الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
، وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج، عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه: «
…
ثم رُفِع لي البيت المعمور، فقلتُ: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كلَّ يومٍ سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم»
(2)
، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:"يُؤتى بجهنَّم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كلِّ زمام سبعون ألف ملك يجرُّونها"
(3)
.
قال ابن حجر: "اُستدلَّ به على أنَّ الملائكة أكثر المخلوقات؛ لأنَّه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدَّد من جنسه في كلِّ يومٍ سبعون ألفًا، غير ما ثبت عن الملائكة في هذا الخبر"
(4)
.
سادسًا: أعمالهم
يرى ابن عجيبة أنَّ الله عز وجل جعل إليهم أمورَ الخلائق، فقال:"اعلم أنَّ الله تعالى خلق من الملائكة أربعة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، وهو ملك الموت، عليهم السلام، وجعل إليهم أمور الخلائق وتدبيرهم، وتدبير العالم كلّه إلى يوم القيامة، جبريل صاحب الوحي والرِّسالة، وميكائيل صاحب الأمطار، وعزرائيل صاحب الأرواح، وإسرافيل صاحب القرن "
(5)
.
وقال في موضع آخر: "
…
وأسماؤهم الروحانيون"
(6)
.
(1)
سورة المدثر: 31.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، 2/ 991 - 992، رقم 3207.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنَّة والنار، باب في شدةَّ حرِّ جهنم وبعد قعرها، 4/ 2184، رقم 2842.
(4)
فتح الباري 7/ 215.
(5)
شجرة اليقين بما يتعلق بكون رب العالمين، ص 186.
(6)
المرجع نفسه، ص 187.
ورَأْيُ ابن عجيبة في هذه المسألة موافقٌ لأهل السُّنَّة في الجملة.
فالملائكة لهم أعمالٌ كثيرة، قال ابن القيم: "كلُّ حركةٍ في السَّماوات والأرض من حركة الأفلاك، والنُّجوم، والشَّمس، والقمر، والرياح، والسَّحاب، والنَّبات، والحيوان، فهي ناشئةٌ عن الملائكة الموكَّلين بالسَّماوات والأرض، كما قال تعالى:{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}
(1)
، وقال:{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا}
(2)
.
وهى الملائكة عند أهل الإيمان وأتباع الرُّسل عليهم السلام، وأمَّا المكذِّبون للرُّسل، المنكرون للصانع، فيقولون: هي النُّجوم
…
وقد دلَّ الكتاب والسُّنَّة على أصناف الملائكة، وأنَّها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكَّل بالجبال ملائكة، ووكَّل بالسَّحاب والمطر ملائكة، ووكَّل بالرَّحم ملائكة تُدبِّر أمر النُّطفة حتى يتمَّ خلقها، ثم وكَّل بالعبد ملائكةً لحفظه، وملائكةً لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته، ووكَّل بالموت ملائكة، ووكَّل بالشَّمس والقمر ملائكة، ووكَّل بالنَّار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكة، ووكَّل بالسُّؤال في القبر ملائكة، ووكَّل بالأفلاك ملائكة يُحرِّكونها، ووكَّل بالجنَّة وعمارتها وغراسها وعمل الأنهار فيها ملائكة، فالملائكة أعظم جنود الله تعالى
…
ومنهم ملائكة الرَّحمة وملائكة العذاب، وملائكة قد وُكِّلوا بحمل العرش وملائكة قد وُكِّلوا بعمارة السَّماوات بالصَّلاة والتسبيح والتقديس، إلى غير ذلك من أصناف الملائكة التي لا يحصيها إلا الله تعالى
…
فجبريل مُوكَّل بالوحى الذى به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل مُوكَّل بالقطر الذى به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل مُوكَّل بالنَّفخ في الصور الذى به حياة الخلق بعد مماتهم"
(3)
.
(1)
سورة النازعات: 5.
(2)
سورة الذاريات: 4.
