الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن بطال رحمه الله: "وبيان ذلك أنه من لم تحصل له بذلك الزيادة، فإيمانه أنقص من إيمان من حصلت له"
(1)
.
وقال البغوي رحمه الله: "وقالوا: -أي أهل السُّنَّة والجماعة- إنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، على ما نطق به القرآن في الزيادة، وجاء في الحديث بالنُّقصان في وصف النِّساء
(2)
"
(3)
.
(4)
.
قال ابن بطال رحمه الله: "هذه الآية حُجَّة في زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأنَّ هذه الآية نزلت يوم عرفة في حَجَّة الوداع يوم كملت الفرائض والسُّنَن واستقرَّ الدِّين، وأراد الله قبض نبيِّه، فدلَّت هذه الآية أنَّ كمال الدين إنما حصل بتمام الشريعة، فمن حافظ على التزامها فإيمانه أكمل من إيمان من قَصَرَّ في ذلك وضيَّع"
(5)
.
ثانيًا: أدلَّة زيادة الإيمان ونقصانه من السُّنَّة
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَرهُم، أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا: إنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إنَّ الله قد غفر لك ما
(1)
شرح صحيح البخاري 1/ 56.
(2)
وأنهن (ناقصاتُ عقلٍ ودين)، وجعل من نقصان دينها أنها إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي، وبهذا استدلَّ غير واحد على أنه ينقص. ينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 13/ 51، 7/ 233، "وليس المقصود بذكر النقص في النِّساء لومهن على ذلك؛ لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرًا من الافتتان بهن
…
". ينظر: فتح الباري 1/ 406.
(3)
شرح السُّنَّة 1/ 39.
(4)
سورة المائدة: 3.
(5)
شرح صحيح البخاري 1/ 102، وينظر: عمدة القاري 1/ 258.
تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول:«إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا»
(1)
.
قال ابن حجر رحمه الله: "وفيه دليلٌ على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم بالله) ظاهر في أنَّ العلم بالله درجات، وأنَّ بعض النَّاس فيه أفضل من بعض، وأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم منه أعلى الدرجات، والعلم بالله يتناول ما بصفاته وما بأحكامه وما يتعلَّق بذلك فهذا هو الإيمان الحقيقي"
(2)
.
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد»
(3)
.
قال ابن عبد البر رحمه الله معلِّقًا على هذا الحديث: "وإنما صاروا ناقصي الإيمان بارتكابهم الكبائر، ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» يريد مستكمل الإيمان، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر، إذا صلّوا للقبلة، وانتحلوا دعوة الإسلام من قرابتهم المؤمنين الذين آمنوا بتلك الأحوال، وفي إجماعهم على ذلك مع إجماعهم على أنَّ الكافر لا يرث المسلم أوضح الدلائل على صحة قولنا: إنَّ مرتكب الذنوب ناقص الإيمان بفعله ذلك وليس بكافر كما زعمت الخوارج في
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله، 1/ 23، رقم 20.
(2)
فتح الباري 1/ 70.
(3)
أخرجه البخاري 3/ 136، رقم 2475، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي 1/ 76، رقم 57، واللفظ لمسلم.
تكفيرهم المذنبين، وقد جعل الله عز وجل في ارتكاب الكبائر حدودًا جعلها كَفَّارةً وتطهيرًا"
(1)
.
قال النووي في بيان معنى الحديث: "فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أنَّ معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تُطلق على نفي الشَّيء ويُراد نفي الكمال"
(2)
.
3 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتنى كلبًا إلا كلبَ ماشيةٍ أو ضاريًا
(3)
نقص من عمله كل يوم قيراطان»
(4)
.
قال ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: "وفي الحديث الحثُّ على تكثير الأعمال الصالحة، والتحذير من العمل بما ينقصها، والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها؛ لتجتنب أو ترتكب، وبيان لطف الله تعالى بخلقه في إباحة ما لهم به نفع وتبليغ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم لهم أمور معاشهم ومعادهم، وفيه ترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة؛ لوقوع استثناء ما يُنتفع به مما حُرِّم اتخاذه"
(5)
.
4 -
عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل الجنَّة من أُمِّتي سبعون ألفًا بغير حساب» ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرَّون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكَّلون»
(6)
.
(1)
التمهيد 9/ 243.
(2)
شرح صحيح مسلم 2/ 41.
(3)
ضاريًا: مُغرىً بالصَّيد، سُمِّي ضاريًا؛ لأنَّه يَضْرَى بالشَّيء، ويقال: ضرا الكلب وأضراه صاحبه أي: عوَّده وأغراه بالصيد. ينظر: مقاييس اللغة 3/ 397، غريب الحديث 1/ 440، فتح الباري 9/ 609.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيدٍ أو ماشية، 3/ 452، رقم 5482.
(5)
فتح الباري 5/ 7.
(6)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، 1/ 198، رقم:355.