الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول التلمساني:
شَهِدْتَ نفْسَكَ فينا وهي واحدة
…
كثيرةٌ ذاتُ أوصافٍ وأسماء
ونحن فيك شهِدْنا بعد كثْرَتنا
…
عينًا بها اتَّحد المرئيُّ والرائي
فأوَّلٌ أنت من قبل الظُّهُورِ لنا
…
وآخِرٌ أنت عند النَّازحِ النَّائي
وباطنٌ في شهود العين واحِدُهُ
…
وظاهرٌ لامتيازاتٍ بأسماء
أنت المُلَقِّنُ سرًّا لا أفوُهُ بهِ
…
وأنت نُطْقيَ والمُصْغي لنجوائي
(1)
وبعد ذلك بيَّن ابن تيمية رحمه الله الفرق بين الطرق الثلاث بقوله:
الفريق الأول يفرِّق بين الوجود والثبوت، ويفرِّق الثاني بين المطلق والمعيَّن، أمَّا الثالث والذي أعده من أخبثهم وأعمقهم كفرًا فإنه لا يفرِّق بين شيء، ولهذا كان يستحلُّ جميع المحرَّمات؛ حتى حكى عنه الثقات أنه كان يقول: البنت والأم والأجنبية شيءٌ واحدٌ ليس في ذلك حرام علينا وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام، فقلنا: حرام عليكم، وكان يقول
(2)
: القرآنُ كلُّه شركٌ ليس فيه توحيدٌ وإنما التوحيد في كلامنا
(3)
.
ثالثًا: أسماء وحدة الوجود كما بيَّنها ابن عجيبة
1 -
الفردانية، هي:"انفراد الحق بالوجود، بانطباق بحر الأحدية على الكل، بحيث لم يبق وجود لغيره فقط"
(4)
.
(1)
ديوانه 1/ 85 - 86.
(2)
التلمساني.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 2/ 471 - 472.
(4)
معراج التشوف، ص 53.
وهذا مفاده إنكار صفة الربوبية، قال ابن تيمية رحمه الله:"إن عندهم أن الله ليس رب العالمين، ولا مالك الملك، إذ ليس إلا وجوده، وهو لا يكون رب نفسه، ولا يكون الملك المملوك هو الملك المالك، وقد صرَّحوا بهذا الكفر مع تناقضه، وقالوا: إنه هو ملك الملك، بناءً على أنَّ وجوده مفتقر إلى ذوات الأشياء، وذوات الأشياء مفتقرة إلى وجوده، فالأشياء مالكة لوجوده، فهو ملك الملك"
(1)
.
2 -
الفناء، "وهو محو الرسوم والأشكال بشهود الكبير المتعال"
(2)
.
ومراد القوم بهذا المصطلح وحدة الوجود، وهو الفناء عن وجود السوي
(3)
، قال ابن عجيبة: "إذا قال الفقير -أي الصوفي- أنا من أهوى
…
ومن أهو ى أنا
(4)
، قبل تحقق فنائه، فما أبعده عن الصواب، وإذا تحقق فناؤه فلا يقوله إلا مع يُصدِّقه في حاله، وإلا تعرض لقتله"
(5)
.
يقول ابن القيم رحمه الله: "فأمَّا الفناء عن وجود السوي، فهو فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود، وأنه ما ثَمَّ غير، وأنَّ غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة، ونفي التكثُّر، والتعدد عن الوجود بكلِّ اعتبار، فلا يشهد غيرًا أصلًا، بل يشهد وجود العبد عين وجود الرَّب، بل ليس عندهم في الحقيقة ربٌّ وعبد"
(6)
.
(1)
مجموع الفتاوى 2/ 249.
(2)
معراج التشوف، ص 53.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 2/ 369 - 370.
(4)
ديوان الحلاج، ص 47.
(5)
الفتوحات الإلهية، ص 367.
(6)
مدارج السالكين 1/ 174.
3 -
توحيد خاصة الخاصة، وهو "إفراد الحق بالوجود في الأزل والأبد"
(1)
.