(3)
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان 2/ 125، وينظر: البداية والنهاية 1/ 41.
وسَمَّى الله عز وجل جبريل عليه السلام بالرُّوح؛ لأنَّه حامل الوحي الذي به حياة القلوب إلى الرُّسل من البشر
(1)
.
وقد ثبت اسم جبريل وميكائيل في القرآن والسُّنَّة.
(2)
.
وعن سمُرة بن جندب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رأيت الليلة رجلين أتياني فقالا: الذي يوقد النَّار مالكٌ خازنُ النَّار، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل»
(3)
.
أما إسرافيل فقد ورد اسمه في السُّنَّة ولم يرد في القرآن، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من اللَّيل يُصلِّي يقول:«اللَّهمَّ رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»
(4)
.
وأما ما ذكره ابن عجيبة من تسميتهم (روحانيين)؛ فإنَّ هذه التسمية لم ترد لا في الكتابِ ولا في السُّنَّة، وإنما ذكرها بعض العلماء، قال ابن الأثير
(5)
: "الروحانيون
(1)
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص 337.
(2)
سورة البقرة: 98.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، 6/ 313، رقم 1386.
(4)
أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، 1/ 534، رقم 1847.
(5)
هو مبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم، مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الشيباني الجزري، المحدث، ولد سنة 544 هـ، وتوفي سنة 606 هـ. ينظر: السير 21/ 488، وفيان الأعيان 4/ 141 - 143، البداية والنهاية 17/ 8 - 9.
يروى بضم الراء وفتحها كأنَّه نسبة إلى الرُّوح أو الرَّوح وهو نسيمُ الرِّيح، والألف والنون من زيادة النَّسب، ويريد به أنهم أجسامٌ لطيفةٌ لا يُدركها البصر"
(1)
.
ووصفهم بأنهم (أجسام لطيفة روحانية)، لا يسلَّم له؛ لأنه ينفي ما ثبت بالكتاب والسُّنَّة من وصفهم بالقوَّة، وأنَّ الله عز وجل خلقهم بصورةٍ عظيمةٍ تليق بما كلَّفهم الله سبحانه وتعالى به.
وعندما سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: {وَلَقَدْ رَأَىهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}
(2)
(3)
، وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدُّها عليَّ، فيفصم عنِّي، وقد وعيتُ ما قال، وأحيانًا يتمثَّل لي الملك رجلًا فيُكلِّمني فأعي ما يقول، قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيتُه ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإنَّ جبينه ليتفصَّد عرقًا»
(4)
، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أُذِن لي أن أُحَدِّث عن مَلَكٍ من ملائكة الله من حملة العرش، إنَّ ما بين شحمة أُذُنِه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام»
(5)
.
(1)
النهاية 2/ 272.
(2)
سورة التكوير: 23.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَأَىهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} 1/ 159، رقم 287.
(4)
أخرجه البخاري، باب بدء الوحي، 1/ 4، رقم 2.
(5)
أخرجه أبو داود، كتاب السُّنَّة، باب في الجهمية 4/ 370، رقم 4729، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 151.
فهذه نصوصٌ دالَّةٌ على عظمتهم وقوَّة خَلْقِهم، وأنَّهم أجسامٌ حقيقيَّة، لا كما يقول ابن عجيبة من أنهم أجسامٌ لطيفة.
وتسمية صاحب الأرواح عزرائيل لم تَثبت لا في كتابٍ ولا سُنَّة، والذي ورد في النُّصوص أنَّه مَلَكُ الموت، قال الله:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
(1)
، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: «جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجبْ ربَّك، قال: فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله تعالى»
(2)
.
قال ابن كثير: "وأمَّا مَلَك الموت فليس بمصرَّحٍ باسمه في القرآن ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل والله أعلم"
(3)
.
