الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الجَنَّة والنَّار
أولًا: الجَنَّة والنار مخلوقتان موجودتان
يعتقد ابن عجيبة أنَّ الجنة والنار مخلوقتان، يقول في تفسيره لقول الله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
(1)
: {أُعِدَّتْ} أي: هُيِّئت للمتقين، وفيه:"دليلٌ على أنَّ الجنَّة مخلوقة، وأنَّها خارجةٌ عن هذا العالم"
(2)
.
وقال في تفسيره لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}
(3)
، "وفيه إشعارٌ بأنَّ النَّار موجودة إذ لا يُعَدُّ المعدوم، وأنَّها بالذات مُعَدَّة للكافرين، وبالعرض للعاصين"
(4)
.
وما ذهب إليه ابن عجيبة في تفسيره للآيات السابقة هو حقٌ دلَّت عليه النصوص الشرعية وأقوال المفسرين.
قال القرطبي رحمه الله: "وعامَّة العلماء على أنَّ الجنّة مخلوقةٌ موجودة
…
"
(5)
.
وقال ابن كثير رحمه الله: الأظهر أنَّ الضمير في {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} عائدٌ إلى النَّار التي وقودها الناس والحجارة، ويحتمل عوده على الحجارة،
…
وقد استدلَّ كثيرٌ من أئمة السُّنَّة
(1)
سورة آل عمران: 133.
(2)
البحر المديد 1/ 406.
(3)
سورة آل عمران: 130 - 131.
(4)
البحر المديد 1/ 406.
(5)
الجامع لأحكام القرآن 4/ 205.
بهذه الآية على أنَّ النَّار موجودة الآن؛؛ لقوله: {أُعِدَّتْ} أي: أُرْصِدت وهُيِّئت"
(1)
.
والأحاديثُ مستفيضةٌ بذلك.
أمَّا أقوال العلماء في صِحَّة هذا القول فهي مقرَّرةٌ في كتبهم.
قال الطحاوي رحمه الله: "والجنَّة والنَّار مخلوقتان، لا تفنيان أبدًا ولا تبيدان، فإنَّ الله تعالى خلق الجنَّة والنَّار قبل الخلق، وخلق لهما أهلًا، فمن شاء منهم إلى الجنَّة فضلًا منه، ومن شاء منهم إلى النَّار عدلًا منه، وكلٌّ يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدَّران على العباد"
(2)
.
وقال الآجري رحمه الله: "كتاب الإيمان والتصديق بأنَّ الجنَّة والنار مخلوقتان، وأنَّ نعيم الجنَّة لا ينقطع عن أهلها أبدًا، وأنَّ عذاب النَّار لا ينقطع عن أهلها أبدًا"
(3)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
(4)
: "وهما مخلوقتان الآن؛ لقوله تعالى في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وفي النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ، والإعداد التهيئة، ولقوله، صلى الله عليه وسلم حين صلَّى صلاة الكسوف:«إنِّي رأيت الجنة، فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النَّار، فلم أر كاليوم منظرًا قط أفظع»
(5)
،
(6)
.
(1)
تفسير القرآن العظيم 1/ 202.
(2)
متن العقيدة الطحاوية، ص 50.
(3)
الشريعة 3/ 1342.
(4)
هو: أبو عبد الله، محمد بن صالح بن سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن مقبل، من آل مقبل، من آل ريِّس الوهيبي التميمي، ولد في عنيزة سنة 1347 هـ، وتعلم القرآن على جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان الدامغ رحمه الله، ومن شيوخه: الشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ عبد العزيز بن باز، له مؤلفات منها: الشرح الممتع على زاد المستنقع، وشرح العقيدة الواسطية وغيرها، توفي عام 1421 هـ. ينظر: الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثيمين، ص 142، ابن عثيمين الإمام الزاهد، ص 296.
(5)
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 5/ 70.
(6)
أخرجه البخاري، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف جماعة، 1/ 331، رقم 1052.