4 -
ويقول أيضًا: "نهاية توحيد الواصلين من العارفين والمريدين السائرين توحيد الذات فلا يشهدون إلا الله، ولا يرون معه سواه"
(2)
.
ولهذا فإنَّ وحدة الوجود هي الغاية الحقيقية من التصوف، يقول ابن عجيبة:"الحقيقة شهود الحق في تجلِّيات المظاهر"
(3)
.
ويرى ابن عجيبة أنَّ وحدة الوجود لا يشهدها إلا خاصة الخاصة، فقال:"تجلِّي الذات لا يدركه إلا الخواص، أو خواص الخواص، ومن شأن السر ألا يدركه إلا الأفراد"
(4)
.
وهذه الأقوال متناقضة وباطلة فهذا الكلام ينقض بعضه بعضًا؛ فإنه إن كان الوجود واحدًا لم يكن أحد الشاهدين غير الآخر ولم يكن الشاهد غير المشهود، ولهذا قال بعض شيوخ هؤلاء: من قال إن في الكون سوى الله فقد كذب، فقال له آخر: فمن الذي كذب؟ فأفحمه، وهذا لأنه إذا لم يكن موجود سوى الواجب بنفسه، كان هو الذي يكذب ويظلم ويأكل ويشرب، وهذا يصرح به أئمة هؤلاء كما يقول صاحب الفصوص وغيره: إنه موصوف بجميع صفات الذم وإنه هو الذي يمرض ويضرب وتصيبه الآفات ويوصف بالمعايب والنقائص كما أنه هو الذي يوصف بنعوت المدح والذم
(5)
.
(1)
معراج التشوف، ص 53.
(2)
البحر المديد 2/ 66.
(3)
كشف النقاب عن سر الألباب، ص 181.
(4)
شرح صلاة القطب، ص 15.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 2/ 305.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: "ومن قال: إن لقول هؤلاء سرًّا خفيًّا وباطن حق وإنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق فهو أحد رجلين -إمَّا أن يكون من كبار الزنادقة أهل الإلحاد والمحال، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال، فالزنديق يجب قتله، والجاهل يعرَّف حقيقة الأمر، فإن أصرَّ على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله.
ولكن لقولهم سرٌّ خفيٌّ وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق، وهذا السرُّ هو أشدُّ كفرًا وإلحادًا من ظاهره؛ فإن مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء، قد لا يفهمه كثير من الناس، ولهذا تجد كثيرًا من عوام أهل الدين والخير والعبادة ينشد قصيدة ابن الفارض، ويتواجد عليها ويعظمها، ظانًّا أنها من كلام أهل التوحيد والمعرفة، وهو لا يفهمها ولا يفهم مراد قائلها؛ وكذلك كلام هؤلاء يسمعه طوائف من المشهورين بالعلم والدين فلا يفهمون حقيقته فإمَّا أن يتوقفوا عنه أو يعبروا عن مذهبهم بعبارة من لم يفهم حقيقة، وإمَّا أن ينكروه إنكارًا مجملًا من غير معرفة بحقيقته ونحو ذلك، وهذا حال أكثر الخلق معهم.
وأئمتهم إذا رأوا من لم يفهم حقيقة قولهم طمعوا فيه، وقالوا: هذا من علماء الرسوم، وأهل الظاهر، وأهل القشر، وقالوا: علمنا هذا لا يعرف إلا بالكشف والمشاهدة، وهذا يحتاج إلى شروط، وقالوا: ليس هذا عشك فادرج عنه، ونحو ذلك مما فيه تعظيم له وتشويق إليه، وتجهيل لمن لم يصل إليه، وإن رأوه عارفًا بقولهم نسبوه إلى أنه منهم، وقالوا: هو من كبار العارفين، وإذا أظهر الإنكار عليهم والتكفير قالوا: هذا قام بوصف الإنكار لتكميل المراتب والمجالي، وهكذا يقولون في الأنبياء ونهيهم عن عبادة الأصنام.