وبهذا يتضح أنَّ هذا الاسم لم يصحّ بدلالة النصوص الشرعية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وقد اشتهر أنَّ اسمه (عزرائيل)، لكنَّه لم يصح، إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية لا توجب أن نؤمن بهذا الاسم، فنسمِّي من وُكِّل بالموت بـ (ملك الموت) كما سمَّاه الله عز وجل بقوله تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
(4)
،
(5)
.
وقال أيضًا: "وتسميته (عزرائيل) لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هي من أخبار بني إسرائيل، ولم يثبت من أسماء الملائكة إلا خمسة أسماء، وهي: جبرائيل، وميكائيل،
(1)
سورة السجدة: 11.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام 4/ 1842، رقم 2372.
(3)
البداية النهاية 1/ 49.
(4)
سورة السجدة: 11.
(5)
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 3/ 166.
وإسرافيل، ومالك، ورضوان، ومنكرٌ ونكير، فهذه هي الأسماء الثابتة فيمن يتولَّون أعمال العباد
…
وملك الموت لا يُسمى عزرائيل؛ لأنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأمور الغيبية التي يتوقَّف إثباتُها ونفيها على ما ورد به الشرع.
ثم إنَّ مَلَك الموت له أعوان يعينونه على إخراج الرُّوح من الجسد حتى يوصلوها إلى الحلقوم، فإذا أوصلوها إلى الحلقوم قبضها مَلَك الموت، وقد أضاف الله تعالى الوفاة إلى نفسه، وإلى رسله أي: الملائكة، وإلى مَلَك واحد، فقال الله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
(1)
.
وأضافها إلى ملك واحد في قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
(2)
.
وإلى الملائكة في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}
(3)
.
ولا معارضة بين هذه الآيات، فأضافه الله إلى نفسه؛ لأنه واقعٌ بأمره، وأضافه إلى الملائكة؛ لأنهم أعوانٌ لملك الموت، وأضافه إلى ملك الموت؛ لأنه هو الذي تولَّى قبضها من البدن"
(4)
.
وقال ابن حبان رحمه الله: "إنَّ الله عز وجل أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: أجب ربك أمر اختبار وابتلاء لا أمرًا يريد الله عز وجل إمضاءه كما أمر خليله صلى الله على نبيِّنا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار
(1)
سورة الزمر: 42.
(2)
سورة السجدة: 11.
(3)
سورة الأنعام: 61.
(4)
الشرح الممتع على زاد المستقنع 5/ 245.
وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله عز وجل إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه وتلَّه للجبين فداه بالذبح العظيم.
وقد بعث الله عز وجل الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم عليه السلام ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة وكمجيء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام فلم يعرفه المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ولَّى.
فكان مجيء ملك الموت إلى موسى عليه السلام على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها، وكان موسى غيورًا فرأى في داره رجلًا لم يعرفه فشال يده
(1)
فلطمه فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصُّورة التي يتصور بها لا الصورة التي خلقه الله عليها.
ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، أو الناظر إلى بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله ولا حرج على مرتكبه
…
كان جائزًا اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمَّن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحًا له، ولا حرج عليه في فعله.
فلمَّا رجع مَلَك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه، أمره ثانيًا بأمرٍ آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل، إذ قال الله له: قل له: إن شئتَ فضع يدك على متن ثور فلك بكلِّ ما غطَّت يدك بكلِّ شعرةٍ سَنَة، فلمَّا علم موسى كليم الله صلى الله على نبيِّنا وعليه أنه مَلَك الموت وأنه جاءه بالرِّسالة من عند الله طابت نفسُه بالموت ولم يستمهل وقال: فالآن.
فلو كانت المرَّة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت لاستعمل ما استعمل في المرَّة الأخرى عند تيقُّنه وعلمه به"
(2)
.
(1)
شال الرجل يده: أي رفعها. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 501.
(2)
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، باب بدء الخلق، 14/ 112، وينظر: فتح الباري 6/ 442.