٌ من الله عز وجل ومات كما يموت بني آدم.
(1)
سورة الإسراء: 36.
(2)
المنار المنيف، ص 73 - 77.