الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: أسباب حصول الولاية
1 -
المجاهدة ومحاربة النفس
(1)
، قال ابن عجيبة:"وعد الله المتوجهين إليه بالوصول إلى سرِّ الخصوصية وهي الولاية، لكن بعد المجاهدة والمحاربة للنفوس؛ لأنَّ الحضرة لا يدخلها إلا أهل التهذيب والتدريب"
(2)
.
2 -
الذكر
(3)
، قال ابن عجيبة:"فإنَّ الذكر منشور الولاية، ولا بدَّ منه في البداية والنهاية، فمن أُعطي الذكر فقد أُعطي المنشور، ومن ترك الذكر فقد عزل"
(4)
.
مما لا شكَّ فيه أنَّ الذكر له فوائد وثمار قرَّرها أهل السُّنَّة والجماعة
(5)
، ولكن مفاد الصوفية بهذه الطريقة هو الوصول إلى وحدة الوجود، ولقد أورد ابن عجيبة نصًّا بذلك فقال: "فإن دمت على ذكر الحضور رفعك إلى ذكر مع الغيبة عمَّا سوى المذكور، لما يغمر قلبك من النُّور، وربما يعظم قرب نور المذكور فيغرق في النور حتى يغيب عمَّا سوى المذكور، حتى يصير الذاكر مذكورًا، والطالب مطلوبًا، والواصل موصولًا
…
وهاهنا يسكت اللسان، وينتقل الذكر للجنان، فيصير ذكر اللسان غفلةً في حق أهل هذا المقام
…
لأن ذكره باللِّسان وتكلفه يقتضي وجود النفس، وهو شرك، والشرك أقبح من الغفلة
…
والفرض أنَّ الذاكر محو في مقام العيان"
(6)
.
(1)
سبق نقدها ص 123 - 140.
(2)
البحر المديد 2/ 309.
(3)
سبق الرد عليهم في بدعة الذكر المفرد.
(4)
إيقاظ الهمم، ص 117 - 119.
(5)
ينظر: الوابل الصيب، ص 52.
(6)
إيقاظ الهمم، ص 119 - 120، وينظر: شرح صلاة ابن مشيش، ص 33 - 34.
قال ابن تيمية رحمه الله: وكذلك أصحاب الرياضة والتجرُّد، فإنَّ صفوتهم الذين يشتغلون بذكر بسيط مثل (لا إله إلا الله) إن لم يغلوا فيقتصروا على مجرَّد (الله الله) ويعتقدون أنَّ ذلك أفضل وأكمل، كما فعله كثير منهم، وربما اقتصر بعضهم على (هو هو)، أو على قوله:(لا هو إلا هو)؛ لأن هذا الذكر المبتدع الذي هو لا يفيد بنفسه إلا أنه مطلقًا ليس فيه بنفسه ذكر لله إلا بقصد المتكلم، فقد ينضم إلى ذلك اعتقاد صاحبه أنه لا وجود إلا هو كما يصرح به بعضهم ويقول:(لا هو إلا هو) أو (لا موجود إلا هو) وهذا عند الاتحادية أجود من قول (لا إله إلا الله)؛ لأنه مصرح بحقيقة مذهبهم الفرعوني القرمطي حتى يقول بعضهم: (لا إله إلا الله) ذكر العابدين و (الله الله) ذكر العارفين وهو هو ذكر المحققين ويجعل ذكره (يا من لا هو إلا هو)، وإذا قال (الله الله) إنما يفيد مجرد ثبوته فقد ينضم إلى ذلك نفي غيره لا نفي إلهية غيره فيقع صاحبه في وحدة الوجود وربما انتفى شهود القلب للسوى إذا كان في مقام الفناء فهذا قريب، أمَّا اعتقاد أن وجود الكائنات هي هو فهذا هو الضلال، ويضمون إلى ذلك نوعًا من التصفية مثل ترك الشهوات البدنية من الطعام والشراب والرياسة والخلوة وغير ذلك من أنواع الزهادة المطلقة والعبادة المطلقة فيصلون أيضًا إلى تألُّهٍ مطلق ومعرفة مطلقة بثبوت الرَّب ووجوده ونحو ذلك من نحو ما يصل إليه أرباب القياس
(1)
.
وطريق حصول الولاية وفق المنهج الحق باتباع الشريعة الغرَّاء وسلوك المحجة البيضاء.
قال ابن تيمية رحمه الله: "أولياء الله عز وجل هم الذين نعتهم الله في كتابه، حيث قال: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
(1)
مجموع الفتاوى 2/ 63.
يَتَّقُونَ}
(1)
فكلُّ من كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرَّب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بدَّ له منه»
(2)
.
ودين الإسلام مبنيٌّ على أصلين، على أن لا نعبد إلا الله، وأن نعبده بما شرع، لا نعبده بالبدع، قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
(3)
.
فالعمل الصالح ما أحبَّه الله ورسوله، وهو المشروع المسنون"
(4)
، وقال الطبري رحمه الله: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: الوليُّ هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها وهو الذي آمن واتقى كما قال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}
(5)
"،
(6)
.
ويقول الألوسي: "وأحسن ما يعتمد عليه في معرفة الولاية اتباع الشريعة الغرَّاء،
(1)
سورة يونس: 62 - 63.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، 4/ 192، رقم 6502.
(3)
سورة الكهف: 110
(4)
الفتاوى الكبرى 1/ 206.
(5)
سورة يونس: 63.
(6)
جامع البيان في تأويل القرآن 15/ 123.